رفع الدعم.. المواطن يدفع فواتير الفساد!!
منذ أن تمَّ إقرار اقتصاد السوق «الاجتماعي» ليبرالياً، والحقوق المكتسبة للشعب السوري تتآكل في غياب الغطاء الاجتماعي الملائم لحماية السواد الأعظم. وتم في هذا السياق رفع الدعم، لأنه حسب رأي الحكومة سيوفر على الخزينة مليارات الليرات السورية سنوياً، خاصة وأن الموازنة لا تستطيع تحمل تلك المبالغ الكبيرة. ولكن هذه الحجج تنهار أمام حقائق عديدة، وتحديداً في القطاع النفطي.
الحقيقة الأولى هي الاعتداءات على خطوط النفط التي باتت من الأمور والقضايا الأكثر تداولاً بين الناس، دون أن تكون هناك وسائل رادعة، وقد شهدت الأشهر الماضية أكثر من 20 اعتداءً، وقد بدأت هذه الاعتداءات منذ سنوات.
هنا نسأل: ما هي هوية الذين يسرقون النفط في وضح النهار وفي عتمة الليل، المنظمين في عصابات مسلحة قادرة على ثقب الأنابيب وتعبئة مستودعاتهم بالمسروقات المحمولة بسيارات كبيرة؟
رئيس نقابة عمال النفط في دمشق لدية وثائق عن هذه الاعتداءات، وتحدث عشرات المرات في المؤتمرات ورفع مذكرات عديدة، ولكن دون جدوى. فما هو دور شركة المحروقات في الكشف عن الاعتداءات؟ هل يقتصر على تصليح الأنابيب والادعاء على مجهول؟! وهل يعلم وزير النفط السوري حجم مليارات الليرات السورية التي تهدر وتصب في جيوب مافيا الليل والنهار؟! هل يعلم وزير المالية أن الأموال التي تُهدَر من سرقة النفط هي أكثر مما يقدم من دعم لمحروقات المواطنين؟!
الحقيقة الثانية هي أن الاقتصاديين يُقدّرون أن حجم الأموال المنهوبة من الاقتصاد السوري تعادل 200 مليار ل.س سنوياً ناتجة عن عمليات فساد، وهذا الرقم يعادل ما بين 45% إلى 50% من موازنة الدولة، يضاف إلى ذلك التهرب الضريبي من قبل القطاع الخاص، وحجمه سنوياً 200 مليار ل.س. ويتمثل الفساد في إخفاء بيانات الاستيراد والتصدير والعقود والمناقصات، وفي الشركات الإنشائية. سألت مدير إحدى الشركات: «لماذا لا ينفذ بعض المدراء خططهم الاستثمارية؟» فقال: «إن المدير الذي لا ينفذ الخطة الاستثمارية يجب أن يكافأ، لأن الأموال تُنهب وتُسرق من خلال الخطط الاستثمارية، وبسبب ذلك نلاحظ ارتفاع كلف المشاريع الحكومية بشكل عام».
مديرو الشركات الإنشائية كافة، منذ أكثر من 20 عاماً، وبمذكرات خطية إلى الجهات الوصائية، يطالبون بالسماح للشركات الإنشائية بالتعاقد بالتراضي، دون مزاحمة القطاع الخاص. وصدرت تعليمات من رئاسة الوزراء بمنح الشركات الإنشائية 30% من مشاريع الجهات الحكومية، وأخذت الشركات الإنشائية هذه المشاريع، ولكن عادت وقدمتها للقطاع الخاص على طبق من ذهب، بل وقدمت له الآليات وكافة التسهيلات الأخرى. وعندما نسأل مديراً: «لماذا أقدمت على ذلك وأنت تشكو من قلة جبهات العمل؟!» يقول فوراً: «إن هناك أعمالاً هامة لا نستطيع القيام بها». وهذه مغالطة لأن الشركات الإنشائية تضم كوادر هامة من مختلف المهن. ولكن تُقدَّم الأعمال للقطاع الخاص بسبب فساد وتلوث ضمير، لقاء نسب تتراوح عادة بين 20% إلى 30% تعود لجيوب الفاسدين.
فالفساد الكبير لا يقف عند حدود رشوة تقدمها لموظف لكي ينهي معاملتك، أو رفع سعر مواد معينة، أو دفع مبلغ لمن يوظف ابنك، طبعاً هذه كلها أوجه فساد وهي سلسلة تتصل ببعضها البعض. إلا أن الفساد الأخطر يتمثل في العقود والمناقصات وتزوير الفواتير وفي الالتفاف على القوانين في استيراد تكنولوجيا متخلفة وقبض عملات وسمسرات، وأمام هذا الهدر والفساد واستنزاف الثروة الوطنية والمال العام، تقف الحكومة عاجزة عن التصدي له، واتخاذ إجراءات رادعة وإيجاد الحلول، وتتجه إلى أضعف الحلقات، وهو المواطن، لسد عجز الموازنة من خلال رفع الدعم.