مجلس الوزراء يقر إجراءات لمعالجة المشكلات التي تعترض القطاع العام الصناعي القرارات مبتورة وجاءت متأخرة 10 أعوام على الأقل!
اتخذ مجلس الوزراء في جلسته الأسبوعية، يوم الثلاثاء 17/2/2009، مجموعة من القرارات بشأن القطاع العام الصناعي، بعد اجتماعات ومناقشات ماراتونية، لوضع تصور نهائي لمستقبل هذا القطاع، فخلص إلى اعتماد عدد من الإجراءات والتوجهات لمعالجة المشكلات التي تعترض القطاع العام الصناعي، بهدف تطوير أدائه وزيادة إنتاجيته وتعزيز قدرته التنافسية»، بناءً على مذكرة رفعتها وزارة الصناعة.
وتضمنت قائمة الإجراءات التي اتخذها المجلس في اجتماعه: إلغاء احتساب الاهتلاكات عن الأصول المستهلكة دفترياً، بعد أن خسرت الدولة عشرات الملايين لما دفعته لتلك الأصول، وإيقاف العمل في الشركات والخطوط الإنتاجية المتوقفة عن الإنتاج، على أن يستمر العاملون في هذه الشركات بتقاضي رواتبهم.
وشملت الإجراءات الموافقة على اعتبار المؤسسات الصناعية وحدة مالية مستقلة لمدة ثلاث سنوات، تبدأ من أول تموز من هذا العام. والسماح للمؤسسات والشركات التابعة لها بالاحتفاظ بالفوائض المالية المحققة لديها، وتشميل مشاريع القطاع العام الصناعي الجديدة بأحكام المرسوم 51 لعام 2006، والمرسوم رقم 8 لعام 2007، بهدف الاستفادة من المزايا والإعفاءات الممنوحة في هذا المجال للقطاع الخاص.
وسمح مجلس الوزراء للقطاع الصناعي الوطني، بالتنسيق مع المصرف الصناعي، بتأمين القروض اللازمة لمشاريع الشركات والمؤسسات من فوائضها المالية المودعة لديه. ووجه اللجنة الاقتصادية بدراسة طرح الشركات المتعثرة أو المتوقفة أو أي أملاك غير مستثمرة لديها للاستثمار بكافة أشكاله، وكذلك إقرار عقود الإدارة مع شركات خاصة لإدارة كل أو جزء من الشركات التابعة، والتصديق على عقود اتفاقيات تسويقية مع شركات محلية وعالمية، بالإضافة إلى نقل العمالة الفائضة في المؤسسات والشركات الصناعية إلى الجهات الإدارية ضمن كل محافظة.
يُذكر أن عدد الشركات العامة العاجزة عن تأمين رواتب موظفيها، يبلغ 13 شركة، وذلك من بين ما يقارب 160 شركة عامة، وقد طالب العديد من الاقتصاديين والباحثين، على مدار الأعوام الماضية، بإعادة هيكلة القطاع العام الصناعي ليصبح قطاعا منتجاً، وليس عالةً على خزينة الدولة، بينما وجد البعض في تعثره فرصة لطلب خصخصته.
ولتسليط الضوء على انعكاسات هذه القرارات التقت قاسيون عدداً من الاقتصاديين..
د. عابد فضلية:
المبدأ سليم.. ولكن تطبيقه جاء متأخراً
أما د. عابد فضلية نائب عميد كلية الاقتصاد بجامعة دمشق، فأكد أن هذه الإجراءات بحاجة إلى الكثير من التدقيق والمراجعة نتيجة التأخير في اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب، ففي إجابته عن تساؤلنا حول إلغاء احتساب الاهتلاكات عن الأصول المستهلكة دفترياً قال:
«هذا القرار سليم، ومن شأنه أن يُزيل عن كاهل الشركات أعباءً كان من الخطأ سابقاً تحميلها إياها. فأولاً: لا يجوز بالأساس احتساب أقساط اهتلاكات على أصول (مستهلكة)، وهي التي تسمى محاسبياً بعد انتهاء فترة اهتلاكها النظامية (خردة)، وثانياً: كان يجب استخدام أقساط الاهتلاكات على تجديد هذه الأصول و/أو إعادة تأهيلها أو تعميرها على الأقل، وهذا (للأسف) لم يتحقق في حال الكثير من الشركات التي، وبعد سنوات طويلة من سحب هذه الأقساط من صناديقها دون مقابل، وجدت بعض أصولها الثابتة وخطوطها الإنتاجية معطلة، وقيمتها تساوي وزنها من المعدن فقط».
وحول اعتبار المؤسسة الصناعية وحدة مالية مستقلة أوضح د.فضلية:
«هذا التوجه ليس جديداً كلياًً، فقد تم تشريع ما يشابهه في القانون المالي الأساسي الذي صدر منذ أكثر من سنة، وهو يهدف لجعل المؤسسة تعتمد على أرباحها في تغطية استثماراتها اللازمة وتجديد أصولها وتطوير طاقاتها الإنتاجية، وهذا المبدأ سليم، ولكن تطبيقه جاء متأخراً جداً بالنسبة للشركات التي لم تعد أرباحها (إن وُجدت) كافيةً لتغطية الاستثمارات الضرورية لتجديد أصولها، وبخاصة بالنسبة للشركات الخاسرة التي لم تعد إداراتها تتذكر تاريخ المرة الأخيرة الذي كانت فيه ميزانيتها رابحة.
.. ورموه عظماً!
بالمحصلة: فقد تم استنزاف الكثير من المؤسسات (مالياً) عندما كانت مكتسية (لحماً)، وتعطى اليوم استقلاليتها المالية (عظماً)».
وعن سؤالنا حول عجز الشركات الحكومية عن دفع رواتب عمالها وموظفيها، ومن أين تتم تغطيتها الآن وسابقاً قال:
«لا أحد يعترض (ولا يُسمح له أن يعترض) على استمرار دفع الرواتب والأجور لعمال وموظفي الشركات الحكومية العاجزة، (طالما هم باقون على رأس عملهم)، كما لا يعترض أحد على ضرورة إيجاد مصدر لتأمين هذه المبالغ، بل يتساءل الجميع (دون استثناء) إلى متى ستترك الجهات الحكومية المسؤولة هذه الشركات وعمالها بوضعها الحالي؟ لكن، وفي الوقت ذاته نؤكد بأن المواطن (العادي) مستاء جداً من استمرار عطالة وبطالة هذه الطاقات الوطنية المادية والبشرية، وبالتالي من تباطؤ القيّمين عليها في إيجاد الحلول الناجعة (المُناسبة والمُرضية) لها. فمقترحات وخطط المعالجة باتت معروفة، ولكنها حبيسة الأدراج منذ سنين طويلة، وقواميس علم الإدارة والاقتصاد متخمة بالمفاهيم والمصطلحات المناسبة: كالتجديد والتطوير/ إعادة الهيكلة/ إعادة تأهيل و/أو نقل و/أو ندب العاملين/ تجديد وتطوير وتعديل وتغيير الخطط الإنتاجية وتغيير أنواع ومواصفات المنتجات.. الخ، علماً أن تعاريف وشروحات هذه المفاهيم والمصطلحات متاحة بـ(اللغة العربية) و (باللهجة السورية) لمن يرغب».
وعن التوجيه الحكومي بإجراء دراسة لطرح الشركات الخاسرة أو المتوقفة أو أية أملاك حكومية غير مستثمرة للاستثمار استفاض د. فضلية في الإجابة التي بدأها بضحكة من أعماقه ثم قال:
«أعتقد بأن هذه الطروحات هي ذاتها التي وردت في المادة (37) من مسودة قانون إصلاح القطاع العام الصناعي الذي عارضت إصداره (بالصيغة التي جاء بها) العديد من الجهات، ومنها اتحاد نقابات العمال.
خاسرة أم مخسَّرة؟
على العموم: نؤيد بشدة طرح الشركات والمؤسسات الحكومية الخاسرة والمتوقفة والأملاك غير المستثمرة على الاستثمار بدءاً من عقود الإدارة ومروراً بالمشاركة مع القطاع الخاص وانتهاءً بالخصصة (بكل معنى الكلمة)... ولكن إذا كان لدى الجهات الحكومية المنوط بها معالجة هذا الموضوع ما يُقنع عمال وموظفي هذه الشركات ويُقنع بقية أو بعض (العامة) من الناس (ونحن منهم) بما يلي:
أولاً: أن الشركات العامة المتوقفة والتي تصنف (بلا دراسة منهجية) بأنها خاسرة، هي متوقفة أو خاسرة فعلاً لأسباب موضوعية وحقيقية، وليست مُخسّرة لأسباب إدارية أو فنية أو محاسبية أو مالية و/أو نفعية (لاسمح الله)، وبالتالي فالمطلوب دراسة أوضاع هذه الشركات بشكل منهجي وموضوعي وحيادي (إدارياً وفنياً ومحاسبياً ومالياً وتسويقياً) وتقييم أصولها (وإعلان هذه القيم على الملأ) ودراسة وضع ومصير عمالها وموظفيها، قبل المطالبة بدراسة آليات طرحها على الاستثمار.
ثانياً: أن طروحات استثمار الشركات المتوقفة والتي سيتم تصنيفها (بعد الدراسة المنهجية) على أنها خاسرة، بأنها الطروحات الاستثمارية الأفضل للمصلحة العامة؟ باعتبار أن طرق وآليات وشروط (عقود) الاستثمار عديدة ومتنوعة وذات مستويات متفاوتة بحسب طبيعة المنشأة وحجمها ووضعها الإنتاجي والتشغيلي والاستثماري. فطرق الاستثمار الخاص لمنشآت القطاع العام تراوح عادةً بدءاً من (منح حق الإدارة)، مروراً بـ(التأجير) ومنح (حق الانتفاع و/أو التشغيل) وانتهاءً بـ(البيع الخالص)، وبالتالي هل ستكون هذه الطروحات التي (ينادي بها البعض) و/أو التي ستفضي إليها الدراسة المطلوبة منسجمة مع المصلحة العامة، علماً (وعلى سبيل المثال فقط) أن التأجير (في بعض الحالات) أسوأ من المشاركة وأن المشاركة (في حالات أخرى) أسوأ من البيع. فإذا كان البيع يحقق إيرادات مجزية وكبيرة للخزينة العامة، فإن التأجير طويل الأمد (غير المدروس) قد يكون إهداءً للملكية العامة (دون مقابل و/أو بمقابل هزيل). كما أن عقود الاستثمار المُسماة بعقود (BOT/ بناء ـ تشغيل ـ تسليم) لها عشرات الأشكال والأنماط والمستويات، وما نسمعه ونقرؤه عما يطرح من هذه الأشكال والأنماط التي منحتها بعض الجهات الحكومية سابقاً وتناقشها حالياً ليست هي الأفضل للاقتصاد الوطني، كونها أقرب إلى (عقود المقاولة) أو (شراكة المضاربة) أكثر مما هي عقود استثمار حقيقي، ولكي تكون مثل هذه العقود مجدية اقتصادياً يجب أن تضيف طاقات إنتاجية وتزيد (بشكل مجزي) التكوين الرأسمالي، دون أن تزيد في نسبة البطالة أو تلوث البيئة أو تستنزف الموارد الطبيعية. فعلى سبيل المثال، بدلاً من منح عقد (BOT) للقطاع الخاص لتسليمه خط إنتاج إسمنت (جاهز قيد التشغيل) بهدف تطويره وتشغيله، كان من الأفضل أن يسمح لإدارة المعمل بتطوير هذا الخط، والتعاقد مستثمر القطاع الخاص على مشروع (وليكن BOT) يقوم بموجبه ببناء مصنع إسمنت على حسابه ومن تمويله الخاص، ثم يقوم بتشغيله واستثماره لمدة محددة (كافية لاسترداد رأسماله مع الأرباح)، وبعدها يُسلِّم إدارته وملكيته إلى الدولة (أو يستمر باستثماره مقابل عائد يدفع للدولة) إن اقتضت المصلحة العامة ذلك.
في الخاتمة، وللتوضيح، نحن مع القطاع العام (المتوازن) ومع القطاع الخاص (المتوازن)، كما لسنا ضد الاستثمار الأجنبي المُجدي شريطة أن تنسجم أنشطته الاستثمارية مع المصلحة الوطنية العليا، ولكننا نتمنى على الجهات الحكومية توفير شروط هذا (التوازن) للقطاع العام، بمستوى قدرة القطاع الخاص على خلق هذه الشروط بنفسه».
د. حيَّان سلمان:
الحلول المجتزئة لم تعد قادرة على دعم القطاع العام الصناعي
د. حيان سلمان أكد لـ«قاسيون» أن «هذا الأسبوع شهد حزمتين من القرارات، لا حزمة واحدة، تتركز بمجملها على القطاع العام الصناعي، وهذا يؤكد أهمية هذا القطاع. ولو أننا تناولنا حزمة القرارات التي صدرت كبداية عن القطاع الخاص، والتي جاءت بعد المؤتمر الصناعي الأول والثاني، نجد أن حزمة القرارات الحالية فيها الكثير من العناصر الإيجابية، ولكن الحكومة تأخرت في اتخاذها كثيراً، لأن هذه المواضيع نوقشت في أدبيات اقتصادية كثيرة».
ورداً على سؤالنا حول إلغاء احتساب الاهتلاكات عن الأصول المستهلكة دفترياً، قال د. حيان: «لقد ركزنا في أبحاثنا على موضوع الاهتلاكات، والأصول الإنتاجية التي اهتلكت دفترياً، وموضوع عدم احتساب الاهتلاك للأصول الإنتاجية المتوقفة، وإعطاء الإدارات الصلاحية والمرونة ليعمل القطاع العام في جو من الحرية مثله مثل القطاع الخاص، خاصةً إذا أردنا أن نتعامل معه وفق البعد الاقتصادي، وليس البعد الاجتماعي، مع الإشارة إلى أن البعدين لا ينفصل بعضهما عن بعض، فالوقائع تؤكد أن القطاع العام أثقل تحت كاهل اعتبارات اجتماعية أكثر منها اقتصادية، فالتعامل مع هذا القطاع يجب أن يخرج من منطق التاجر، أي منطق: «ماذا آخذ وماذا أعطي؟»، ويجب التعامل مع القطاع العام اقتصادياً، فعندما أقترض لشراء آلة بمليون ليرة سورية، ويتم اهتلاكها بنسبة 10%، فهذا يعني ضمناً أن نسبة الـ10% هي التعويض عن القسم الذي اهتلك من الآلة، وتم نقله إلى السلع المنتجة، وبالتالي فمن حق الشركة أن تأخذ تلك الأموال بعد عشر سنوات، وتشتري آلة لتحل محل الآلة الأولى التي انتهت مادياً، أي أن الأصل الإنتاجي أن يوجد جهاز آخر أكثر تطوراً وكفاءة، وأقل تكلفة وأكثر إنتاجاً، وذلك بفضل التكنولوجيا المتسارعة، بما تعطيه من ريعية اقتصادية أكثر.
لقد أرهقنا القطاع العام، فبدأنا نأخذ قيمة الآلات التي اهتلكت، واعتبرناها رافداً للخزينة، رغم أنه كان بإمكانها أن تولِّد إنتاجاً جديداً.
لذلك فنظام احتساب الاهتلاك المعمول به في القطاع العام مخالف لمنطق المحاسبة، فكل نفقة يجب أن يقابلها إيراد، أو ما يدعى: «مطرح النفقة»، لذا فإنه من الظلم أن نأخذ نفقات على آلة اهتلكت. إذاً الواقع يؤكد أن الاهتلاكات كانت عبئاً مفروضاً على هذا القطاع، لا يمتُّ لعلمي الاقتصاد والمحاسبة بأية صلة، وهذا ما نادينا به مراراً.
الحلول المجتزأة قاصرة
وحول سؤالنا عن المعالجات التي تأتي دائماً جزئية وليست كلية، أجاب د. سلمان: إن القضية ليست قضية معالجة جزئية أو كلية، فأنا مع كل خطوة تستطيع أن تعيد هذا القطاع إلى وضعه الصحيح، وهنا اختلف كثيراً مع الليبراليين الذين يعدون الخصخصة حلاً سحرياً، وخاصةً بعد أن رأينا الانتهاكات الكبيرة، والانهيارات الفظيعة لشركات تُعتبر من عمالقة شركات القطاع الخاص، وأيضاً اختلف قليلاً مع الذين يؤيدون تدخل الدولة بكل شيء، لكن كل خطوة بالاتجاه الصحيح ستكون لمصلحة دعم الاقتصاد الوطني.
وعن موضوع الحلول الجزئية المعتمدة في الاقتصاد الوطني، أكد د. حيان: إن الحلول المجتزأة لم تعد قادرة على دعم هذا القطاع في وجه المنافسة الكبيرة الداخلية والخارجية، بل يجب تقديم حلول عامة شاملة لكل المشكلات التي يعانيها هذا القطاع، وكل يوم تأخير يعني الإسراع في موته.
وحول سؤالنا عن دور الوزراء الخمسة الذين استلموا وزارة الصناعة على مدى ست سنوات فقط، دون أن يلعبوا الدور المناط بهم في اتخاذ تلك القرارات، قال د. سلمان: أنا معكم في هذا الطرح، لكن هذا القطاع سيبقى، وقد يمرُّ عشرون وزير صناعة دون أن تكون لهم فعالية حقيقية، لذا يجب رفع الصوت عالياً لحل هذه الإشكالية، فأن تأتي متأخراً خيرٌ من ألا تأتي أبداً، ويجب اتخاذ خطوات عملية علمية لإنقاذ هذا القطاع، وهذا ما يجب أن يطالب به جميع الاقتصاديين الوطنيين، فهذا الموضوع اقتصادي وبعيد عن الإيديولوجيا. إذاً القضية يجب أن تخرج من إطار ما تحاول الليبرالية أن تقدمه من حلول قائمة على مبدأ الخصخصة. لقد آن الأوان لمعالجة لهذا القطاع، لأنه ابن الدولة، ويعبر عن سياسة الحكومة الاقتصادية والاجتماعية، وإلى حد ما السياسية.
لقد قلت أكثر من مرة، وعلى صفحات جريدة قاسيون، بأن القطاع العام يجب أن يخضع للقوانين نفسها التي يخضع لها القطاع الخاص، كالقانون 51 لعام 2006، المتعلق بضريبة الدخل، أو القانون 8 لعام 2007.
د. قدري جميل:
الحكومة تزيل عنها عبء الأجور وتضعه على كاهل الشركات
أما د. قدري جميل فأكد أن «هناك شركات قطاع عام تسدد منذ نحو 20 عاماً أصولاً مستهلكة دفترياً، ما يعني أن الحكومة أخذت ثمنها 3 مرات، واستنزفت هذه الشركات»، ورأى أن «إعفاءها الآن من المبلغ السابق تم بعد اهتلاك الأصول فعلياً وأخذ النقود». ويتم تسديد الاهتلاك على الأصول على مدى 10 سنوات، لكن إذا استمرت المؤسسات في تسديد هذه الأصول للحكومة لفترة تتجاوز الـ10 سنوات أصبح الإهلاك عن الأصول المستهلكة دفترياً ما يعني تسديد المبالغ المترتبة على المؤسسات بشكل مضاعف.
وطالب د. جميل بـ«إعادة الأصول المستهلكة دفترياً للقطاع العام، أي إعادة ضخها في الشركات التي دفعت أكثر مما كان يجب أن تدفعه بمرتين وثلاث»، مشيراً إلى أن «باقي القرارات، مثل قرار تجميد العمل ببعض الشركات الخاسرة مدة 3 سنوات، مرتبطة بقرار الاهتلاكات عن الأصول المستهلكة ولا يمكن أن يكون هناك فائدة منها دون أن يحل قرار الاهتلاكات».
وحول اعتبار المؤسسات الصناعية وحدة مالية مستقلة والسماح لها بالاحتفاظ بالفوائض المالية المحققة لديها، قال د. جميل إن «الفوائض التي ستبقى والتي ستدفع منها الرواتب لن تكون فوائض عالية بسبب الاهتلاك الكبير، بما يعني أن الحكومة تزيل عنها عبء الأجور وتضعه على كاهل الشركات التي لن تتحمل هذا العبء».
وكانت إجراءات الحكومة شملت الموافقة لمدة 3 سنوات بداية من مطلع تموز المقبل على اعتبار المؤسسات الصناعية وحدة مالية مستقلة، والسماح للمؤسسات والشركات التابعة لها بالاحتفاظ بالفوائض المالية المحققة لديها على أن تقوم هذه الشركات بتسديد كتلة الرواتب والأجور في الشركات المتعثرة.
وأردف د. جميل أن «المشكلة اليوم تكمن في الفائض الاقتصادي زائد السحب الجائر للأصول المستهلكة دفتريا والذي جرى خلال عقدين أو ثلاثة»، مشيراً إلى أن «الخزينة مديونة لشركات القطاع العام ضعفي أو ثلاثة أضعاف ثمن الآلات الموجودة فيها».
ويوجد 13 شركة عامة تعجز عن تأمين رواتب موظفيها الذين يتقاضون رواتبهم من خزينة الدولة، وذلك من بين حوالي 160 شركة عامة لا يتجاوز عدد الشركات التي تحقق دخلا جيدا منها 20 شركة.
ورأى د. جميل أن «القرارات غير كافية وجاءت متأخرة 10 أعوام على الأقل»، واصفاً طلب الحكومة من المؤسسات العامة العمل دون أن تضخ بها استثمارات أو ترجع لها الدين «عبث وغير منطقي».
ويعاني القطاع العام الصناعي من عدد من المشكلات، تتمثل في خسارة عدد من شركاته، وضعف قدرته التنافسية، في الوقت الذي بدأت فيه الصناعة السورية بقطاعيها العام والخاص تتأثر بتداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية.
وخلص د. جميل إلى أن «هذه القرارات عاجزة عن حل المشكلة إذا لم تحل السحب الجائر الذي تم سابقاً»، مشيراً إلى أن ما يجري الآن مع هذه القرارات هو التحضير للخصخصة بأسلوب مداور».