الخلل في القرار الاقتصادي: قصور معرفي.. أم عجز فني.. أم نوايا مضمرة؟!

لاشك أن فتح ملف «كيف يصنع القرار الاقتصادي في سورية؟»، ساهم في تقديم أجوبة كثيرة ومتنوعة حول القرار الاقتصادي السوري، ومقدماته، وآلياته، ونتائجه...

إذ شارك في النقاش مجموعة واسعة من الباحثين الاقتصاديين والمهتمين أدلوا بدلوهم فيه، بعضهم قال ربما، كل ما يريد قوله بشفافية وموضوعية وجرأة، وبعضهم اتبع أسلوب التورية في تقديم إجاباته لأسباب تتوزع بين الذاتي والعام، وبعضهم ناور متجنباً مباشرية السؤال، ناهيك عمّن اعتذر عن المشاركة، أو تهرّب، أو أصر على أنه لا جدوى من طرح الأسئلة.. ولكن في العموم جاءت الآراء المشاركة لتعزز فكرة أن أوضاعنا الاقتصادية – الاجتماعية ليست على ما يرام، وأننا بتنا بحاجة ماسة لتصحيح مسار الاقتصاد...

ولإيجاد صيغة جديدة للسؤال، ومن ثم الإجابة عليه، وفي محاولة أولى لتلخيص ملف «كيف يصنع القرار الاقتصادي في سورية؟»، أقامت قاسيون ندوة اقتصادية مصغرة دعت إليها كل من د. نبيل مرزوق الاقتصادي المعروف، ود.عابد فضلية الأستاذ في جامعة دمشق، والأستاذ ربيع نصر الباحث الاقتصادي الشاب، الذين قدموا  مساهمات في الملف المذكور.. وجرى النقاش التالي معهم بحضور إدارة تحرير الصحيفة وعدد من المحررين

بين النوايا.. والنتائج

ــ قد يكون من الأهمية طرح السؤال التالي: لماذا تكون النوايا في القرار الاقتصادي في بادئ الأمر شيئاً وتتحول عند التنفيذ إلى شيء آخر؟!.. ومثال ذلك موضوع الدعم الذي كان شعاره إعادة توزيع الدعم على مستحقيه على أساس أن جزءاً هاماً من الدعم كان يذهب إلى غير مستحقيه، ولكن عملياً، وبالتدريج تم رفع الدعم ولم يعد توزيعه بشكل واضح حتى اللحظة!.. وكذلك الأمر بالنسبة لاقتصاد السوق الاجتماعي؛ كان الشكل الذي بدأ فيه الأمر يقتضي زيادة الدور الاجتماعي للدولة، أو أن يبقى على الأقل في حدوده، ولكن ما حصل خلال التنفيذ وبالنظر للمؤشرات الأساسية في الصحة والتعليم مثلاً، نلاحظ تراجع دور الدولة من حيث حصة الفرد من هذين القطاعين..الخ.. لذلك، وللربط بين القرار وتنفيذه مع الأخذ بعين الاعتبار المسافة الواقعة بينهما، يجب طرح السؤال التالي: القرار الاقتصادي بمحصلته النهائية بالشكل الذي ينتج به، بغض النظر عن طريقة إعلانه الأولى التي يمكن أن تختلف مع نتائجه النهائية، ما سبب خروجه بهذا الشكل، هل هو قصور معرفي أم عجز فني، أم نوايا مضمرة؟!

• ربيع نصر:

أرى أن القرارات الاقتصادية قبل عام 2005، كانت عبارةً عن ردود أفعال تجاه ظروف معينة.. فمثلاً مع وجود النفط وتوفر المساعدات تمت زيادة الإنفاق، وعندما ضعفت الإيرادات النفطية وانخفضت المساعدات تم تخفيض الإنفاق، وإذا انتبه المسؤولون أن هناك ضغطاً على البنى التحتية في الريف مثلاً كان يتم تعزيز هذه البنى، وهكذا... بمعنى أنه لم يكن هناك تصورات شاملة أو استراتيجيات بعيدة المدى. والخلفية الأساسية كانت تعد الإنفاق الحكومي لاعباً أساسياً في دور الدولة بالمجتمع، وهذا النهج استمر فترات طويلة، وبرأيي أن التحول في القرار الاقتصادي بدأ أثناء الإعداد للخطة الخمسية العاشرة، حيث لم يكن لدى الجهات الحكومية قبل ذلك تصور بعيد المدى  حول ما يمكن لهذه القرارات أن تنتج، والمثال الأبسط على ذلك أنه في نهاية الثمانينيات عانت سورية من أزمة قمح مست الأمن الوطني فمنح الدعم لمادة القمح بشكل كبير، وفي 1994 أصبح الناتج  أربعة ملايين طن من القمح حيث طغت زراعته على معظم الأراضي، ما أضر بمحاصيل أخرى مثل العدس والشعير والذرة..الخ، وهذا الضرر أدى إلى عجز في هذه الزراعات وهو مستمر إلى هذا اليوم، بعد 1994 تم اتخاذ قرار بإنشاء الصوامع لتخزين فائض الإنتاج القمحي.. وكان هذا في حينه تعبيراً عن حجم التناقض الكامن بين الإجراءات من جهة واتخاذ القرارات من جهة أخرى، ويسمى هذا عجزاً فنياً. والمثال الثاني على هذا العجز وقصور الرؤيا هو المنطقة الشمالية الشرقية الفقيرة التي كانت تعاني من أزمة اجتماعية والتي تم- بناءً على ردة فعل- الاستعانة بمساعدات المنظمات الدولية لتنميتها، وكانت النتيجة في آخر الدراسات حول الفقر زيادة الفقر في المنطقة الجنوبية!.

لقد بدأ التكتيك الفني للقرارات الاقتصادية مع الخطة الخمسية العاشرة، باعتماد نظرة أكثر بعداً بالمعنى الاستراتيجي، ولكن الهدفين الذين تطرحهما الخطة هما هدفان متناقضان شكلاً: النمو والعدالة الاجتماعية، فالدولة التي تريد تحقيق هذين الهدفين يجب أن يكون لديها مؤسسات فعالة على جميع المستويات، بمعنى أنه عندما يتم رفع أسعار الأسمدة الزراعية لتحويل الدعم إلى مستحقيه فإنه يجب أن يكون هناك جهاز مؤسساتي متطور جداً وقادر على تحقيق هذا الهدف!. وهذا هو الخلل في الخطة الخمسية العاشرة؛ وهو عدم إجراء الإصلاح المؤسساتي، ولذلك فإن نتيجة القرار الاقتصادي ستأتي بالنتيجة مشوهة أو غير منفذة بالشكل المطلوب، بغض النظر عن النوايا.

 تأخر اعتماد الاستراتيجيات

• د. نبيل مرزوق:

أوافق أن الحكومة لم تقم على امتداد فترة زمنية طويلة بالتعامل مع استراتيجيات، فجاءت السياسات قصيرة المدى ومحدودة التأثير والفعل ومرتبطة بالحدث الآني بشكل أكبر. وربما بدأت محاولات التغلب على هذه الإشكالية في الخطط السابقة للخطة العاشرة لكنها لم تنجح، لأن ذلك مرتبط بالقرار الاقتصادي وآلية صناعته، فالتشوه في آلية صنع هذا القرار هو ما قادنا إلى هذه النتائج. نحن لدينا دستور، وهناك آليات محددة فيه لصياغة السياسات ووضع الاستراتيجيات، وتوكل المهام للجهات المختصة مثل التشريعية والتنفيذية، وبالتالي فإن هذه الآليات تحصر المسؤولية على التخطيط والتنفيذ..الخ، ولكن تمت مصادرة هذه الآليات ومنعت من أخذ دورها، فعُطّل دور مجلس الشعب، ومُنح دوره للقيادة القطرية التي اعتبرت الأساس والموجه لكافة السياسات والاستراتيجيات، فحتى حين إصدار قرار بزيادة الأجور أو الأسعار يتم انتظار رأي وقرار القيادة القطرية.

إذاً تم هنا تعطيل آلية صنع القرار وفق ما ينص عليه الدستور، وهذا أوقعنا في مشكلة أخرى وهي غياب المسؤولية عن القرار الاقتصادي وتنفيذه، ويمكن القول إن القرار السياسي في هذا المجال موضوع بيد القيادة القطرية والجبهة الوطنية التقدمية، فهل فعلاً القيادة القطرية هي المسؤولة عن القرار الاقتصادي؟.. إذا كانت هي المسؤولة فيجب أن يكون هناك آليات محددة تخولها القيام بهذا الدور، والمفترض أن تمتلك الأدوات التنظيمية والمؤسساتية بما يتيح لها أن تكون مؤسسةً قادرةً على وضع استراتيجية وسياسات اقتصادية بعيدة المدى، لكن مع الأسف لا تمتلك القيادة القطرية هذه المؤسسات التي يمكن أن تنشط في المجال البحثي وإعداد الدراسات لتشكيل الرؤى بعيدة المدى، وهذا لا يمكّنها من صناعة قرارات اقتصادية بعيدة المدى، مما يتطلب إعادة صياغة وتحديد المسؤوليات حول وضع استراتيجيات القرار الاقتصادي في سورية وتنفيذه، ومن المفهوم أن هيئة تخطيط الدولة- بحكم مسؤوليتها- هي الجهة المناط بها إعداد الخطة ووضع استراتيجيتها، إلا أنها تتلقى التوجيه والمحاور الأساسية من القيادة السياسية العليا، ولكن لا يمكن إهمال أن القيادة السياسية العليا بحاجة إلى جهات بحثية ودراسية تساعدها على وضع الرؤى بعيدة المدى.

 

ــ إن في ذلك وجهة نظر تستحق الوقوف عندها وبحثها، ولكن السؤال: أليس تحديد رقم النمو هو قرار استراتيجي سياسي؟

د. مرزوق: طبعاً، ودور هيئة تخطيط الدولة هو دور فني لترجمة توجيهات القيادة السياسية والاستراتيجيات إلى إجراءات وخطط.

ــ ولكن من حدد النمو في الخطة الخمسية العاشرة؟ وهل كان القرار سياسياً؟

د. مرزوق: لا، لقد حدده الطاقم الفني، وهذا يؤكد أن القيادة السياسية بحاجة لجهات بحثية تقوم بتحريض الأفكار والآراء وتقديمها.

ــ  ولكن الجهات السياسية لم تحدد أمراً من صلب اختصاصها وهو رقم النمو، وتركتها للجهاز الفني؟!

د. نبيل مرزوق: إن راسم السياسة لديه صلاحية التوجيه، ولكن لا يمكن له أن يوجهه لوحده، ولذلك يستند إلى مجموعة من الباحثين والمؤسسات التي تعطيه التوجه ليتخذ بدوره القرار السياسي، وهذا التوجه يصدر عنه توجيه سياسي يتحول عبر المؤسسات التنفيذية إلى خطط واستراتيجيات وأرقام محددة، وهذا غائب في صناعة القرار السوري. لقد أورد الدستور في المادة الثامنة نقطةً واحدةً تقول إن الحزب هو قائد الدولة والمجتمع، ولكن ترجمة هذه النقطة غير واضحة بما يكفي، وفي الوقت نفسه أعطى الدستور صلاحيات لرئيس الجمهورية ومجلس الشعب والجهات التنفيذية، وقد تعطلت كل هذه الصلاحيات عبر الترجمة الخاطئة للنقطة الواردة في المادة الثامنة من الدستور.. وهناك اليوم حاجة لإنشاء مؤسسات ووضع آلية جديدة لصنع القرار، أي هناك حاجة لإعادة الأدوار الفعلية للهيئات والمؤسسات، لأن غياب المسؤولية المباشرة عن القرار يمثل إشكالية كبيرة، ومثال ذلك في وزارة الإدارة المحلية هناك مجلس المدينة المسؤول عن التخطيط وتنفيذ الخطة ووضع الموازنة..الخ، ولكن في الوقت نفسه فإن موازنته مرتبطة بوزارة الإدارة المحلية..

(د. عابد فضلية: حتى تمويله يتم بإعانات من الخزينة العامة، وسنة يوافقون على الإعانات وأخرى لا يوافقون..).

د. مرزوق: قانون الإدارة المحلية يعد هذا المجلس مسؤولاً عن خطته وتنفيذها وتتم محاسبته على هذا الأساس، ولكن كيف يمكن سؤال المجلس عن وضع الخطة بشقيها المالي والتنفيذي وتتم محاسبته، وليس لديه صلاحية في التمويل؟!.. إن هناك خللاً أساسياً في منح الصلاحيات لأصحابها بشكل سليم، لذلك لا يمكن تحديد المسؤول عن القرار.

 

خطة متفائلة أم متواضعة؟

ــ  إذاً، ليس هناك تحديد للمسؤوليات والصلاحيات والحدود الفاصلة بين مختلف الهيئات صاحبة العلاقة بطريقة صياغة القرار الاقتصادي.

• د. عابد فضلية:

إذا اعتبرنا أن المشكلة في النوايا فلا دليل يثبت ذلك أو يلغيه، وإذا قلنا إن القصور الفني هو السبب فهذا قد يكون الغالب، إن المشكلة في القرار هي أنه غالباً ما يكون متأخراً نتيجة التريث أو التمحيص أو لسبب آخر، وحتى إن كان القرار سليماً، فإن مجيئه متأخراً يجعله قليل الفعالية. والمشكلة الأخرى هي أن إلغاء هذا القرار أو تجميده يأتي متأخراً عن زوال أسباب ومسوغات اتخاذه بالأصل. وبرأيي فإن الواقع يؤكد أن القرارات السياسية عادةً ما تكون أبعد وأسبق وأسمى من الجهات المنوط بها التنفيذ، فالإدارة السياسية واعية ولديها حس بالمسؤولية، ولكن هناك أحياناً فجوة بينها وبين التنفيذ النهائي، وهذه المشكلة تكمن في الحلقات التنفيذية الدنيا، سواء عن سوء فهم أو جهل أو قصور فني أو سوء نية..الخ..

ثمة مشكلة أخرى، عند إصدار مرسوم أو قانون بعد دراسته وتمحيصه لا ترسل مع مسودة القانون مسودة التعليمات التنفيذية له، إما بقصد أم بغيره، وهذا يؤدي لتكون التعليمات التنفيذية غير منسجمة مع روح القانون، ثم تأتي تعليمات تنفيذية للتعليمات التنفيذية منحرفةً أيضاً ومختلفة عن روح القانون وبشكل أشد، وقد نصل في النهاية نتيجة لهذه السلسلة إلى آليات تنفيذ لم يردها المشرع أساساً عند إصدار هذا القانون. لذلك أرى أنه من الضروري أن يرفق مع المرسوم أو القانون دائماً وأبداً مسودة تعليمات تنفيذية ليتم إقرارها مع إقرار القانون نفسه، وبذلك نضمن على الأقل تفسيراً جيداً لهذا القانون، وأن يكون شفافاً ومفصلاً وواضحاً بشكل كامل.

وفيما يتعلق بالخطة الخمسية العاشرة فإن الخطط الخمسية هي أعلى قرار اقتصادي في الدولة، وإذا تحدثنا عن الخطة الخمسية العاشرة فيمكن القول إنها وضعت بشكل ممتاز، وإذا تم تناولها بمعزل عن الواقع الاقتصادي السائد، ستنال كثيراً من الرضى كخطة نموذجية واسعة ومحيطة.. فقد وضعت الطريق العريض لسيرورة التطور الاقتصادي في البلد، ولكن كانت الخطة متفائلة جداً جداً، وأعطت القطاع الخاص أكثر من حجمه الحقيقي، ووضعت له مهام أكبر منه دون التأكد من قدرته على تحقيقها، كأن يشغل سنوياً 40 ألف وظيفة، دون توفر الآليات التي تضمن ذلك..

الخطة وضعت مؤشرات متفائلة لا يمكن وضع آليات لتنفيذها، إضافةً إلى أن مهام الخطة خلال السنوات الخمس تتطلب بالمقارنة مع الواقع السوري خمسة عشر عاماً لتحقيقها، وتتطلب كذلك حجم وزارات مضاعف ثلاث مرات عن حجم الوزارات السورية الحالي، إلى جانب إمكانات تبلغ عشرة أضعاف الموجود لدى هذه الوزارات، لذلك وضعت هذه الخطة وكأنها لم تأخذ بعين الاعتبار واقع المؤسسات والجهات العامة والخاصة، ووضعت كأنها أمنية يراد تحقيقها، وكان من أهدافها ما يصعب تحقيقه جداً.. وهناك نقطة أخرى مهمة، وهي أن الخطة رُسمت بناءً على مؤشرات الواقع الاقتصادي السوري، لكن دون أن توضّح كيفية تنفيذ الأهداف المطلوبة، ولم تنطلق مما يمكن إصلاحه في الاقتصاد السوري، أي كانت الخطة متفائلة جداً وهي نظرياً ممتازة بحق، ولكنها لم تكن متأكدة من مصادر تمويل تنفيذ ما تهدف إليه، إذ لم تضع برامج تمويل كفيلة بتنفيذها.

وبالنسبة للقيادة السياسية والفجوة بين الرؤيا السياسية وبين التنفيذ، من المعروف أن القيادة السياسية تضع الرؤى ولكن ليس من مهماتها، ولا تسعى، لتكون لديها أدوات لوضع خطط تنفيذية لهذه الرؤى، فالحكومة هي المسؤولة عن ترجمة هذه الرؤى إلى خطوات تنفيذ فعالة، وإذا كان هناك تقصير فإنه إما أن يكون من الحكومة أو أن الرؤى تكون سابقة، بمعنى أنها تحريضية مستقبلية واستراتيجية بعيدة المدى، ولذلك عند وجود تقصير في التنفيذ فربما يعود للخطط الموضوعة أو إلى تفاؤل الرؤى السياسية بهدف دفع الجهات التنفيذية نحو فعالية أعلى. وعندما يتم وضع الخطة ويطلب تنفيذها، فإنه من المفترض أن جميع أجهزة الدولة تعمل بشكل كامل في سبيل تحقيقها مع التزام بالمسؤولية الوطنية، ولكن يجب أن يتم الأخذ بعين الاعتبار أن هناك بعض الشرائح لديها مصالح في عدم تنفيذ هذه الخطط أو في تشويه تنفيذها لاعتبارات مختلفة..

إن عدم الخروج بنتائج من القرارات الاقتصادية كما أرادت لها الإرادة السياسية، يتعلق إلى حد ما بالسلطات التشريعية في مراقبة تنفيذ وتطبيق الخطط الموضوعة بما ينسجم مع الإرادة السياسية.

 

عوائق الإصلاح

ــ إذاً المطلوب هو إصلاح الجهاز الحكومي؟

•  ربيع نصر: بل أكثر، إن الإصلاح يجب أن يكون على مستوى الدولة وعلى مستوى المجتمع الأهلي، فمؤسسة السوق مثلاً خارج الحكومة وهي بحاجة إلى إصلاح.

 

ــ ولكن هل الجهاز الحكومي يقبل الإصلاح /كمؤسسة/  بسهولة، إذا انطلقنا من منطقه وآلياته والمصالح المتكونة فيه؟ أليس هناك حائط دائم أمام إصلاح هذه المؤسسة؟!.. ولنأخذ مثلاً قضية الفساد ضمن خطط الإصلاح؛ كيف تتم معالجتها؟ إذا ترك للقوى في جهاز الحكومة أن تحل موضوع الفساد، فهل تستطيع أن تقوم بذلك؟ ومن الأقوى في جهاز الدولة هل هي القوى النظيفة أم قوى الفساد؟!.. أليس هذا سؤال يستحق الوقوف عنده؟!.

ثم إذا كانت الخطة، وهي القرار الاقتصادي الأعلى، بمثابة أمنية كما وصفها د.عابد، أو متفائلة.. فكيف يمكن أن تتم محاسبة المقصرين في تنفيذها إذا كانت الخطة بالأصل تعاني من مشكلة في التعامل مع الواقع؟!.. وكيف ينعكس ذلك على القصور الفني الموجود أصلاً؟

• ربيع نصر: فيما يتعلق بالنوايا، أرى أن أي قرار اقتصادي لابد أن يعكس مصالح معينة، وطلب الإصلاح هو طلب لتغيير خارطة المصالح، فالإصلاح بالدرجة الأولى هو اعتراف بالخلل في تنفيذ المصالح الموجودة بدرجة كبيرة.. وبالنسبة لهذه النقطة أرى أن هناك ثغرتين أساسيتين تجب الاستفادة منهما، لاسيما وأن الخطة اعتمدت بناءً على هاتين الثغرتين؛ أولاً: هل القرار الاقتصادي يعكس كل المصالح الموجودة على الخارطة السورية؟ فهناك من له صوت قوي وقدرة على تمثيل نفسه بالدرجة المطلوبة مثل كبار رجال الأعمال والحكومة وغيرهم...الخ، والمأمول من الإصلاح الانتقال إلى مرحلة تنموية أرقى في البلد تتوفر فيها أقنية لإيصال صوت من لا يملكون القدرة على تمثيل أنفسهم بالدرجة المطلوبة، وهم ربما يمثلون 85% من المجتمع ولهم مصالح بتغيير الوضع الاقتصادي الحالي، خصوصاً أن هذه الأقنية ضعيفة في سورية، وهذه مشكلة كبيرة.. ثانياً: هناك تساؤل حول الطرح الجديد الذي تنادي به القيادة السياسية والداعي إلى تطوير الآليات القديمة جذرياً، وأنا هنا أختلف معكم بأن رقم النمو كان قراراً فنياً، فصحيح أن القرار كان فنياً، ولكن من تبنى هذا القرار المتفائل؟ إنها القيادة السياسية فهي من تبنّى قراراً متفائلاً حسب التوصيف.

مشكلة الأولويات

ــ هل كانت الخطة متفائلة فعلاً!

ربيع نصر: إن حجم الإمكانات المطلوبة لتنفيذ هذه الخطة يمكن معها وصفها بالمتفائلة، ولكن التفاؤل له شروط، فحتى ضمن الخطة هناك ما يسمى بشروط ما قبل تنفيذ الخطة، وبرأيي إن الخطة الخمسية العاشرة كانت متفائلة ولكن ليست حالمة، والسبب بسيط، فقد كان مطلوباً أن يبقى الاستثمار العام بحدود 14% من الناتج الإجمالي المحلي دون زيادة، ولكنه نقص الآن إلى 9%، وقد قلنا فيما مضى إنه لا يمكن للقطاع الخاص أن يعوض الاستثمار العام، ولذلك يجب أن يبقى الاستثمار العام بنسبة 14% من الناتج، وبالتالي إذا حقق الاستثمار الخاص زيادةً بنسبة 10% فإنه سيضاف إلى الاستثمار العام ليصبح 24% وهذا معدل جيد، ولذلك كان يجب أن يتم تمويل الاستثمار من موازنة الدولة، ولكن حين انخفاض الإيرادات النفطية كان هناك بديلان؛ الأول إصلاح القطاع العام بشكل مباشر لزيادة إيراداته- كون أي إصلاح في القطاع العام وإن كان بالحد الأدنى من الكفاءة سيكون له انعكاس إيجابي في التحويلات إلى إيرادات الخزينة؛ والثاني هو الضرائب المباشرة، فمن المعروف أن العبء الضريبي في سورية هو من أقل الضرائب في العالم، وهناك ضرائب مباشرة وغير مباشرة والأولى تتراجع بينما الثانية تزداد وهذا يسيء للعدالة..

د. عابد فضلية: هناك في سورية ضرائب على الأرباح وأخرى على الأجور، الضرائب التي على الأرباح تتراجع نسبياً، أما على الأجور فإنها منسجمة مع زيادة الناتج المحلي الإجمالي وهذا سليم، فهي مستقرة بمعنى أنها تزداد مع ازدياد الناتج، بينما زيادة الضرائب على الأرباح تسير منخفضةً بعكس اتجاه الناتج الإجمالي المحلي.

ــ هذا إذا تكلمنا عن الضرائب المباشرة، ولكن بالنسبة لغير المباشرة كيف يتم الأمر؟!

ربيع نصر: إنها تزيد نسبةً إلى الناتج المحلي وهذا سيء، وبرأيي ما كانت خطة التمويل لتكون صعبة لو تم إصلاح الضريبة المباشرة، أي ضريبة الدخل، وبالتالي لما كان هناك مشكلة في التمويل لو تم العمل بالإصلاح الضريبي الذي كان مفترضاً أن تبدأ به وزارة المالية. والإشكالية الثانية بالنسبة للخطة الخمسية العاشرة هي أنه كان هناك حديث عن تطوير المؤسسات، وهذا لا يمكن إنجازه في خمس سنوات بطبيعة الحال، ولكن إطلاق إصلاح المؤسسات بشكل حازم سيحققه، وهنا يجب التأكيد أنه لا يمكن أن يتم الإصلاح بشكل تدريجي، فالالتزام بالشفافية مثلاً يتم بقرار حازم وواحد ولا يمكن التدرج به، فالتدرج يكون في تطوير الكوادر البشرية وهيكلية المؤسسات وتطوير القوانين الجديدة.. أما الإصلاح فلا يمكن أن يكون تدريجياً، ولا يمكن لأحد أن يقول انتظروا حتى انتهاء الإصلاح لتتأكدوا من النتائج، إذ يمكن الحكم على الإصلاح استناداً إلى المبادئ التي اعتمدت في تطبيقه منذ البداية.

ثم إن الخلل الأساسي في القرار هو آلية المحاسبة، وهذا ما يجعل إصلاح المؤسسة الحكومية مهمة صعبة جداً، فأول مثال يمكن طرحه هو أن آراء الفريق الحكومي تحمل تناقضات علنية!..

فهناك قرارات اتخذتها مجموعة من الوزارت كانت مخالفةً تماماً للخطة الخمسية العاشرة، وهذا يدل على غياب المراقب الحكومي، علماً أن هذا التناقض الموجود في الحكومة بحاجة إلى محاكمة، إذاً، إذا توفرت آلية محاسبة، وتوفرت النوايا اللازمة لتنفيذها، فسيكون الإصلاح ممكناً.

وهناك خلل في الأولويات، وأبسط مثال على ذلك الخلاف بين رؤى الصندوق والبنك الدوليين وبين رؤى البدائل الاقتصادية الأخرى على التوقيت: هل يتم تحرير التجارة أولاً لزيادة الكفاءة ضمن السوق المحلية، أم يتم تحرير السوق المحلية لتصبح أكثر كفاءة وتحقق مرونة بالعرض ثم يتم تحرير التجارة؟!.. يقول البنك الدولي: حرروا التجارة أولاً وكنتيجة ستزيد كفاءة السوق المحلية، فلو تبنت الخطة المنهج البديل أي إعطاء المستثمر السوري حقوقه الطبيعية قبل إعطائها للمستثمر الخارجي، كان يمكن زيادة كفاءة العرض في السوق المحلية، ثم بعد ذلك يمكن تحرير التجارة، ولكن للأسف تم استسهال القضية انطلاقاً من أن تحرير التجارة لا يكلف شيئاً سوى تخفيض الرسوم، مقابل صعوبة زيادة كفاءة السوق المحلية كونها تحتاج إلى زيادة البنى التحتية وضخ استثمارات إضافية في السوق، ومثلاً جاء قانون المنافسة وفق جميع الشروط العالمية، ولكنه رُبط بوزارة الاقتصاد بينما كان يجب ربطه بمجلس الشعب.

إن اتخاذ القرار ناقصاً وفي غير توقيته الصحيح يؤدي إلى خطأ، وهذان الشرطان: الكمال والتوقيت الصحيح، هما شرطان أساسيان لتحقيق الارتقاء بالهيكلية المجتمعية وتمثيل المصالح بشكل سليم.

 

ما هو  الاقتصادي؟ وما هو السياسي؟

ــ من الناحية الشكلية، رقم النمو الذي عرضه الفنيون تمت الموافقة عليه سياسياً، ولكن هل هذه الآلية صحيحة؟ إن منطق الأمور يقتضي وضع مهمة أمام الاقتصاديين بناءً على أساس التأثيرات الاستراتيجية السياسية المتوقعة، أي مهمة تحقيق النمو الضروري سياسياً، بمعنى أن وجود سورية في ظرف إقليمي محدد أمر لا يمكن للاقتصادي وحده أن يحدده، وكذلك الوضع الاجتماعي والاقتصادي، إذاً القضية هنا تصبح معقدة، وهنا يقول صانع القرار السياسي: أريد نمواً بنسبة 10% أو مضاعفة الدخل الوطني خلال خمس سنوات حتى أواجه التحديات المنتصبة أمامي، وهكذا تكون الحكومة مطالبة بالبحث عن خيارات وبدائل لتحقيق هذا الهدف، ومثال ذلك الاتحاد السوفييتي عام 1929 فخلال 15 عاماً تمت مضاعفة الدخل الوطني للاتحاد السوفييتي مرتين لأن القيادة السياسية كانت تستشعر نذر الحرب.. ولذلك قرارات من هذا النوع هي قرارات سياسية، وهيئة تخطيط الدولة لا يمكنها إقرار مضاعفة الدخل الوطني من تلقاء نفسها لأنها لا تستطيع تحديد الهدف العام الكبير، بل تتلقى الهدف من الإدارة السياسية وتقوم بتفصيل خطط تنفيذه، ولا يمكن إنكار أن الخطة الخمسية العاشرة حققت شيئاً إيجابياً للمرة الأولى مقارنةً بسابقاتها، فهي حددت رقم نمو كهدف معلن، ولكن الاختلاف هنا حول هذا الرقم بحد ذاته، ففي حين يعده البعض متفائلاً، يمكن القول إنه أمام المهام المنتصبة أمام سورية يمثل رقم النمو المعلن الحد الأدنى المطلوب، وهو رقم ممكن التحقيق ولكنه يحتاج إلى إصلاح مؤسساتي كبير لتأمين الموارد المطلوبة لتحقيقه. ولذلك إن القضية الاقتصادية قضية خطيرة ولا يمكن للاقتصاديين وحدهم أن يقوموا عليها فالقضية الاقتصادية يجب أن يقوم عليها فعلياً كل المجتمع، لأن معيار نجاح الهدف هو تطابقه مع الضرورات.

 

د. نبيل مرزوق: هناك أمر أعتقد أنه من الضروري عدم إغفاله نهائياً، وهو الترابط بين الرؤية السياسية والرؤية الاقتصادية، ففي تاريخ سورية المعاصر كان هناك ترابط مستمر ودائم بين الرؤى السياسية العامة والرؤى الاقتصادية المتبعة، وهذا عاشته سورية منذ الاستقلال، ففي الستينيات كانت الرؤية العامة للنظام تريد أن تسير في طريق الاشتراكية- حسب ما سمت توجهها هي نفسها- وبالتالي فإن السياسات الاقتصادية التي كانت تتخذ كانت تأتي ضمن هذا السياق مثل تدعيم القطاع العام وتوسيعه إنتاجياً وإعطاء العمال ونقاباتهم دوراً ليمارسوه وإصلاح زراعي..الخ، لكن في السبعينيات بدأ الحديث عن التعددية الاقتصادية والتوجه نحو الانفتاح نحو السوق، وهذا انعكس بسياسات اقتصادية محابية للقطاع الخاص ومشاركته في العملية الاقتصادية على مستوى البلد، وتم السماح له بالتدخل في التجارة الخارجية، وبالتالي تعزز دوره على صعيد الاستثمار الداخلي ومنه الصناعي، وهذا الكلام تدعّم أكثر عام 1986 حيث أخذت سورية بشعار الإصلاح الاقتصادي الذي كان يصب ضمن رؤى ومفاهيم صندوق النقد الدولي في عملية التثبيت وإعادة الهيكلة الاقتصادية، وطبقت سورية هاتين الحزمتين من البرامج عبر تثبيت الأجور وتخفيض الضرائب على القطاع الخاص..الخ، وتدعم هذا الاتجاه أكثر في عام 2000  حيث تم تسريع الخطوات نحو الإصلاح وترافق ذلك مع سياسات مناسبة لذلك سواء على صعيد التجارة الخارجية أو على صعيد النظام الضريبي والدعم والقطاع العام والتشغيل..الخ.

إذاً، إن التوجه الرئيسي نحا نحو انفتاح ونحو سوق ليبرالية، وعند القول إن التوجه نحو ليبرالية السوق- وهو ما تسير سورية باتجاهه منذ 86 وحتى الآن- فإنه من الواضح أن ما يصدر من قرارات وتشريعات يؤيد هذا الاتجاه وينسجم معه. وفي هذا الإطار لايمكن القول إن هناك انفصاماً بين الرؤيا السياسية والرؤيا الاقتصادية بل هناك انسجام وتطابق بينهما، والآن يمكن الحديث عن ثغرات وعيوب وضعف وبذلك يمكن فهم المقصود بالإصلاح المؤسساتي والاقتصادي والتعليم، فهذا كله يأتي صمن الرؤية العامة بالاتجاه نحو ليبرالية السوق.

ليس هناك شيء اسمه اقتصاد سوق اجتماعي بالمعنى الذي يطرح في سورية على أن هناك تزاوجاً وتكاملاً بين ليبرالية السوق وبين الجانب الاجتماعي، فهذا الكلام غير صحيح، فمجرد أن يتم التحدث عن الجانب الاجتماعي يتم تعطيل آليات السوق، فإعطاء ضمانات للعمال وإعطاء أجور مناسبة وتحديد أسعار السلع الأساسية وأسعار العقارات وفرض الرقابة على القطع..الخ.. مخالفات للسوق وحريتها وتعطيل لها.

ربيع نصر: إن فشل السوق وتدخل الدولة فيه لا يعني بقاء السوق حرةً وهذا صحيح، ولكن عند فشله في أجزاء معينة يمكن للدولة أن تتدخل مؤقتاً.

د. نبيل مرزوق: عند فشل أجزاء من السوق كما يحدث في المرحلة الراهنة على صعيد السوق المالية العالمية، يمكن أن تتدخل الدولة ولكن دخولها يكون مشروطاً بانسحابها بعد تصحيح الخلل، والتدخل من أجل إصلاح أو تعويض خلل السوق يختلف عن فرض سياسات وضوابط تعطل آليات عمل السوق، وعند الحديث عن مفهوم اقتصاد السوق الاجتماعي إنما الحديث هو عن مصالح، من هم أصحاب المصلحة في اقتصاد السوق الاجتماعي؟ إنهم الأكثرية أو الفئة الواسعة من المواطنين السوريين، ولكن هل فعلاً ميزان القوى هو لمصلحة هذه الفئة أم أنه لمصلحة فئة محدودة لكبار التجار والمسؤولين والبيروقراطيين؟.. لا يمكن أن نفهم هذا الشعار بشكله الحقيقي دون ميزان قوى مناسب، فعندما تكون هناك نقابات عمال وفئات اجتماعية كبيرة مهمشة، إلى جانب بطالة واسعة في المجتمع وغياب مؤسسات المجتمع المدني، فمن هو صاحب القرار في هذه المسألة وأين يتجه ميزان القوى؟ إن ميزان القوى متجه نحو أصحاب المصالح المادية المسيطرة وهم المجموعات القادرة على إيصال صوتها والقادرة على فرض سياسات اقتصادية تناسبهم، وبالتالي فإن هذه المجموعات ليست مع اقتصاد السوق الاجتماعي بل مع اقتصاد السوق الحر، وهذا ما يطبق عملياً وليست المسألة متعلقة بحسن النوايا أو سوئها!.

 

المطلوب.. تكيف جديد شكلاً ومضموناً

ــ إذا كنا تاريخياً سائرين نحو الانفتاح بضغط منحى ومناخ التطور العالمي، أي كان منطق التكيف يهدف إلى تجنب الصدام بين سورية ومحيطها العالمي، فاليوم مع الأزمة العالمية لماذا لا يستمر التكيف؟! أليس المطلوب إعادة التفكير بطريقة التكيف مع المناخ العالمي المتغير، أم أن سورية ستبقى متجهةً نحو الانفتاح الاقتصادي بقوة العطالة الباقية؟! إن أحد الإنجازات التي تسجل للاقتصاد السوري هو محافظته على التعددية بالمعنى الاقتصادي بين القطاع العام والخاص والمشترك، مع كل التحفظات على التفسيرات، ولكن ألا يتطلب الحفاظ على التعددية الحفاظ على التناسب بالتمثيل بين المصالح المتعلقة بكل نمط قطاعي، لأنه عندما يسود نمط على الأنماط الأخرى، فإن ذلك يعني موضوعياً وضع أساس نسف للتعددية نفسها؟ بمعنى آخر إن المصالح الموجودة في المجتمع، هل المطلوب من الدولة أن تصورها فوتوغرافياً أي أن تعكسها أوتوماتيكياً، أم أن المطلوب منها إعادة رسم خريطة المصالح بحيث تعكس كل مصلحة الحجم الحقيقي لمن يمثلها؟! ألا يمكن اليوم ملاحظة وجود خلل في تفسير المصالح الموجودة واقعياً؟! وهل تمثل حصة رجال الأعمال من الحلوى السورية حجمهم الاجتماعي؟!.

ثم هل يمكن ترك المصالح تتكون نفسها دون أن تتدخل القوى الفاعلة بالمجتمع لتحديد خريطة المصالح؟ وما هي المؤشرات والإحداثيات لصياغة خريطة المصالح بما ينسجم مع واقع المجتمع وفئاته وحجمها؟!

د. عابد فضلية: سأكون موضوعياً فيما يتعلق بالحصة، فمن المؤكد أن أصحاب رأس المال يحصلون خلال السنوات الأخيرة على حصة أكبر نسبياً مما يحصل عليه الآخرون، وهذا ما ذكره السيد الرئيس في خطاب القسم عام 2007.

ــ هل يحصلون على حصة أكبر من الآخرين فقط، أم أنهم يحصلون على حصة أكبر من حصتهم المستحقة لهم؟!

د. عابد فضلية: بالنهاية إنهم يأخذون أكبر من الحصة التي يجب أن يأخذوها، وقال الرئيس في خطاب القسم ما معناه أن هناك نمواً، وأنا شخصياً أؤكد كل ما نشر حول أرقام النمو في سورية، وربما يكون أكثر مما أعلن، إلا أن السؤال هو من حصل على ثمرة هذا النمو؟ إن المواطن لم يحس بانعكاس هذا النمو على معيشته. السيد الرئيس أكد ذلك، وأكد أيضاً أن سورية في مرحلة انتقالية، متسائلاً عن الإجراءات والآليات اللازمة لتوزيع النمو بشكل أكثر عدالةً لكي لا تذهب فقط إلى شرائح قليلة، وتحدث مطولاً عن الإصلاح الإداري، وطالب جميع الجهات ذات الصلة بالقيام بما يلزم لإجراء الإصلاح الإداري لأنه يعلم- وجميعنا مقتنعون بذلك- أن الإصلاح الإداري هو بوابة الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي في سورية.

وفي مسألة التكيف، إن حزب البعث العربي الاشتراكي هو عربي واشتراكي، ولذلك أراد أن يُدخل خلال هذه المرحلة إلى اقتصاد السوق إضافة اجتماعية، وأراد ألاّ يكون اقتصاد السوق هذا وحشياً، وسعى إلى تدجينه وفق مبدأ تحقيق الاستراتيجية السليمة، ولكن تنفيذ هذا المبدأ طبعاً يتطلب عملاً كثيراً، والجهاز الحكومي يحاول منذ سنوات طويلة أن يولف بين الفكر السياسي الاشتراكي والاجتماعي والاقتصادي، وما بين متطلبات الانفتاح العالمي والعولمة والاندماج في الاقتصاد العالمي والمؤسسات الدولية وصندوق النقد والبنك الدوليين الليبرالية والاتحاد الأوروبي والدخول إلى منظمة الغات.. الجهاز الحكومي يسعى إلى إيجاد توليفة ما بين الضرورات العالمية والضغوطات الخارجية، وبين عدم الخروج عن السياق الاشتراكي، ولذلك تم وضع الخطط والاستراتيجيات حسب ما رآه هذا الجهاز مناسباً، وقد نجح ذلك أحياناً وتعثر ولم ينجح أحياناً أخرى، وهذا ما نعيشه اليوم.

ربيع نصر: إن الحل المطلوب هو حل استثنائي، فكل تجارب الدول الناجحة حول العالم لم تكن تجارب مكررة، بل كانت تجارب إبداعية جديدة، فإذا أرادت سورية أن تطبق نماذج منسجمةً مع فكر العدالة وتحقق بذلك تميزاً في التجربة الاقتصادية ضمن منطقة تضم معظم بلدانها تجارب اقتصادية فاشلة، فإنها بحاجة إلى إبداع فكرة جديدة، ولا يمكن ترك الموضوع للحكومة لأنه بحاجة إلى عمق فكري وتفاعل لإيجاد فكرة جديدة، ويجب ألاّ يكون التوليف حسابياً بل هندسياً، أي يجب أن يكون هناك تجمع للأفكار ليتم توظيفها بإطلاق فكرة إبداعية جديدة، وإذا ما بقيت الحال على ما هي عليه فستكون النتيجة أن نصبح كمصر!.

د. نبيل مرزوق: لماذا لا تكون لسورية استراتيجيتها ورؤيتها التنموية الخاصة بحيث تتعامل مع المعطيات الإقليمية المحيطة وفق مصالحها؟! فليس المطلوب لمستقبل سورية الاستمرار بالعمل وفق مبدأ رد الفعل.. ثم من قال إن إقامة توليفة بين منهجين فكريين متناقضين هو الحل؟

آخر تعديل على الأربعاء, 27 تموز/يوليو 2016 23:13