هل إصدار سندات الخزينة.. يحل مشكلة العجز؟
يقول الاقتصاديون اليوم، بأنه ينبغي أن تتوقف الحكومة عن اللجوء لعملية طباعة النقود لتمويل العجز في نفقات الموازنة الحكومية، لأن طباعة النقود، دون تغطية، أي: دون وجود إنتاج وناتج محلي مقابلها، تؤدي عملياً إلى تراجع قيمة الليرة وارتفاع سعر الدولار.. وهذا صحيح.
فالعجز الحكومي، ينبغي أن يتم سده أو تقليصه، ليتم التقليل من الحاجة إلى طباعة النقود لاستخدامها في الإنفاق، والحل المقترح والمتداول بكثرة اليوم.. هو لجوء الحكومة إلى إصدار سندات خزينة، أي: أن تقوم بالاستدانة من رؤوس الأموال المحلية.. ولجذب هؤلاء يجب أن يتم تقديم فوائد مرتفعة بنسبة يُوصلها البعض إلى 20%، للسندات بالليرة، و 6% للسندات بالدولار، وهي أعلى من الفائدة العالمية على الدولار البالغة 2-3%.
وهذا الدين الحكومي، سيؤدي إلى تحكم الحكومة بجزء من كتلة العرض النقدي من الليرة السورية الموجود في السوق، واستخدامها في تمويل النفقات، سواء الجارية أو الاستثمارية، لتكون هذه الأموال عوضاً عن طباعة النقود.
هل سنشهد إقبال على السندات؟
ولكن، أولاً: جعل هذه العملية اختيارية، سيؤدي إلى احتمال كبير بعدم انجذاب رؤوس الأموال لشراء السندات، وتحديداً السندات بالدولار، وذلك لأن استمرار تقلب سعر الصرف مع الحديث عن تحرير سعره كجزء من المقترحات المطروحة لحل المشاكل المالية، سيجعل المضاربة بالدولار في السوق أعلى ربحاً من وضع الدولارات لدى الحكومة، واسترداد فائدة 6%! أما السندات بالليرة فمع فقدان الليرة لقيمتها وتحرير سعر الصرف، واستمرار الوضع الاقتصادي على هذا المنوال، فإنها ستصبح قليلة الجاذبية، ما لم تربط الحكومة معدلات الفائدة بمعدلات التضخم، ما يعني زيادة أعباء خدمة الدين لأكثر من نسبة 20%..
هل سيتقلص العجز وتتوقف الطباعة؟!
إن الاستدانة تضيف إلى نفقات الموازنة بند أعباء خدمة الدين، الذي قد يبلغ نسباً مرتفعةً من النفقات، فتقديرات الاقتصاديين اللبنانيين بأن خدمة الدين الحكومي بلغت نسبة 61% من نفقات الموازنات الحكومية العامة خلال الفترة بين 1993-2014. أما إذا انطلقنا من احتمال تحرير سعر الصرف، الذي يعطيه الاقتصاديون أولوية، فإنه عملياً سيؤدي إلى ارتفاع سعر الصرف بمستويات مرتفعة، ما يعني أن الموارد العامة الموجودة بالليرة، ستفقد سريعاً قيمتها وقدرتها على الإنفاق، فعلى سبيل المثال إذا وصل سعر صرف الدولار من 500 إلى 1200 ليرة، فإن الموارد العامة ستخسر 40% من قيمتها. فما الذي ستفعله الحكومة في هذه الحال لتواجه نفقات الدفاع، والتعليم والصحة، والأجور والخدمات المختلفة من كهرباء وماء واتصالات وغيرها؟!
بناء على المثال السابق، فإن الحكومة التي خصصت 1980 مليار ليرة للإنفاق في الموازنة الحكومية في عام 2016، والتي تقابل 3,9 مليار دولار بسعر 500، ستصبح مضطرة لزيادتها بمقدار 2700 مليار ليرة تقريباً، إذا ما أصبح سعر الصرف 1200 على سبيل المثال لا الحصر. فهل تضمن الحكومة أن تحصل من الدائنين على مبالغ بهذا الحجم خلال عام واحد، للمحافظة على مستوى إنفاقها فقط؟!..
وحتى لو حصلت، فهذا يعني أن الحكومة أمام خيارين: إما أن تستخدم أموال الدين للإنفاق العام الجاري كما هو الحال اليوم، وبالتالي لا تستخدم الدين في عمليات استثمارية تؤمن إيرادات إضافية، وبالتالي لن تكون قادرة على سداد فوائد الدين، وأيضاً لن تكون قادرة على التخلص من العجز أو تقليصه.. وستضطر إما إلى مزيد من الدين، أو إلى مزيد من طباعة النقد، وكلا الخيارين يؤثر سلباً على قيمة الليرة..
هل يمكن للدين أن يزيد الإيرادات؟!
عملياً من شبه المستحيل أن تتحول أموال الدين الحكومي عبر سندات الخزينة، إلى طريقة لتحصيل الإيرادات، إلا إذا تم استثمارها لتحقيق إيرادات حكومية مباشرة، ويفترض أن يتم استثمارها في نشاط اقتصادي، يستطيع أن يحقق معدل عائد يفوق 20% سنوياً في الظروف الحالية أي يفوق نسبة الفوائد لتتمكن الحكومة من سداد الفوائد على الأقل.. وهذا النسبة بالغة الصعوبة، حيث ينبغي التذكير بأن عائدية الاستثمار في الاقتصاد السوري كانت 20% قبل الأزمة، وهي أقل من هذا المستوى اليوم..
وهو ما يعني أن التمويل بالدين بسندات الخزينة سيتحول إلى عبءٍ إنفاقي إضافي، وسيجعل أصحاب السيولة في السوق يتحكمون بالموارد العامة وليس العكس..
كما ينبغي التذكير بأن رفع أسعار الفائدة، لجذب قوى السوق التي تملك موارد فائضة، وتريد استثمارها في الدين الحكومي، يقابله رفع أسعار الفائدة على القوى الاقتصادية التي تحتاج إلى التمويل بالاقتراض للقيام بنشاط اقتصادي، كالصناعيين أو المزارعين وأصحاب المشاريع الاقتصادية المحلية، ما يعني ارتفاع كلفة الاستثمار وتراجع الجدوى، وبالتالي تراجع الإنتاج، ومعه قيمة الليرة..