أسئلة وأجوبة عن «الضريبة على القيمة المضافة»..

كثر في الآونة الأخيرة الحديث عن سعي الفريق الاقتصادي في الحكومة لفرض «ضريبة القيمة المضافة» على نطاق واسع في سورية، وهذه الضريبة، شأنها شأن الكثير من الشؤون والمصطلحات الاقتصادية، ما تزال بالنسبة للكثيرين غامضة ومجهولة، لذلك فقد ارتأت «قاسيون» تسليط الضوء عليها والتعريف بها، خصوصاً وأنها ستصبح أحد الهموم الحقيقية للمواطن السوري في حال تطبيقها..

• بداية ما هي الضريبة عموماً؟.. ما تعريفها؟ وما الفرق بينها وبين الرسم؟!

الضريبة بالشكل العام هي اقتطاع من المكلّف لصالح الخزينة دون أن يكون هذا الاقتطاع مقابل خدمة، أما الرسوم فهي اقتطاع مقابل خدمة تؤديها الجهة المقتطعة لصالح المقطوع منها، وبشكل عام الضرائب تقسم إلى ضرائب مباشرة وغير مباشرة. المباشرة تفرض على مطرح محدد من الضريبة، أما الضرائب غير المباشرة فتفرض على مطرح ثابت، مطرح غير متغير.. مثلاً: ضريبة الدخل التي تفرض على الأرباح، تفرض على الربح المحقق سنوياً. هذه ضريبة مباشرة. أما الضرائب غير المباشرة فالرسوم أحد أشكالها، وكذلك ضريبة بيع العقارات.. وتعد الضريبة على القيمة المضافة من أبرز الضرائب غير المباشرة. 

• ما هي الضريبة على القيمة المضافة بالمعنى الاقتصادي؟ ومن الذي يدفعها؟

الضريبة على القيمة المضافة هي الضريبة التي تفرض على القيمة المضافة للسلع، أي على كل زيادة في قيمة السلع (البضاعة)، وعلى كل عملية انتقال للبضاعة أو للسلعة المفروض عليها الضريبة من مرحلة إلى مرحلة.. مثلاً في سلعة كالقطن (مادة خام).. أول عملية فرض ضريبة عليها لتكون مثلاً عند بيعها من الفلاح على سبيل المثال، ولنفترض أن معدل الضريبة حينها 5 %، وحين يقوم المعمل بحلج القطن، عندئذ يرتفع سعر الكيلو غرام بنسبة محددة، هذه النسبة هي التي تُفرض عليها الضريبة على القيمة المضافة ( إلا أن هذه القيمة لا تشكل بالضرورة القيمة المضافة من وجهة نظر اقتصادية).. ومعدل هذه الضريبة يختلف من دولة لأخرى حسب أنواع الضرائب الموجودة والسّلّم الضريبي الموجود والمستوى الاقتصادي للدولة. وتصل إلى 20 % في بعض دول الاتحاد الأوروبي.. أما من يتحمل العبء الحقيقي لهذه الضريبة فهو المستهلك بكل تأكيد ، لأنها تضاف إلى القيمة النهائية للسلعة!!.. بينما يخرج المنتج أو التاجر من هذه الحلقة ليكون مورداً لهذه الضريبة إلى الدوائر المالية فهو يجمعها من زبائنه فقط ومن ثم يوردها إلى الجهات المختصة (المالية). 

• ما الفرق بين الضريبة على القيمة المضافة والضريبة على المبيعات؟

ربما يحسب الشخص العادي أنه لا فرق، بينما الفرق كبير، الضريبة على المبيعات تفرض على كل عملية بيع.. على سعر السلعة (البضاعة) بالكامل.. في هذه الحالة الضريبة تفرض على الضريبة نفسها في المرحلة الثانية. مثلاً: الكيلو غرام من القطن كان بـ100 ليرة فرضنا عليه 5 % أصبح بـ 105 زائد قيمة مضافة في مرحلة لاحقة بمعدل 20 % يصبح السعر 125 ( 100 ل.س قطن + 5 ضريبة من مرحلة سابقة + 20 % قيمة مضافة) تأتي الضريبة على المبيعات لتفرض على الـ125 مجتمعة. بينما الضريبة على القيمة المضافة تفرض الضريبة فقط على الـ20 % الزائدة (القيمة المضافة). ويمكننا القول إن الضريبة على القيمة المضافة هي تطور عن ضريبة المبيعات توجد بعض الدول تطبق الضريبة على المبيعات مع حق الخصم وهذه تعد تطوراً لضريبة المبيعات وبمكان وسط بينها وبين الضريبة على القيمة المضافة. 

• ما مبررات هذه الضريبة، وكيف يمكن ضبطها؟.

هذه الضريبة مرغوبة عالمياً لعدة أسباب منها أنها ذات حصيلة عالية لأنها تفرض على عمليات البيع بالكامل، وعلى كل عملية استهلاك بالنسبة للسلع الخاضعة للضريبة وهي ملتصقة بالسعر فهي في بعض الأحيان تندمج مع السعر وتتماهى معه.. كما أنها سريعة التوريد، لتواترها السريع.. فخلال فترة شهر أو شهرين يتم توريدها إلى الخزينة.. أما الضرائب المباشرة فهي تورّد مرة في السنة ( تورد في السنة اللاحقة عموماً)، وهذا له منعكسات كبيرة على سياسات الإنفاق وتمويل الخزينة العامة.. أما آلية ضبطها، فهي تحتاج إلى تقنية عالية جداً، وإلى جهاز ضريبي متطور وتقنيات عالية، كما تحتاج بشكل أساسي لتطبيق تداول الفواتير في السوق الاقتصادية وعلى كل المستويات، فإذا لم تكن هناك فاتورة كيف ستفرض الضريبة.. فرض الضريبة دون وجود فاتورة معناه أن الضريبة لن تذهب إلى الخزينة لأنها لن تكون قادرة على كشفها.. 

• هل هناك مبررات قوية لإحداث هذه الضريبة في سورية؟

هذه الضريبة تحقق ميزة للحكومة تم التطرق إليها سابقاً، وكذلك ميزة للقطاعات الرأسمالية، لأنها تقوم بنقل مطرح الضريبة من المنتج إلى المستهلك؛ من أصحاب الدخول العالية إلى أصحاب الدخول المتدنية . سابقاً كان التركيز على اقتطاع الضريبة من أصحاب الدخول العالية وإعادة توزيعها على أصحاب الدخول الأقل، أما هنا فهناك تحييد للأرباح بينما تحمّل الضريبة على الاستهلاك عبر ضريبة على القيمة المضافة، وبمرحلة لاحقة ستكون مضطراً  لتخفيض الضريبة على الدخول تحت ضغط أصحاب الدخول العالية أصحاب رؤوس الأموال  (بحجج مختلفة)..

وبالنسبة لمبررات وجودها في سورية، فمن المعروف للجميع، انخفاض إيراد النفط وانخفاض الإيرادات من الضرائب الأخرى، وزيادة التهرب الضريبي، والإعفاءات لأسباب عديدة. وبالمجمل هناك انخفاض بالإيرادات الكلية بالنسبة للموازنة العامة، وفي هذه الحالة هناك حاجة عند الحكومة للبحث عن مطرح ضريبي جديد يعطي إيراداً عالياً وتواترية سريعةً.. 

• ما المنعكس الاقتصادي لهذه الضريبة على السوق والإنتاج؟

النظريات تختلف، فالرأسمالية الحديثة تقول، هذه ضريبة حيادية بالنسبة للإنتاج.. وبالتالي هي محفزة لهم حتى يجمعوا رؤوس الأموال ويعيدوا عملية الإنتاج، وهي ترفع من وتيرة الإنتاج ومن معدلات النمو وبالتالي التطور الاقتصادي و زيادة معدلات الاستثمار..

لكن الإشكالية إننا نعالجها في هذه الحالة من جهة الإنتاج (العرض).. ولكن من جهة الطلب إنها ترفع الأسعار التي سيدفعها المستهلكون(هل المستهلك قادر على تحمل الزيادات)، رفع الأسعار معناه انخفاض الطلب وهو يؤدي إلى انخفاض القدرة على التصريف وبالتالي إلى الكساد.. وخروج المنتجين من السوق (العرض بحاجة إلى طلب ليستهلكه ويخلق حاجة لعرض جديد). 

• ما الحل إذاً؟

في حال كنا مضطرين إلى تطبيقها، يجب علينا تطبيقها بصورة دقيقة ومدروسة بشكل معمق (من الضروري أن تكون الدراسة صحيحة). لا نعتقد بأننا بحجة ماسة لهذه الضريبة الآن، أو أن اقتصادنا الآن يسمح بسحب إيرادات ضريبية من الدخول أكثر من الإيرادات الضريبة المسحوبة منه الآن، خصوصاً بعد الزيادة الكبيرة (الضخمة) بالأسعار في الآونة الأخيرة. كما نعتقد أن الواقع الاقتصادي يسمح بإيرادات ضريبية أكبر لو تم العمل بشكل جيد على رفع كفاءة الجهاز الضريبي، وكذلك العمل على رفع الوعي الضريبي للجمهور. 

• في حال تمت زيادة الأجور بنسب عالية، هل يصبح مجدياً تطبيق الضريبة على القيمة المضافة؟

زيادة الأجور من أين ستأتي بها؟ التضخم؟ إذا رفعت الدخول من مطارح حقيقية لا مشكلة.. بكل الأحوال هي ستؤثر على الطلب، إلا إذا كانت لديك مستويات دخول عالية جداً.. وبالتالي يكون تأثيرها على المدخرات الفردية وتأثيرها على الطلب أقل. 

• الإصرار حالياً على طرح هذا الموضع والتمهيد له بشكل كبير ضمن الشروط القائمة، ماذا يعني؟

في الظروف الحالية يتجه العالم نحو تنفيذ نصائح الصندوق والاتحاد الأوروبي، ففي الدول الرأسمالية المتقدمة مع معدلات النمو العالية، هذه الضرائب ليست إشكالية كبيرة بالنسبة لها، ولكنها إشكالية في دولة نامية (متخلفة)، فيها معدلات دخول متدنية وظروف اقتصادية صعبة. والمبرر لتطبيقها هو السير نحو الاندماج في الاقتصاد العالمي، وتشجيع الاستثمارات هو أحد المبررات القوية، لذلك يجري تخفيض معدلات الضريبة على الدخل. 

• ما انعكاسات تطبيقها في هذه الظروف؟

زيادة في الفجوة ما بين الطبقة العليا والطبقة الدنيا، انخفاض المستوى المعاشي للطبقة الدنيا، انخفاض معدل الادخار، انخفاض الطلب العام المحلي.. 

• هذا سيؤدي إلى نتائج كارثية على المستوى الاجتماعي والاقتصادي على مستوى الوطن.

على المستوى الاقتصادي سيؤثر كثيراً على الطلب، في ظل ارتفاعات الأسعار الجنونية.. إذا كانت الحكومة غير قادرة على امتصاص ارتفاع الأسعار وإعادته إلى توازناته السابقة وتعديل مستويات الدخول.. الأمر يحتاج إلى مناقشة، لكن إلى حد بعيد، الواقع الاقتصادي غير مهيأ. 

• ضمن كل هذه الخارطة، هل نحن بحاجة إلى هذه الضريبة؟

حجة الذين يريدونها أننا بحاجة إليها بسبب انخفاض الإيرادات الضريبية ـ انخفاض إيرادات النفط، ولكن إذا بذل جهد كافٍ سنكون قادرين على تجنيب الاقتصاد الوقوع في مطب الارتفاعات السعرية وانخفاض الطلب.. وعدم خروج مستثمرين محليين من السوق، لأن أي خلل في الطلب يعني إغلاق المعامل وتسريح العمال وانهيار المؤسسات المالية، يعني انهيارات على كل الأصعدة. 

• في المدى المنظور ما البديل المقترح؟

إمكانية رفع كفاءة الجهاز الضريبي، مكافحة التهرب الضريبي، إقناع الأشخاص بدفع الضريبة، البعض من هؤلاء ليست لديهم النية بالهروب من الضريبة لكنهم غير مقتنعين بالموضوع أصلاً. هناك أشخاص متهربون من الضريبة بنيّة التهرب.. هؤلاء علينا أن نكافحهم.. هناك أجهزة مختصة عليها أن تقوم بواجبها بفرض الغرامات على هؤلاء وملاحقتهم ومحاسبتهم.. وهناك أطراف غير مقتنعة لأنها لا ترى المردود الضريبي، فحين يرى المكلف الشوارع محفورة والخدمات سيئة، فلا يتولد لديه الحافز لدفع الضريبة.. بينما إذا سار في طريق نظيف وبمستوى لائق.... فلاشك أن الأمر سيختلف.. إذاً العملية متبادلة بين الجهاز الحكومي ودافع الضريبة، إعادة العلاقة السوية بين الحكومة الممثلة بوزارة المالية وبين المكلفين أمر على غاية من الأهمية. 

• عندما ستفرض هذه الضريبة، هل ستفرض إلى جانب ضرائب أخرى قائمة، أم ستعدل طريقة الجباية الضريبية؟

عموماً النصائح تكون بالمجمل أنه بإمكانك الاستغناء عن الكثير من الضرائب غير المباشرة مقابل تطبيق الضريبة على القيمة المضافة. وليست هناك إمكانية لتطبيقها دون استبعاد جزء كبير من الضرائب غير المباشرة. 

• ما المخطط بالنسبة لتعديل الأنظمة الضريبية باتجاه استبدالها؟

ستحل مكان الضرائب غير المباشرة، وهناك ضرائب كثيرة يجب إلغاؤها وبشكل أساسي «رسم الإنفاق الاستهلاكي»، هي شكل مواز لرسم الإنفاق الاستهلاكي وعلى الأغلب سيتم إلغاؤه.. وكذلك لا نعتقد بأنها ستطبق على كل السلع، فعموماً يتم تحييد هذه الضريبة عن العديد من السلع لأهداف مختلفة (بشكل أساسي تحييد عن السلع الضرورية، وعن القطاع المصرفي..).

آخر تعديل على الثلاثاء, 29 تشرين2/نوفمبر 2016 19:49