التراجع المطلق للثروة الحيوانية عقد من تراجع الدولة وعجز الأعلاف

الثروة الحيوانية في سورية:

بلغت قيمة الثروة الحيوانية في سورية 279 مليار في عام 2010، أي ما قيمته 38% من الإنتاج الزراعي، يعمل بها ما لا يقل عن 11% من اليد العاملة، بينما 35% من سكان الريف يربون الماشية.

 

 تشهد هذه الثروة بالحالة الطبيعية تزايداً في أعداد الحيوانات السنوية المطلقة، قد تختلف نسب الزيادة بين عام وآخر وتتذبذب كثيراً، إلا أنها لم تشهد تراجعاً في أعدادها وكميات منتجاتها، إلا خلال « الفترة الذهبية « أي خلال الخطة الخمسية العاشرة، بين عامي 2006 – 2010.

أرقام التراجع:

أعداد الأبقار بمقدار 100 ألف رأس، الأغنام بمقدار 6 مليون، إنتاج الحليب ومشتقاته :300  ألف طن.

البحث في أسباب الانخفاض في أعداد الثروة الحيوانية وإنتاجيتها خلال هذه الفترة يبدأ من أسباب مباشرة اتسمت بها هذه المرحلة وكان لها تأثير كبير على القطاع الزراعي عموماً وعلى الثروة الحيوانية كجزء منه، يرتبط بشق الإنتاج النباتي من خلال الأعلاف وهي المدخل الأساسي في الإنتاج الحيواني، وعند البحث عن اسباب تراجع العدد المطلق للثروة الحيوانية، أي تراجع عدد رؤوس الماشية ومنتجاتها، لا بد من العودة إلى الأعلاف وأزمتها باعتبارها مصدر الأمن الغذائي الحيواني.

الأعلاف عجز قديم يضاعف العوامل المباشرة: لم تشر التقارير والتصريحات الحكومية إلى التراجع الكبير في أعداد الثروة الحيوانية خلال الأعوام المذكورة، ولم تر فيه تهديداً للأمن الغذائي السوري، واكتفت التصريحات بإعادة التراجع الزراعي العام إلى العوامل المباشرة: جفاف عام 2007 – 2008  ويضاف إليه ارتفاع أسعار الحبوب العالمية خلال الفترة نفسها.

لكلا العاملين الأثر المباشر على الأعلاف تأمينها أولاً وبأي أسعار ثانياً، ولكن الازمة العلفية تعود إلى تاريخ أسبق.

أشارت الدراسات الزراعية حول الثروة الحيوانية في سورية منذ عام 2000 إلى عجز في المواد العلفية، حيث قدر توفر 8.9 طن من العلف سنوياً مقابل الاحتياج البالغ حينها 10 مليون طن. الدراسة توقعت ازدياد العجز في المواد العلفية بشكل كبير في المستقبل، وتحديداً بين الإنتاج المحلي واحتياج قطاع الثروة الحيوانية، وكانت التقديرات تقول:

 « إن المحافظة على قطيع الأغنام بعدده الحالي (في عام 2000) : 15 مليون رأس وافتراض زيادته بمعدل النمو السابق فقط، سوف يؤدي إلى زيادة الاحتياج في عام 2010 إلى أكثر من الإنتاج المحلي بنسبة 24 %.»

إذاً أزمة الأعلاف في سورية تسبق أزمة ارتفاع أسعار الحبوب العالمية أو أزمات الجفاف، ومع ارتفاع أسعار الحبوب وأزمة الجفاف فلا بد أن الفجوة في الأعلاف اتسعت وذلك ليس نتيجة نمو الثروة الحيوانية وإنما بنتيجة عدم القيام بأي خطوة نوعية لتدارك الأزمة التي أشارت إليها الدراسات المحلية منذ عام 1998.

ذكرت دراسة عام 2000 إلى أنه على الرغم من أن المراعي الطبيعية ومخلفات المحاصيل توفر قسماً كبيراً من احتياجات قطيع الأغنام والماعز,  فإن تكاليف شراء الأعلاف التكميلية تصل إلى أكثر من 50% من إجمالي تكاليف الإنتاج النقدية. وهي تشكل 75% من تكلفة إنتاج الحليب و 90% من تكلفة تسمين العجول،  وذلك قبل ارتفاع الأسعار العالمية، وكل ذلك كان يعطي إنذارات خطيرة إلى تفاقم أزمة الأعلاف في المستقبل بالشكل الذي قد يهدد نمو الثروة الحيوانية، إذا لم يتم تدارك الأمر وهو ما حصل:عدم التدارك أدى إلى تراجع الثروة الحيوانية.

 

مصادر الأعلاف المحلية في تراجع:

شهدت الأعوام مابين 2000 – 2005 مؤشرات تنذر بتصاعد الفجوة العلفية، فالموارد المحلية كانت تتراجع مقابل نمو في الثروة الحيوانية خلال تلك المرحلة.

 

المراعي الطبيعية:

تشكل المراعي الطبيعية والبادية في مقدمتها مساحة 45% تقريباً من مساحة سورية، ودراسات عديدة كانت تؤكد أن الرعي الجائر غير المدروس كان في طريقه إلى التأثير على حجم المراعي الطبيعية في البادية، يضاف  إلى ذلك تراجع الهطول المطري، وعمليات الاحتطاب.

 

المحاصيل العلفية:

عدا عن المراعي الطبيعية تشكل المحاصيل العلفية ومخلفات بعض المحاصيل الزراعية الأخرى مورداً محلياً هاماً، والاتجاه العام لهذه المحاصيل هو التراجع مقابل زيادة المستوردات وذلك منذ أواخر التسعينيات.

البداية من العلف الأخضر: العلف الأخضر مجموعة من المحاصيل العلفية التي تعتبر من أكثر الأعلاف تنوعاً من حيث المكونات والعناصر، أنواعها الأساسية الشعير الرعوي، البرسيم، الفصة الرعوية، والذرة الرعوية وأنواع عديدة أخرى.

تراجعت المساحات المزروعة من هذه المحاصيل بمقدار 10 آلاف هكتار بين عامي 1997 – 2005 : وتراجع الإنتاج بمقدار 170 ألف طن.

في الوقت الذي كانت فيه أعداد الحيوانات والماشية لاتزال بازدياد. أي أن فجوة الأعلاف في سورية موضوعياً كانت تبدأ من هذا المؤشر الهام جداً لتراجع المساحات والإنتاج من العلف الأخضر التي لها ميزات عديدة حيث تعتبر مقاومة للجفاف بأغلب أنواعها،إنتاجها مرتفع، تعطي علفاً بنوعية ممتازة وغنياً بالبروتينات والأملاح المعدنية، تدخل في تصنيع الأعلاف المركزة، تحسن خواص التربة وخصوبتها، وتحسن النظام المائي للتربة، يستخدم الفائض منها في إنتاج الدريس أو تصنع بشكل سيلاج في حفر ضمن المزارع أو بشكل تجاري ضمن عبوات قابلة للنقل والتداول.

تراجعت مساحاتها بشكل كبير بالمقابل لم تقم الحكومات السابقة بزيادة إنتاج الدولة من هذه المحاصيل، أو بالدفع والتوجيه نحو إيقاف التراجع الكبير في إنتاجها.

 

المحاصيل العلفية بين 2006 – 2010:

بقيت كافة عوامل التأزيم تفعل فعلها وفي مقدمتها استمرار تراجع إنتاج المحاصيل العلفية الرئيسية، أي إنخفاض مستوى الأمن الغذائي للثروة الحيوانية، أما النقص الذي كان يسد عن طريق الاستيراد فلم يعد طارئاً أو مجرد ميل، وإنما أصبح طريقة ثابتة وأصبحت الأعلاف تشكل جزءاً هاماً من المستوردات السورية، والتي يقوم القطاع الخاص بشكل أساسي باستيرادها، وتصنيع الجزء الأعظم منها ( في عام 2010 :الشعير : 211 ألف طن، الذرة 19 مليون طن، فول صويا 540 ألف طن وتستورد سورية كسب وبقايا صلبة ناتجة عن استخراج الزيت من فول الصويا 475 ألف طن وغيرها..). تراجع المحاصيل وزيادة الاستيراد كان يترافق مع تراجع في حصة الدولة ودورها في التأير على سوق الأعلاف الذي كانت تمارسه عن طريق المؤسسة العامة للأعلاف.

تراجع إنتاج المحاصيل العلفية الأساسية

بين 2006- 2010

المحصول

الذرة الصفراء الرعوية

البيقية الرعوية

الفصة الرعوية

المحاصيل الرعوية الأخرى

2006

153 ألف طن

86 ألف طن

82 ألف طن

27 ألف طن

2010

55 ألف طن

46 ألف طن

66 ألف طن

32 ألف طن

• الشعير الرعوي: ازداد إنتاج الشعير بين عامي 2006 – 2010 بمقدار 11 ألف طن، اي بمعدل 1% فقط.

المؤسسة العامة للأعلاف :

تقوم الدولة بدور في مجال تأمين الأعلاف عن طريق المؤسسة العامة للأعلاف التي تأسست منذ عام 1974، وتعتبر مسؤولة عن توزيع الأعلاف على الماشية.

آلية العمل: تقوم المؤسسة بشراء المواد العلفية من المزارعين ومن جهات القطاع العام المختلفة (من الشركة العامة للمطاحن، شركات الزيوت، المؤسسة العامة لتجارة وتصنيع الحبوب... ) وتوزع على مراكز توزيع، حيث لاتحاد الفلاحين الدور الأساسي في عملية التوزيع.لدى المؤسسة مصانع لتصنيع الأعلاف وخلطها، وكانت تعتبر المشتري الأساسي للمحاصيل العلفية من المزارعين وبأسعار مدعومة، وكذلك المزود الرئيسي لمربي الماشية بالأعلاف..

تراجع هذا الدور ليصل إلى ما نسبته 12% من السوق بعد أن كانت تدير مانسبته 100% من سوق بعض المحاصيل.

 

تغيرات أساسية في عمل المؤسسة :

التغير في الوزن النوعي للمؤسسة كمؤثر في السوق السورية نجم عن تراجع تدريجي لشراء المحاصيل، سابقاً كان توزيع الأعلاف منوطاً بالمؤسسسة العامة للأعلاف حيث كانت التعاونيات الفلاحية تحصل على العلف من المؤسسة وتوزعه على أعضائها بكميات شهرية مخصصة، لكل رأس غنم حوالي 20 كغ من الأعلاف المركبة، يشكل الشعير 25 – 30% منها. أما في أوقات الجفاف الشديد فتقدم التعاونيات كميات أكبر تصل إلى ضعف الكمية التي توزع في الاوقات العادية.

الشعير كان المحصول الضامن لتحكم المؤسسة بدور كبير في السوق السورية حيث أن المحصول المصنف بين المحاصيل الاستراتيجية كان يسوق بكامله إلى المؤسسة أي تضمن المؤسسة شراء كامل المحصول مقابل التزام الفلاحين بالتسليم للمؤسسة، لاحقاً في عام 1999 حررت تجارة الشعير حيث أزيلت العوائق على الواردات والضريبة المفروضة على الشعير، وكذلك فك التزام المزارعين ببيع محصول الشعير إلى المؤسسة، ونتج عن ذلك تراجع كبير في حصة المؤسسة من تجارة الأعلاف وتوزيعها، واعتباراً من العام ذاته أصبحت سورية مستوردة للشعير من فرنسا بداية ولاحقاً من دول أخرى كأوكرانيا وتركيا.

أما السبب الآخر لتراجع دور المؤسسة فيعود إلى ضعف المرونة في عملية التسعير، فبعد تحرير سوق المحصول الرعوي الأساسي وهو الشعير، أصبح للسعر العالمي دور كبير في تغيرات سوق الأعلاف السورية وتغير حجم اللاعبين فيها، فالدولة ومؤسساتها المختصة لم تستطع أن تواكب السعر العالمي المتزايد وكانت أسعار شرائها للمحاصيل العلفية أقل من أسعار شراء التجار المحليين، حيث يرتفع سعر الشراء لديهم من السوق المحلية عندما يرتفع السعر العالمي،  ويصبح الشراء المحلي أربح من عملية الاستيراد، وتحولت الدولة خلال فترة قصيرة إلى المشتري الأخير للمحاصيل الرعوية.

 تراجع دور الدولة يحمل نتائج سلبية وتحديداً في وقت الأزمات حيث تفقد الدولة قدرتها على تأمين مستلزمات استمرار الإنتاج،  فتراجعت قدرة مؤسسة الأعلاف على الاحتفاظ بمخزون علفي وتراجع حصتها من توزيع الأعلاف وبيعها، على الرغم من أن أسعارها أقل من أسعار العلف في السوق. وهذا ما ترجمه الواقع تراجعاً في الثروة الحيوانية من حيث أعداد الحيوانات ومن حيث منتجاتها، حيث لم تستطع الدولة ومؤسساتها المختصة أن تخفف من أثر ارتفاع العالمي لأسعار الحبوب ومن أثر الجفاف، ولم تستطع بحجمها المتراجع في السوق أن تخطط او تحفز أو تساهم بأي أثر يؤدي إلى تجنب العجز في الأعلاف الواضح منذ أواخر التسعينيات.