القرار الاقتصادي.. والصراع الطبقي
• إن صناعة القرار (أي قرار) ليست مسألة إدارية أو فنية فقط، بل هي، قبل ذلك، تعبير عن مصالح طبقية محددة، مع عدم إنكار دور الجانب الإداري والفني في بلد مثل سورية، حيث التشوّه في موازين القوى الاجتماعية، وعدم وجود فرز حقيقي بين القوى على أساس البرامج الاقتصادية الاجتماعية، والهوّة - بل التناقض- أحياناً بين أقوال القوى السياسية وأفعالها، وعدم وجود فصل بين السلطات، بالإضافة إلى ما يمتلكه إخطبوط الفساد من آليات تحكم وسيطرة عبر قوة النفوذ... وعلى كل حال نعتقد أن الإجابة على سؤال الملف تتطلب أن تؤخذ بعين الاعتبار عدة وقائع تتعلق بتطور الوضع الاقتصادي والاجتماعي في البلاد خلال العقود الماضية.
• إن تبني السياسة الليبرالية ليست قضية اقتصادية مجردة، ولم تهبط من السماء، وهي ليست وليدة رغبة عابرة عند احدهم، بل تتعلق بتطور الوضع السياسي في البلاد، وتعكس توازن قوى معين، ضمن جهاز الدولة وخارجه، وداخل الوطن وخارجه، فانتهاج هذه السياسة في الاقتصاد هي نتاج طبيعي لتغيير البنية الطبقية لجهاز الدولة، هذه البنية التي تعود في تركيبتها التاريخية إلى فئة البرجوازية الصغيرة، والتي أفرزت من بين صفوفها بعد صعودها إلى السلطة نخبة من الأثرياء الذين كونوا ثرواتهم من خلال عملية النهب، ولأن الثروة المنهوبة يجب أن (توظف) في السوق، أو تهجّر إلى خارج الحدود، للحفاظ عليها وتحقيق المزيد من التراكم، ولأن السياسات السابقة كانت تقف حجر عثرة أمام ذلك، كان لابد من سياسات اقتصادية جديدة تستند إلى الفكر الليبرالي، تمنح الرأسمال كامل الحرية بالحركة في السوق الداخلية، وبين السوق الداخلية والخارجية، لاسيما وأن تغيير الطبيعة الطبقية للدولة جرى بالتوازي مع تغير في ميزان القوى العالمي، بعد انهيار التجربة الاشتراكية لمصلحة المشروع الليبرالي.
• إن حالة التفسير المختلف لاقتصاد السوق هي بدورها تعبير عن توازن قوى معينة ضمن جهاز الدولة، فتلك الفئة من البرجوازية البيروقراطية التي مازالت تراكم الثروة من خلال مواقعها في جهاز الدولة، ولم تستطع بعد أن تتحول إلى لاعب في السوق، تتناقض مصالحها الطبقية مع مصالح قوى السوق الكبرى، سواء التاريخية منها أو الأثرياء الجدد، الذين ما عادوا بحاجة إلى جهاز الدولة، وتحولوا إلى رجال أعمال، ومن هنا كان الضغط المستمر باتجاه تغييب دور الدولة الاجتماعي، ومن هنا كان تعثر تنفيذ بعض السياسات الليبرالية وخصوصا إن مواقف هذه الفئة من البرجوازية البيروقراطية هنا تتقاطع موضوعيا مع موقف الأغلبية الشعبية، ونعتقد من هنا كان أيضاً تعثر تنفيذ بعض السياسات الليبرالية، والتأخر في تنفيذ كامل برنامج القوى الليبرالية حتى الآن.
• الفريق الاقتصادي الحكومي هو القوة الوحيدة التي وضعت نفسها في موقع عرّاب السياسة الليبرالية، فهو الذي يقترح، ويروّج، ويضلل لتمرير السياسات الليبرالية، ولكن بالمعنى القانوني والتاريخي فان جهاز الدولة – كل جهاز الدولة يتحمل نتائج هذه السياسة، ولم يعد منطقياً الوقوف على الحياد، أو انتظار موازين القوى والاصطفاف مع الأقوى في النهاية، ولاسيما أن النتائج الأولية للسياسة الليبرالية قطعت الشك باليقين، بأنها تعبر عن مصالح البرجوازية الكبرى، وبالضد من مصالح الجماهير الشعبية الواسعة، وبالضد من المصالح الوطنية العليا للبلاد، وواهم من يظن إن بإمكانه وضع نفسه خارج دائرة الصراع الطبقي المتفاقم في المجتمع.