مؤسسات صناعية تحمي أساطين الفساد في شركات القطاع العام وتشارك في نهب المال العام

أجهزة عديدة في سورية تمارس دوراً رقابياً على شركات ومؤسسات القطاع العام، تتقصى المعلومات عن المؤسسات الإنتاجية وتحاول من خلال تقاريرها التي تعدها في ضوء ما وصل إليها من معلومات بغض النظر عن أهميتها أن تمارسدورها الرقابيولكن ليس على جودة الإنتاج أو الخسارة وأسبابها أو عن الهدر ومسبباته وإنما عن قضايا يومية تتعلق بقضايا هامشية صغيرة كمنح مكافأة لعامل أو منح حوافز أو غياب السيارة لمدة ربع ساعة زيادة عن الوقت المقرروقدانعكس هذا سلباً على قرارات الإدارة وعلى أداء العاملين (فعل ورد فعل إرضاء ومحسوبيات..) ويجري التحقيق أحياناً مع أشخاص لم يكونوا مسؤولين عما حدث، وبذلك تفتقد الغاية الرقابية دورها الأساسي، وهو منع الخطأ قبل وقوعهومحاسبة المسؤولين عنه مباشرة.

الأجهزة المسؤولة

المؤسسة الصناعية وهي وسيط بين الوزارة والشركة. - الجهاز المركزي للرقابة المالية - الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش.

الوزارة. - اللجنة الاقتصادية في القيادة. - التنظيم الحزبي. - التنظيم النقابي. - اللجنة الإدارية. - المجلس الإنتاجي. - الرقابة الداخلية في الشركة. - الأجهزة الأمنية.

بالإضافة إلى أجهزة أخرى كالشبيبة والمرآة العاملة وغيرها رغم وجود هذه الأجهزة، لم نجد تقريراً رقابياً تحدث عن محاسبة المواد والتكاليف، عن الهدر من الإدارات، عن العمولات والمحاصصة في الشركات الإنشائية مع القطاع الخاص.عن العقود في الشركات الصناعية والتي هي أساس الفساد الكبير والتي تتسبب في هدر المليارات عن الخلل القائم بين شركات القطاع العام والمؤسسات الصناعية النوعية والتسويقية في القطاع العام أيضاً.

لو أن جهة واحدة أخذت دورها بشكل كامل لتوقف الخلل وتوقف الهدر وتوقفت السمسرة وتوقف التحايل على القوانين والأنظمة.

 

مؤسسات ولكن!!

في العدد /576/ تناول مإبراهيم الأحمد المؤسسة الصناعية النوعية وهي المؤسسة العامة للجيولوجيا والثروة المعدنية والتي تتوسط هذه المؤسسة العلاقة بين وزارة النفط والشركة التابعة لها، الهدر، النهب، الخلل العام  وقد وضع الأحمدالنقاط على الحروف في موضوعهوقد حفزني ذلك على تناول المؤسسة العامة للصناعات الغذائية وهي الوسيط أيضاً بين وزارة الصناعة والشركات الغذائية في القطاع العام مع تجاهلي لدور بقية المؤسسات وهي جميعها مؤسسات عاجزة.

شركة تجفيف البصل والخضار في السلمية أنشئت عام 1970 ومنذ تأسيس هذه الشركة وهي تقدم إنتاجها من البصل المجفف إلى مؤسسة الصناعات لتسويقه إلى الدول الأوروبية، والمفارقة هنا أن سعر طن البصل المجفف كان يباع وخلالسنوات طويلة إلى شركة واحدة في ألمانيا وبسعر لا يزيد عن 800 مارك ألماني إلى أن وصلت الشركة إلى خسارة كبيرة.

قبل أكثر من 10 أعوام كان مدير عام شركة البصل في زيارة إلى مصر للإطلاع على واقع شركة تجفيف البصل في مصر وكانت مفاجأة عندما تحدث مدير الشركة المصرية قائلاً:

أنتم في سورية تبيعون إنتاجكم من البصل المجفف بسعر بخس رغم أن جودة إنتاجكم أفضل من إنتاجنا ولا نستطيع بيع إنتاجنا إلا بعد أن تبيعوا إنتاجكم في سورية.

واستفسر المدير السوري عن الأسعار وكان سعر الطن 2000 ـ 3000 ـ 3500 مارك وسأل المدير السوري:

هل تستطيع أن تبيع إنتاجنا بهذه الأسعار أجابه المدير المصري فوراً أستطيع ذلك.

 

هذه المؤسسات

اتصل مدير عام شركة تخفيف البصل بوزير الصناعة آنذاك وأخبره بما جرى، طلب منه الوزير الحضور إلى دمشق فورا لمراسلة المدير المصري وطلب عروض أسعار، وفعلاً تم ذلك وتم بيع كامل الإنتاج بسعر يتجاوز الـ 3500 ماركوبعد ذلك أعطى الوزير الصلاحية لمدير معمل البصل في سورية ببيع الإنتاج مباشرة من قبله دون أن تتدخل المؤسسة.

طبعاً لم يحاسب أحد في المؤسسة ولم تتم مساءلة الإدارة عن هذه السرقة العلنية التي تمت خلال سنوات طويلة كان من نتائجها إيقاع الشركة في عجز مالي واغتناء إداريين ليس لهم علاقة بواقع العمل والإنتاج إلا السمسرة على حساب القطاعالعام في الاستيراد والتصدير.

آنذاك سألت وزير الصناعةلماذا لا تتم محاسبة هؤلاء وغيرهم من أساطين الفساد؟ قاللا أستطيع محاسبة أحد وأعرف تماماً بأن الفساد يعشش في أكثر الإدارات.

 

مؤسسة أخرى

أشار المهندس إبراهيم الأحمد في قاسيون إلى شركة سلعاتا اللبنانية كيف تستورد من شركة فوسفات سورية 800 ألف طن سنوياً خام وتقوم بتصنيعه وبيعه إلى الشركة السورية بأرباح تفوق أرباح الشركة السورية، تستورد سورية من سلعاتا الكمية نفسها 800 ألف طن وأضيف فضائح أخرى سبق أن أشرنا إليها في قاسيون أيضاً.

تم الإنفاق بين مؤسسة الصناعات الكيمياوية وشركة الأسمدة من جهة وشركة «لاسكو اللبنانية» على توريد وتركيب وتشغيل معمل متكامل لإنتاج الزجاج المسطح بطريقة التعويم «فلوت» على أن تقوم شركة الأسمدة بتسليم «لاسكو» أسمدةنوع يوريا وسوبر فوسفات الثلاثي بقيمة إجمالية تقدر بـ 22.473 مليون يورو والمعادل نسبة 50% من قيمة التوريدات الخارجية ووفق محضر الاتفاق في المادة الثالثة يتم تسليم الأسمدة إلى شركة «لاسكو» بناءً على كتاب صادر عنالمصرف التجاري السوري ويتم الإنفاق بين شركة الأسمدة المسلحة و شركة «لاسكو»

 

إلى شركة الأسمدة.

دفعة نقدية بقيمة 150 مليون ل.س تسدد عند بدء تسليم شركة «لاسكو» أول دفعة أسمدةدفع نقدية لا تقل عن 700 مليون ل.س تسدد في بداية عام 2011.

أبطال هذه الصفقة المشبوهة كل من وزير صناعة سابق ومدير المؤسسة والمدير المالي في المؤسسة ومدير عام الزجاج ومدير شركة الأسمدةوألزمت شركة الأسمدة بتسديد مبلغ مليار وخمسمائة وعشرين مليون ل.س على شكل سماد إلىشركة لاسكو تسديداً لثمن نصف معمل زجاج دمشق هذه الأسمدة قدر سعرها للشركة الإنتاجية أقل من سعر المصرف الزراعي وأقل ايضاً من المبيع للقطاع الخاص والنتائج:

خسارة الشركة 600 مليون ل.س والمثير أيضاً أن خط الزجاج صيني لم يتم إنشاؤه حتى الآن.

 

الفساد الأكبر

أجبرت شركة الأسمدة على إقراض معمل زجاج دمشق مبلغ 800 مليون ل.س في بداية عام 2008 وحتى تاريخه لم يسدد هذا المبلغ.

وبين يدي العقد رقم 113 تاريخ 2008 بين الشركة العامة للأسمدة من جهة ومكتب الليث للتجارة والنقل في العراق يلتزم المكتب بتوريد مائة ألف طن من مادة الكبريت الخام بسعر 390 يورو للطن الواحد واتفق على المواصفات وقيمة العقدبالكامل /39/ مليون يورو وعقد آخر رقم 50 لعام 2009 بين شركة الأسمدة وشركة «شياركو» تلتزم الأخيرة بتوريد كمية 100 ألف طن متري من مادة الكبريت المحبب والقيمة الإجمالية للعقد 12.50 مليون يورو على أساس سعر الطن 125يورو.

 

وعقود أخرى عديدة

المثير هنا أنه تم رفض /22/ طناً من العقد الموقع من مكتب الليث لأنها مخالفة كلياً للمواصفات وتم رفع دعوى قضائية من جانب شركة الأسمدة إلا أن هذه الكمية وضعت في العراء مما أدى إلى تلوث نهر العاصي البحيرة والمياه الجوفية.

الأسعار أضعاف السعر العالمي والكبريت الذي استجر في العراء

والسؤالما هي حاجة الشركة إلى هذا الكبريت؟

المهم توقيع العقود والسمسرة لأن الكبريت في العراء.

بعض الجهات الرقابية قدمت تقاريرها ولكنها حفظت في الأدراج لقاء رشاوى وتهديدات ومازال النهب مستمراً، ومازالت المؤسسات الصناعية النوعية تمارس دورها،  في التستر على الفساد وفي نهب شركات القطاع العام ألا يدعو الواقع إلىدراسة واقع هذه الشركات وإعادة النظر في عملها؟