تعليقاً على أداء الفريق الاقتصادي..
لا ريب أن أداء الفريق الاقتصادي سلبي اقتصادياً ووطنياً واجتماعياً..
اقتصادياً لأن السوق «الحرة» في بلد ثالثي تخرج كل اقتصاده من يد إدارته السياسية والاقتصادية، وتضعه في يد السوق العالمية، التي تصدر له البنوك، والبورصة، وتسيطر على الخدمات المالية فيه، وذلك عدا الاستنزاف لمختلف احتياطياته المالية والطبيعية.
ووطنياً، لأن فقدان الإدارة السياسية لإدارة الاقتصاد يجعلها تفقد الاستقلال في قرارها السياسي، الذي يصبح عموماً غير متفق مع مصالح البلد الوطنية السياسية والاقتصادية في الوقت نفسه..
واجتماعياً، لأنه بالاستنزاف الاقتصادي، وبمختلف أقنية الفساد التي تفتح له، ينشر الفقر على نطاق واسع، ويدمر الأساس السياسي والاقتصادي للبنية الوطنية للمجتمع، أي يعطل إمكانية التعبئة السياسية السليمة، وبفقدان تلك الإمكانية تحل التعبئة الخارجية التي تمتزج فيها الليبرالية بالطائفية والقبلية، وبمختلف التشوهات، التي تضم النشاطات غير القانونية.
ليست المسألة إذاً هي في التعاطف مع الفقراء والمهمشين في المجتمع، وإنما هي في الموضوع الوطني كله.
وانتشار الليبرالية الجديدة المدمر في العالم، وخصوصاً في بلدان العالم الثالث هو استراتيجية أساسية لدى الإدارة الأمريكية، تفرضها بأساليب مختلفة، بالضغط السياسي والاقتصادي، بضغط صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، بفرض الاتفاقات المجحفة الثنائية والدولية، وربما أحياناً بالاحتلال.
واستراتيجية نشر الليبرالية الجديدة تغني الإدارة الأمريكية حتى عن العمل العسكري، فتنهار البلدان غير المرغوبة إداراتها ذاتياً من غير قتال: يكفي الحصار أو إغلاق حنفية توظيفات البورصة، فبذلك انهار العراق قبل احتلاله، وحدثت انهيارات مالية متنوعة في مختلف أنحاء العالم، ومن الجملة قبلاً في أندونيسيا، وفي بلدان من الشرق الأقصى، وأيضاً في بلدان من أمريكا اللاتينية..الخ.
غير أن أداء الفريق الاقتصادي لدينا متعلق بالقرار السياسي، فلو يتغير الفريق الاقتصادي، لا تتغير الأمور، إذا ما بقي القرار السياسي على حاله.
المرحلة الوطنية الحالية تقتضي قراراً سياسياً بنهج تحرري سياسي ـ اقتصادي، يعتمد الإمساك بالإدارة الاقتصادية، واعتبار ذلك شرطاً، لا بد منه، من أجل بناء القاعدة المادية للقرار الوطني، الذي يقتضي بدوره التركيز على القطاع العام من أجل إنتاج رابح ومنافس، والسيطرة على السوقين المالية والاستهلاكية، من أجل التحكم بالتضخم، الذي إذا لم يلجم، يؤدي إلى نتائج كارثية، وتغيير السياسة الضريبية، التي تجعل الضريبة المصدر الأساسي لموارد الخزينة.
إن الفكرة في أن الضريبة تمس قطاعاً من البشر دون قطاع آخر هي خاطئة، فالضرائب التي تفرض شكلاً على الأغنياء (ضريبة الرفاهية..الخ)، تنعكس أخيراً على الفقراء، لأن الأولين يستنزفونها من الأخيرين.
هل تستطيع الجبهة الوطنية إصدار قرار سياسي بالمعنى الذي ورد به أعلاه؟ هل يستطيع مجلس الشعب ذلك؟
حتى لو استطاعت الجبهة الوطنية الأمر، فتبقى المسؤولية عليها مجتمعة في إدارة الاقتصاد، والمسؤولية هي سياسية ـ اقتصادية في الوقت نفسه، وتقوم بها من خلال ممثليها في مختلف القطاعات أمل أوتوبي، ويتمنى المرء أن يتحقق.