الإقرار وحدَهُ غير كاف لجعل القطاع العام قطاعا رائداً
في آخر تصريح للنائب الاقتصادي أقر فيه أن «القطاع العام الصناعي هو القطاع الرائد في الخطة الخمسية الحادية عشرة، وأن الحكومة ملتزمة ما أمكن بتقديم كل التسهيلات والخدمات وإزالة كل العوائق التي تعيق نمو هذا القطاع أو تحد من زيادة قدرته التنافسية».. وعلى الرغم من أن هذا الانعطاف المفاجئ بموقف النائب الاقتصادي جاء مخالفا لتوجهاته السابقة, فإننا لسنا بصدد نقاش هل هو انعطاف جدي أم لا, وإن كان كذلك فما هي أسبابه, وما الذي دعاه لاتخاذ هذا الموقف, بل إننا نود أن نشكره على هذا الموقف الشجاع ونقول: نعم لا يكفي الإقرار بأن يكون القطاع العام هو القطاع الرائد في الخطة الخمسية الحادية عشرة, بل لابد من أن يترافق بإجراءات عملية حتى يتحول الإقرار إلى واقع ملموس, ولابد من التنويه إلى أن إصلاح القطاع العام يجب أن يكون شاملاً، وإن من المعالجات البناءة والشاملة التي يجب أن تبحث في أصل المشكلة وليس في فروعها المشتقة من الأصل هي ضرورة البحث عن نموذج بديل للتطور الاقتصادي, نموذج يؤمن أعلى نمو ممكن وأعمق عدالة اجتماعية, ويستطيع أن يغير نوعياً سمات الاقتصاد وفعاليته، وسمات توزيع الثروة في المجتمع وذلك نحو عدالة اجتماعية عميقة، وسمات الحركة السياسية نحو زيادة دورها وتأثيرها في المجتمع, ومما لاشك فيه في البداية أنه يقف أيضا على رأس هذه الإجراءات القيام بمحاربة جدية وحقيقية للفساد والنهب اللذين يطالان الدولة والمجتمع معا, فلم يعد من الممكن حل أية مهمة اقتصادية- اجتماعية منتصبة أمام البلاد دون الحد من الفساد والنهب واجتثاثهما وتحويل مواردهما نحو التنمية الشاملة.
إن الحفاظ على القطاع العام ودفعه للتطور ليكون فعلاً قاطرة النمو في البلاد، يستدعي أيضاً دعم الإنتاج الصناعي الوطني من خلال وضع الخطط للوصول إلى مضاعفة الإنتاج في حال صياغة النموذج الصحيح القادر على ذلك, الأمر الذي يتطلب رفع مستوى التراكم (التوظيفات الاستثمارية الجديدة) في القطاعات الإنتاجية الحقيقية إلى 30% من الدخل الوطني، وهذا يعني إعادة ضخ الدم في شرايينه, على أن يترافق بإنجاز مشاريع عملاقة تتطلب توظيفات عملاقة لا قبل لأحد بها إلا الدولة، الأمر الذي سيمكننا من حل مشكلة البطالة حلا جذرياً خلال فترة زمنية متوسطة من خمس إلى سبع سنوات، عبر استيعاب اليد العاملة في المشاريع الجديدة المدعوة إلى رفع مستوى نمو الاقتصاد الوطني. كما يجب السعي لرفع مستوى عائدية التوظيفات على مستوى الاقتصاد الوطني إلى 33% كحد أدنى، بينما لا تتجاوز نسبتها اليوم 15%, والعمل على تصنيع جميع المواد الأولية من باطن الأرض وفوقها محلياً باتجاه تخفيض تصدير المواد الخام والاتجاه نحو تصديرها نصف مصنعة أو مصنعة ما يزيد القيمة المضافة المحصلة بنسب عالية.ً.
إن تحقيق هذه المهمة يستدعي القيام بتحديث الآلات القديمة بأخرى جديدة، واستيراد التكنولوجيا الحديثة لتحقيق هذه الغاية, ولابد من الاستفادة من القدرات البشرية العلمية والعملية والخبيرة الهامة والكامنة فيه، على أن يجري أعادة هيكلتها, كما لابديل عن ضرورة إعادة النظر بمستوى الأجور ورفع حدها الأدنى بما يتماشى مع مستوى الأسعار بحيث تمكن هذه الأجور العاملين من تجديد قوة عملهم وتحقيق تحسن جدي في حالتهم المعيشية.
إن القيام بتنفيذ هذه المهمة تعني أننا أمام إصلاح جذري شامل يربط المهام الوطنية العامة بالمهام الاقتصادية-الاجتماعية وبالمهام الديمقراطية، وهذا يستدعي بالضرورة إصدار المراسيم التشريعية القاضية بإجراء هذه التعديلات ضمن الخطة الخمسية التي بُدئ بتنفيذها منذ بداية العام الحالي، و«أن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي أبداً».
■ ستيركوه ميقري