لماذا الهجوم على الليرة السورية في خضم الأزمة الاقتصادية العالمية؟
أثارت المذكرة التي رفعها وزير الصناعة لرئاسة مجلس الوزراء حول «تعديل سعر صرف الليرة السورية»، الكثير من الجدل في الأوساط العامة، الشعبية والأكاديمية على السواء، وقوبلت باستياء كبير حتى على مستوى بعض المسؤولين خارج الفريق الاقتصادي. ولخطورة الموضوع نقدم الملاحظات التالية:
أولاً: إن قرار تعديل سعر العملة الوطنية قرار سيادي، لا يتخذ بهذه السهولة، لما يترتب عليه من تأثيرات هامة على مختلف الفعاليات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
ثانياً: بالعودة للمذكرة نجد أن وزير الصناعة استشهد بالتجربة الأمريكية المطبقة خلال عامي 1905 ـ 1906، وهذه التجربة لا يمكن إسقاطها على واقع الاقتصاد السوري، وذلك لما يلي:
تعديل سعر الصرف من أجل تشجيع الصادرات السورية ومنحها درجة المنافسة في الأسواق الخارجية غير صحيح علمياً، ولم يُبحث على أساس منطقي سليم، فلتحقيق المطلوب يشترط أن يكون لدى الاقتصاد السوري تجهيزات صناعية، وخطوط إنتاج غير مستثمرة في الإنتاج، مع توفر اليد العاملة المتخصصة لإدارة هذه العمليات، ووجود أبحاث تسويقية، لمعرفة أنماط الاستهلاك خارج سورية بصورة جيدة، حتى يتمكن الإنتاج من إيجاد الطلب عليها، مع ملاحظة توفر المواد الداخلة في عملية الإنتاج في السوق المحلية، وتثبيت أسعارها وإبقائها تحت السيطرة في حال التوسع بالإنتاج.
ثالثاً: واقع الحال يقول إنه لاتوجد إحصائيات علمية عن عدد خطوط الإنتاج غير المستخدمة وعدد المصانع المتوقفة عن الإنتاج بصورة واقعية، وبالتالي لايمكن بناء قرارات مصيرية على استنتاجات اتخذت في المكتب أو على السماع أو بقراءة الصحف. ولا توجد إحصائيات علمية عن حجم اليد العاملة المتخصصة اللازمة لإدارة العمليات الإنتاجية حسب قطاعات الإنتاج، وهذا يعبر عن عدم تحديد اتجاه التوسع الإنتاجي المرتقب تنفيذه.
أما الأخطر والأثقل نوعياً، فهو عدم توفر الإضافي من المواد الأولية اللازمة للتوسع في العمليات الإنتاجية، لأن الاقتصاد السوري تجاري وليس صناعياً، ليكون مورداً للمواد الأولية اللازمة للصناعة التحويلية. وهذا سيؤدي إلى التوسع باستيراد المواد الأولية من الخارج، وبالتالي زيادة أسعارها بسبب انخفاض قيمة الليرة السورية، ما سيؤدي إلى امتصاص الربح المتوقع من الفرق بين السعر القديم والسعر الجديد المخفض للعملة الوطنية، وارتفاع تكلفة الإنتاج.
رابعاً: هناك خلاف بين الواقع الموضوعي للتجربة الأمريكية والمشروع المقدم.. (ولا سبيل للمقارنة)..
خامساً: المنتج السوري متخلف تقنياً وخدمياً على مستوى السلعة المطروحة للتداول، ولا يعالَج بتخفيض سعر الصرف، وإنما بطريقة هندسية معتمدة على معطيات علمية لإعادة دراسة كلف الإنتاج، ووضع المعايير المطلوبة للتطور، ومواكبة هذه المنتجات لحاجة الأسواق الخارجية خاصةً المجاورة. ولا ننسى أن تخلف الاقتصاد السوري وليد عشرات السنوات من علاقات الإنتاج المعرقلة لنمو القوى المنتجة، والذي يحتاج إلى ثورة اقتصادية لإعادة بنائه بتطوير المادة المصنعة في ظل علاقات إنتاجية جديدة، وجذر هذه العملية هو فصل الإدارة عن الملكية، سواءً أكانت ملكية حيازة فوق القانون وبالضد منه، كما في القطاع العام، أو ملكية قانونية في القطاع الخاص، ولكنها تعاني من العوائق الاقتصادية وصغر الحجم، وعدم الانتقال إلى المرحلة التالية لتصبح منشآت إنتاجية تتطور بتأثير النمط الجديد من الاقتصاد الوطني، كما نحتاج إلى تحرير العاملين بأجر من مشنقة الصورة الهزلية للدخل، الذي لم يسمح للصناعة بالانطلاق، لاستحالة انتزاع عمل جدي أو إبداعي. وهذا ما غاب عن مخطط وزير الصناعة.
سادساً: الاقتصاد السوري مبنيٌّ أساساً على الصناعة التحويلية، وليس خالقاً للصناعة الأساسية، أو لإنتاج وسائل الإنتاج، ولا يمكن الركون للصناعة التحويلية في إنشاء بنية الصادرات، لسهولة إيجاد بديل عنها في الأسواق الخارجية.
سابعاً: لماذا يهاجم وزير الصناعة الليرة السورية في خضم الأزمة الاقتصادية العالمية، قاصداً ومتعمداً مراقبة انهيار الليرة بحجة تنشيط الصادرات في ظل الكساد العالمي، الذي طال كل مكان، مما يستحيل معه تصريف أية بضاعة وفي أي مكان، حيث تقترب أسعار البضاعة من سعر الكلفة، وتسير نحو أقل من الكلفة، أي أن محاولة فتح باب التصدير محكوم عليها بالفشل سلفاً.
إن تخفيض سعر الليرة سيؤدي للنتيجة المعتادة، وهي تخفيض حصة العاملين بأجر من الدخل القومي. وبالإضافة لوحشية هذا فإنه سوف يخفض قدرتهم الشرائية، ويضر الإنتاج بالتالي، ومعرفياً هذا سوف يدمر الصناعة المحلية.
ثامناً: المنطق الاقتصادي يقول إن المفترض اللجوء لإحلال الواردات بالإنتاج المحلي، عن طريق قطاع عام قائد، وقطاع خاص إنتاجي في عملية الإحلال. وهذا لا يحتاج إلى تخفيض سعر العملة المحلية...
■ ع. ص. خ