وزراء ومدراء ومتنفذون في مستنقع آسن!!
كان القطاع العام طوال سنوات، وقبل تبني اقتصاد السوق وتحرير التجارتين الداخلية والخارجية، يعاني من صعوبات وتراجعات بشكل عام، ولم تكن هناك أية محاولة للحد من هذه الصعوبات، بل رأينا على أرض الواقع فك الارتباط ما بين جهات القطاع العام وفوضى إدارية وفساد وقوانين معيقة، أدت في مجملها إلى انخفاض نسب الانتفاع من الطاقات الإنتاجية لهذا القطاع وتزايد المخازين وتدني السيولة المالية وانخفاض الانتفاع من الخطط الاستثمارية.. توقفت شركات عن العمل والإنتاج وغيرها مهدد بالتوقف... خسارات متتالية تتعرض لها شركات عديدة، دون اتخاذ أي قرار للحد من هذا التدهور المستمر.
الواقع والحقائق
بات اقتصاد السوق الاجتماعي وانعكاساته ونتائجه الاقتصادية والاجتماعية شماعة دائمة نعلق عليها كل الانتهاكات التي ارتكبت بحق القطاع العام، هروب إلى ألأمام وقفز فوق الحقائق والوقائع، وجاءت الإدارات والجهات الوصائية وصبت الزيت على النار وساهمت بشكل واضح في تكريس الخراب والخلل العام.
الواقع الميداني يقول:
مئات المذكرات رفعت من النقابات ومن بعض الجهات الإدارية تتحدث عن الخلل في هذه الشركة أو تلك، وتدعو إلى التكامل ما بين شركات ومؤسسات القطاع العام، ولكن المحصلة أن الخلل راح يكبر ويتوسع بشكل متواصل.
معمل الوليد للميكروباص..
منذ 15 عاماً والواقع يزداد سوءاً يوماً بعد يوم، ولم يتم إيجاد حلول ذات جدوى اقتصادية للمعمل:
- عدم توفر المواد الأولية.
- عدم توفر السيولة.
- عدم الاهتمام بالعمل من الناحية الإنتاجية والاقتصادية.
- عدم وجود عمل ثابت ذي جدوى اقتصادية.
بعد صندقة الميكرو، بدأ المعمل بإنتاج السحاحير والمقاعد المدرسية ورفعت أكثر من مذكرة ومن توجيه لمديريات التربية بالتعاقد بالتراضي مع المعمل، ولكن لم تلتزم إية جهة بذلك، وكانوا يفضلون التصنيع في القطاع الخاص. فاتجه المعمل لتصنيع الأبراج الكهربائية، ومجدداً صدر عن رئاسة الوزراء ووزارة الكهرباء العديد من التوجيهات للتصنيع في المعمل، ولم يتم الالتزام، وكانوا يفضلون القطاع الخاص، لتبلغ الخسارة مئات الملايين ويتناقص عدد العمال يوماً بعد آخر.
شركة الإطارات:
منذ سنوات والإطار الوطني «أفاميا» يتعرض إلى ضغوط كبيرة ومنافسة غير عادلة في الأسواق المحلية، حيث أغرقت هذه الأسواق بمئات الأصناف والأنواع من الإطارات الأجنبية المختلفة، لاسيما منها الإطارات الصينية والجنوب آسيوية، وباتت الشركة أمام أوضاع صعبة ابتداءً من منتصف عام 2005 وحتى الآن. رفعت مئات المذكرات من إدارة الشركة ومن النقابة تؤكد على الجهات الوصائية ضرورة اتخاذ إجراءات سريعة لحماية الإنتاج الوطني، حيث أن أكثر الدول العربية ومنها مصر وتونس اتخذت إجراءات للحد من تأثير سياسة الإغراق بفرضها رسوماً على الإطارات المستوردة، مما ساعد في تخفيف الضغط على الإطارات المصنعة محلياً. فمصر مثلاً تفرض على الإطار المستورد نسباً تتراوح بين 44 إلى 89 %.
وفوق ذلك جاء انسحاب مؤسسة التجارة الخارجية من حلبة تسويق الإطارات بشكل مفاجئ، وتبعها تقاذف الاتهامات بين المؤسسة والشركة حيال ذلك، وتم رفع أكثر من قرار ومن توجيه من رئاسة مجلس الوزراء للطلب من الشركات الإنشائية والجهات الحكومية أن تقوم باستجرار حاجتها من شركة الإطارات، ولكن لم يلتزم أي من الجهات بهذه التوجيهات والقرارات لأن القطاع الخاص أفضل!
والمأساة والمفارقة هنا أن من يطالب جهات القطاع العام بالاستجرار من شركة الإطارات، يفضل هو نفسه منتجات القطاع الخاص ويشتري من التجار، وينطبق هذا الأمر على شراء السيارات للجهات العامة والحكومية أو النقابية! فقد تم مؤخراً شراء عشرات السيارات اليابانية لبعض القيادات النقابية، لتبقى السيارة السورية «شام» تقول أنا هنا، أين أنتم أيها الغيارى على الصناعة الوطنية؟!
معمل الباسل
ينتج معمل الباسل الفولاذ الكهربوني والخلائقي، وقد تم ضمه إلى شركة حديد حماة عام 2004، رفع أكثر من توجيه لشركات القطاع العام، وخصوصاً معامل الأسمنت والجرارات، باستجرار المحاور وآليات عديدة ينتجها الباسل وليس من القطاع الخاص، علماً أن المعمل ليس له مثيل في الشرق الأوسط، ورغم هذه التوجيهات فإن الشركات ومعامل القطاع العام تستجر من القطاع الخاص، أو تستورد عن طريق السماسرة والتجار، لذلك فالمعمل يكتفي بالإنتاج حسب الطلب، على الرغم من أنه يضم 109 عمال من خيرة الكوادر الفنية الهامة.
شركة الأحذية
شهدت انهياراً كاملاً بمعاملها الثلاثة، ولحقت بها خسائر بمئات الملايين، وتوقفت خطوط الإنتاج فيها بشكل دائم، ولا يوجد لديها أية طلبيات... وتشهد خللاً إدارياً، إلى جانب حرمان العمال من كل الميزات التي حصلوا عليها في سنوات سابقة، والتأخير في قبض الرواتب. وأكثر من بلاغ وتعميم من وزارة الصناعة ومن رئاسة مجلس الوزراء يطلب من شركات القطاع العام والجهات العامة استجرار حاجة عمالها من الشركة، علماً أن إنتاج الشركة مميز ويتمتع بجودة عالية، ولكن رغم جميع البلاغات والتعاميم، لم تلتزم الإدارات والنقابات وماتزال رافضةً استجرار حاجتها من الأحذية والستر الجلدية من الشركة، وتتعامل مع القطاع الخاص والأهداف لا تغيب عن أحد وعلى معرفة الجميع. مضت شهور عديدة ومدير عام الشركة يحث ويتواسط من أجل منح الشركة قرضاً بقيمة 50 مليون ل.س لشراء مواد أولية لتصنيع 400 ألف زوج من الأحذية لوزارة الداخلية، ولم يستطع الحصول على القرض، بل إنه لم يجد من يكفل الشركة في السداد، ويعرف الجميع كيف تبددت أموال المصرف الصناعي بين التجار والسماسرة الذين حصلوا على قروض لمشاريع وهمية دون أن يسددوا، ورغم ذلك نرى أن شركة من القطاع العام، وبحجم شركة الأحذية، تفشل في الحصول على القرض!
الغزل والنسيج:
يحصل عمال شركات ومؤسسات القطاع العام على كسوة عمالية صيفية وشتوية، وتقول التعاميم بأن يتم الشراء من شركة «وسيم للألبسة الجاهزة» وهي شركة كبرى وقدمت للشركات تسهيلات كبيرة في اختيار نوع الأقمشة، وتقديم القياسات المطلوبة، وتقوم الشركة بالتنفيذ وفق هامش ربح بسيط، ومع ذلك فإن أكثر الشركات لا تنفذ ولا تلتزم بالتعاميم والقرارات والبلاغات، وهذا ما أوقع «وسيم» في أزمة.
الشركات الإنشائية:
تشكو جميع هذه الشركات من قلة توجيهات العمل، وأن الجهات الحكومية تسلم مشاريعها للقطاع الخاص بمناقصات، وأنه ليس لدى هذه الشركات القدرة على مزاحمة المتعهدين. لقد أصيبت أكثر هذه الشركات بالإفلاس ورفعت عشرات المذكرات للمطالبة بتسليم بعض الأعمال الحكومية الهامة إليها بعقود بالتراضي، وفعلاً صدرت تعاميم للجهات الحكومية بتسليم بعض الأعمال بالتراضي، لكن بعض الجهات الحكومية التزمت وبعضها الآخر لم يلتزم، وحصلت بعض الشركات على عقود أعمال بالتراضي ولكن ومباشرة تم تسليمها للمتعهدين بنسب معنية وحصص وتقاسم أرباح.
الألبان والأبقار:
أزمة مستمرة بين معامل الألبان ومؤسسة الأبقار منذ سنوات، فالمؤسسة تتبع لوزارة الزراعة، بينما يتبع المعمل لوزارة الصناعة، والسؤال:
لماذا لا يتم إيجاد جهة إشراف وزارية واحدة، بدل التضارب والسجال الدائم بين المؤسسة والمعامل حول سعر الحليب ونوعيته وتسويقه، وحول اضطرار المعمل للاستجرار من القطاع الخاص؟!
وينطبق هذا أيضاً على شركات الزيوت، وعلى جميع شركات ومؤسسات ومعامل القطاع العام، في الوقت الذي تقف الجهات الوصائية متفرجةً على هذا الخلل «العام» دون استطاعة أي وزير أو مسؤول اتخاذ قرار!!.
لسنا بحاجة إلى عناء كبير لمعرفة أسباب هذا الخلل وعدم اتخاذ قرارات بشأنه، فرائحة الفساد طاغية على كل أوجه هذه الظواهر، وقد أصبح الفساد أيديولوجية يشكل الوزراء والمدراء وكثير من المتنفذين أركانها، وهذه الفئات قوي ساعدها واستعملت نفوذها لصب الزيت على النار، لقاء مكاسب وامتيازات وعمولات، كلها تتم على حساب القطاع العام والتنمية ومجموع الشعب.