الثروة الحيوانية في سورية أزمة تتكرر

أزمة الأعلاف في سورية ليست جديدة، ولكن ربما سنسجل لاحقاً بأن النموذج الاقتصادي السوري السابق كان «مُجدداً» في «الإهمال الممنهج « والقدرة على تجاهل وإخفاء النتائج الكارثية. لم تتدارك الدولة نقص الأعلاف المنتجة محلياً عن حاجة السوق أو ما يسمى بالفجوة العلفية الملاحظة منذ عام 2000، واستمر تراجع إنتاج المحاصيل العلفية بين 2000- 2005 ، واستمر تراجع قدرة الدولة على سد الفجوات في حالات الطوارئ، بنتيجة تراجع حصتها من عملية شراء وإنتاج وتوزيع الأعلاف. كل ذلك شكل الأرضية الأساسية لمضاعفة تأثير عوامل موضوعية مؤثرة على تأمين الاعلاف، مثل ارتفاع أسعار الحبوب العالمية خلال الفترة ما بين نهاية 2007 – وعام 2008، وأزمة الجفاف في الأعوام نفسها، وهو ما أدى إلى نتائج خطيرة كتراجع الثروة الحيوانية في سورية بشكل مطلق من حيث أعداد الحيوانات ومن حيث إنتاجها.

كل العوامل السابقة المؤدية إلى كارثة تراجع أعداد الثروة الحيوانية في سورية خلال خمس سنوات بين 2006 و2010، تتكرر اليوم وبتأثيرات مضاعفة.

البداية من المحاصيل العلفية تشير الأرقام الأخيرة المتوفرة في عام 2010 إلى استمرار تراجع إنتاج المحاصيل العلفية الرئيسية في سورية، أي أن الإنتاج المحلي للعلف في تراجع.

أما من جانب الاستيراد فهناك محوران يؤديان إلى تصاعد الخطر أولهما ضعف عمليات الاستيراد من القطاع الخاص وهو المورد الرئيسي، نتيجة الظرف الحالي للأزمة.

أما المحور الثاني فهو عودة الأسعار العالمية للحبوب للارتفاع وبشكل كبير حيث أن أسعار القمح العالمي كمؤشر في شهر تشرين الأول 2012 بلغت في ارتفاعها مستوى أسعار الفترة ما بين نهاية عام 2007 وبداية 2008 التي شهدت أعلى أسعار للقمح والحبوب عالمياً. وتشير تقديرات أن هذا الاتجاه نحو الارتفاع هو اتجاه عام لكافة الحبوب ولفترة طويلة.

أما جهاز الدولة ومؤسساتها، فحتى الآن في عام 2012 استطاعت المؤسسة العامة للأعلاف أن تزود مربي الماشية بكمية وصلت إلى مليون طن فقط، مقابل احتياجات الاعلاف الكلية التي تذبذبت خلال الأعوام السابقة بين 10– 12 مليون طن، أي أمنت المؤسسة ما نسبته 10% - 8%، بينما تشير تصريحات المؤسسة أنها تغطي 18 – 20% من الاحتياجات الكلية للعلف؟!

 واختلاف الأرقام له تفسيران أحدهما أن النسبة المعلنة من المؤسسة « مبالغة» ، والتفسير الآخر هو تراجع الاحتياجات الكلية للعلف، ما يعني تراجع في أعداد الثروة الحيوانية خلال عامي الأزمة الماضيين..إذاً المؤسسة أعلنت ما وزعته من أعلاف ولكنها لم تعلن التغير في الحاجة الكلية للأعلاف الذي يخبئ وراءه ربما تراجعاً كبيراً في الثروة الحيوانية أو في تربية الماشية في سورية.

بدأت النتائج بالظهور في قطاع الدواجن بشكل أساسي، فالقطاع أكثر عرضة للخطر نتيجة غياب دور الدولة عنه من حيث تأمين الأعلاف، والاعتماد الكلي على المستوردين والقطاع الخاص، ( هناك دور لا يذكر للمؤسسة العامة للدواجن)، ونتج عن تراجع استيراد الأعلاف أو احتكارها ارتفاع أسعارها بشكل كبير نتيجة زيادة تكاليفها، ما أدى إلى ارتفاع في أسعار الفروج وبيض المائدة، والأخطر هو الاتجاه العام للمداجن الصغيرة والمتوسطة نحو الإغلاق مع خطر النقص الجدي للمادة. وهذه النتائج تدفع إلى التحذير من المصير المشابه لباقي منتجات الثروة الحيوانية..