الحكومة تصر على خرق الدستور!
ركز د.محمد الحسين وزير المالية في تصريح لصحيفة تشرين نشر في 25/3/2008، حول مشروع قانون إعادة تأهيل القطاع العام الصناعي، على النقاط التالية:
1 - إن مستقبل القطاع العام وعدم خصخصته يعد مضموناً بقرارات سياسية وهناك تمسك بإعادة تأهيله وتطويره وتمكينه من المنافسة وعلى قدم المساواة مع القطاع الخاص، وليس وارداً مسألة تصفيته أو خصخصته للقطاع العام لأنها ليست مسموحة أصولاً.
2 - التوجه نحو اقتصاد السوق الاجتماعي لايعني تراجع دور الدولة والقطاع العام في الحياة الاقتصادية.
3 - إن مسألة جواز استثمار بعض الأصول الثابتة غير المستثمرة أو المتوقفة لدى القطاع العام بما فيها الانتفاع أو الاستثمار لهذه الأصول متروك للمجلس الأعلى لإصلاح القطاع العام الصناعي برئاسة رئيس مجلس الوزراء...إلخ.
أولاً: وقع الوزير بمغالطات علمية اقتصادية كثيرة، لأن مفهوم الخصخصة لدى أغلب الاقتصاديين يعني (نقل ملكية أو إدارة نشاط اقتصادي جزئياً أو كلياً إلى القطاع الخاص، وهي عكس التأميم)، وبالتالي فإن جواز استثمار بعض الأصول الثابتة من القطاع الخاص بموافقة المجلس الأعلى لإصلاح القطاع العام، يعد متناقضاً مع هذا المفهوم ومع قول الوزير: (إن عدم خصخصة القطاع العام مضمون بقرارات سياسية)، ومع إقراره صراحة بأن الخصخصة غير مسموحة أصلاً، مع العلم بأن التخصيص Privatization كمفهوم اقتصادي يهدف لاستغلال المصادر الطبيعية والبشرية بكفاءة وإنتاجية أعلى عن طريق تحرير السوق. وكمفهوم سياسي يدعو لاختزال دور الدولة واقتصاره على الأمن والعدالة..
ثانياً: كمواطن أتمنى من الوزير وجميع أعضاء الحكومة قراءة الدستور السوري والتمعن فيه، لأنه بتحدثه عن المبادئ الاقتصادية، وتعريفه الملكية الفردية والجماعية وملكية الشعب، بيّن أن هذه الملكية الأخيرة تشمل الثروات الطبيعية والمرافق العامة والمنشآت والمؤسسات المؤممة، ونص بأن الدولة هي من تتولى استثمارها، فكيف يجوز لنص قانوني أن يخالف الدستور وإرادة الشعب وعقده الاجتماعي؟ مع التذكير بأن القسم الدستوري الذي يقوم أعضاء الحكومة بتأديته أمام السيد رئيس الجمهورية قبل أدائهم لمهامهم يلزمهم بتطبيق الدستور، وجميعنا يذكر مشكلة الرئيس الأمريكي كلينتون مع الحنث بالقسم وما نتج عنه..
ثالثاً: الإدارة هي القاسم المشترك الذي يقف وراء كل نجاح أو إخفاق لقطاعنا العام، وحل هذه المشاكل يبدأ بحل مشكلة تعيين إداراته بعيداً عن المحسوبيات والتدخلات والمحاصصة، والتقيد بمبدأ تكافؤ الفرص الذي نص عليه الدستور. فعلينا الاستفادة من الكفاءات العلمية الوطنية في إدارة القطاع العام، وهذا الأمر تجاهله مشروع القانون المقترح، ولاأدري ماالذي يمنع من تعيين المدير العام لشركة عامة عن طريق مسابقة نزيهة بعيدة عن كل تدخل سلبي؟
رابعاً: حق الانتفاع الذي ورد في مشروع القانون من الحقوق العينية المرتبطة بحق الملكية وفق القانون المدني، والتنازل عن هذا الحق هو تنازل عن حقوق هي ملك للشعب بأكمله.
خامساً: مسألة تأمين موارد كافية لإصلاح القطاع العام هي من اختصاص وزارة المالية في جميع دول العالم، ويجب علينا التمييز بين مهمة القائد السياسي في اتخاذ القرار والهدف المناسب، وبين مهمة الاقتصادي الذي عليه العمل لتأمين الموارد اللازمة لتنفيذ هذا الهدف أو القرار، أما مايحدث في سورية فهو عكس ذلك.
وإن الفشل في تأمين موارد كافية لخزينة الدولة لتنفيذ مشاريعها وخططها يعني فشل إدارة السياسة المالية للدولة، ولابد أن نتذكر بأن المبالغ المقدرة نتيجة التهرب الضريبي تبلغ 200 مليار ليرة سنوياً.
سادساً: الإقرار صورياً بعدم تراجع دور الدولة في الحياة الاقتصادية يتناقض مع واقع عدم القدرة على ضبط تهريب المازوت عبر الحدود، ومع مكافحة التهرب الضريبي وفرض نظام الفوترة.
سابعاً: إن اقتطاع عدة مليارات في السنوات الماضية من أموال التأمينات الاجتماعية لصالح صندوق الدين العام غير قانوني، لأن هذه الأموال هي للعمال الذين قاموا بتسديدها، وهذه المبالغ أدت لتجميد مشروع قانون التقاعد المبكر. والسؤال المطروح: لماذا لم ترد هذه الأموال للتأمينات؟
ثامناً: نصت مبادئ حزب البعث على إلغاء التفاوت الطبقي والنضال إلى جانب الطبقات الكادحة لإزالة هذا التفاوت واستعادة المواطن إنسانيته في مجتمع عادل لا ميزة فيه لمواطن على آخر سوى بالفكر ومهارة اليد؛ فيما الواقع الحالي والسياسات المالية تؤدي إلى زيادة غنى الأغنياء وفقر الفقراء، وتأجير القطاع العام أو بيع حق المنفعة سيزيد من التفاوت الطبقي وبالتالي سيناقض مبادئ حزب البعث.
تاسعاً: الإعفاء الضريبي لصالح الاستثمار الخاص يلغي مبدأ المنافسة بين العام والخاص، ويجعل الرأسماليين يزدادون قوة، والقطاع العام يزداد ضعفاً، فهل العدالة الاجتماعية تقضي بإعفاء الرأسماليين من الضرائب، بينما يقوم العمال بدفعها قبل نيلهم أجورهم؟!
عاشراً: ورد في منهاج حزب البعث بأنه على الدولة أن تضمن عملاً فكرياً أو يدوياًَ للمواطنين، ويجب أن يكفل مورد العمل للعامل مستوى لائقاً من الحياة، أما الواقع فإن أجر مدير عام في القطاع الحكومي لايكفيه 15 يوماً، فماذا تنفع الدساتير والقوانين إذا لم تطبق واقعياً؟!
إن تأمين عيش كريم للعامل، يبعده عن الفساد والإفساد وسرقة المال العام الذي يستنزف حوالي 30 % من الموازنة العامة للدولة.
أخيراً: أقترح على وزارة المالية إدراج بند ضمن الموازنة في باب الإيرادات يوضح المبالغ التي يتم تأمينها نتيجة مكافحة الفساد حتى يمكن تقييم نتائج هذه المكافحة على الصعيد المالي، مع العلم بأن منظمة الشفافية العالمية قد أدرجت سورية في عام 2006 ضمن الدول العربية المتأخرة جداً، حيث لم يأتِ بعدها بالترتيب سوى العراق والسودان وليبيا...؟ فأين نتائج مكافحة الفساد مع تقديري لأعضاء مجلس الشعب الذين أجهضوا مشروع القانون المتعلق بإصلاح القطاع العام لما فيه من خرق دستوري وضرر بمصلحة الوطن والمواطن.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.