من يفتعل أزمة فقدان المازوت من محطات الوقود؟ من يقف خلف تفريغ القرارات من مضمونها الاجتماعي ويسلب المواطنين إنجازاتهم؟
لم يكد المواطنون السوريون يحسون ببعض الإنجاز والحصول على جزء من أهم المطالب الشعبية المحقة التي يطرحها الحراك الشعبي السوري، وهو تخفيض سعر المازوت، وحتى لو لم يكن ذلك كافياً وشافياً، حيث كان من المأمول أن ينخفض سعره من 20 ليرة سورية إلى 10 ليرات سورية لليتر الواحد، بعد أن ارتفع سعره في العام 2008 من 7 ليرات سورية إلى هذا الحد الفاحش الظالم دفعة واحدة، أقول لم يكد المواطنون السوريون يحسون بتحقيق هذا الإنجاز حتى فُقدِ المازوت من جميع محطات الوقود على مساحة سورية كاملة، وفي وقت واحد، وأصبحنا نرى منظر الطوابير الطويلة للسيارات المختلفة الأحجام والأنواع التي تصطف أمام محطات الوقود، بانتظار قدوم صهريج المازوت، وكثير من السيارات تبيت ليلتها أمام المحطة كي تستطيع الحصول على دور أو كمية من الوقود تكفيها لمتابعة عملها.
صدر نتيجةَ الحراك الشعبي المُطالب بالحرية والديمقراطية وتحسين الوضع الاقتصادي المعيشي للمواطنين، قرار تخفيض سعر المازوت، وبسرعة تحول ما كان يمكن أن يشكل مكسباً شعبيا هاماً إلى أرباح إضافية للمهربين وشركائهم ومسانديهم من المافيات والشبيحة، ومن ورائهم الفاسدين الكبار المتغلغلين في مفاصل الدولة وصولاً إلى أعلى المستويات، وهم الذين يشكلون الأرضية الخصبة لأزمة الحالية في سورية، وقاعدة للعدوان عليها من الداخل والخارج، وهمُ على الأغلب في مناصب عليا تمكنهم من صنع القرارات، فهل عدم توفير المازوت في محطات الوقود هو حل لعدم تهريبه للخارج كما يدعون؟! أم أن الكميات التي حرُمت منها محطات الوقود أضيفت إلى قوافل التهريب خارج حدود الوطن؟! أمهو تواطؤ وتورط، أو عدم نيةَّ، أو عدم قدرة على محاربة تهريب المازوت، فنمنع من تواجد هذه المادة في متناول المواطنين السوريين الذينهم بأشد الحاجة إليها لتسيير شؤون حياتهم ومعيشتهم اليومية؟! فنتصرف حسب المثل القائل:)جحا لايستطيع مواجهة حماته فيقوم لمراته(؟ أمأن هذا تصرف مقصود ومدروس لزيادة الأزمة فيسورية، وزيادة التوتر، وزيادة الشرخ بين الشعب الثائر المُطالِب بالإصلاحات، وبين سُلطةٍ تعده بالإصلاحات، فيكون هناك من يفرغ القرارات من مضمونها الإصلاحي، ويسلب المواطنين مكاسبهم قبل أن يحصلوا عليها؟!
تلاعب بالقرارات ولعب على الحبلين
صدر قرار تخفيض سعر المازوت من 20 إلى 15 ل.س، فاستبشر المواطنون خيراً، ولكن هناك شيئاً رسمياً قانونياً بقي مبهماً، ولم تعلنه الجهات الرسمية المختصة خوفاً من أن تستثير نقمة شرائح كبيرة من المواطنين السوريين الذين يعيشون على مردود وسائل النقل أو آليات الأشغال، وتشكل هذه مصدر رزقهم الوحيد، الذي يُمنَع أيٌّ كان من العبث به، إذ لم يخرج أحد من مسؤولي وزارة النفط، أو حتى من إدارة شركة توزيع المحروقات )سادكوب( ليوضح للمواطنين أن المازوت الذي انخفض سعر الليتر منه من 20 ل.س إلى 15 ل.س هو مازوت الحرق والتدفئة )الأبيض(، وليس مازوت الديزل )الأخضر( المخصص للآليات والمحركات، والذي بقي سعره الرسمي 22 ل.س للتر الواحد، وكثيرون من المواطنين لم يعرفوا هذه التفاصيل الهامة، ولم يتطرق أحد من مسؤولي وزارة النفط أو سادكوب إلى ذلك خوفاً أو تحاشياً لأمر ما، أو إبهاماً لقضية هامة، كما جرت عادة مسؤولينا الكبار، الذين اتصفت قراراتهم دائماً بالمماطلة والتعمية، وإبقاء جزء منها مبهماً لحين الحاجة.إذاً مازوت الديزل موجود ومتوفر في بعض المحطات المخصصة لتوزيعه، ولكنها بعيدة عن متناول الكثيرين وأماكن عملهم، ولكن سعر الليتر من هذه المادة هو 22 ل.س، فيهرب منه السائقون ويبحثون عن المازوت الذي وعدتهم الحكومة بتخفيض سعره، وهناك توفير بالنسبة لهم بمقدار 7 ل.س في كل لتر، فما العمل؟ وما هو موقف صاحب القرار لو كان هو نفسه مكان هؤلاء المتعيشين الذين تعدهم الحكومة بشيء ويواجهون على أرض الواقع شيئاً آخر؟! كثير من المواطنين تعطلت أشغالهم وأعمالهم، فآليات الأعمال الإنشائية أصبحت تعمل يوماً وتتوقف أكثر من ثلاثة أيام بانتظار ملء الخزان مرة أخرى، وكثير من وسائل النقل توقفت عن العمل وتتجول بين المحطات أملاً بالحصول على كمية من الوقود تسمح بمتابعة العمل، فتعطلت بذلك حركة النقل والسير بين المدن والمحافظات، وتضررت مصالح الكثيرين من المواطنين في مختلف المحافظات، الذين لم يعودوا يتمكنون من السفر في الوقت الذي يرغبون فيه لمتابعة شؤونهم الحياتية والعملية. وخفَّت حركة السير خاصة بين حمص وريفها الكبير الواسع، وبين حمص وطرطوس ودمشق، ونشأت أزمة نقل حقيقية.
مشاجرات واضطرابات (إضافية)
من طرطوس ننقل صورة تدعو إلى القلق وتوجس تفاقم المشاكل إذا استمرت ظاهرة انقطاع المازوت من محطات الوقود بهذا الشكل الذي يثير الاضطراب والخوف لدى المواطنين الذين تتوقف حياتهم ومعيشتهم على هذه المادة الأساسية، فأمام محطة مشتى الحلو للوقود نشبت يوم الثلاثاء 6/28 مشاجرة كبيرة بين المواطنين الذين يريدون الحصول على هذه المادة بأي شكل وبأي ثمن، ويتدافع المواطنون، ويتقاتلون، وقد تنشب مَظاهر مسلحة، الأمر الذي يزيد القلق والتوتر، ويتطلب جهوداً كبيرة وقوة غير عادية لفض المشاجرات وتأمين مصالح ومستلزمات المواطنين. ضمن هذا السياق شهدت التحركات الميدانية بعض الظواهر المبشرة بالخير، والتي نتمنى أن تكون حقيقةً وليس للإعلان فقط، وأن تستمر حتى القضاء التام على ظاهرة تهريب المازوت، فقد أُعلِن في وقت سابق عن إلقاء القبض على صهريجين محملين بالمازوت متجهين إلى الحدود لبيع محتوياتهما للمهربين، أحدهما في بلدة القصير في حمص، والثاني في منطقة تل كلخ. ولأسف فقد ظهرت في الآونة الأخيرة ظاهرة خطيرة، كانت خفية على مدى عقود، تدل على أن الكثير من أهالي المناطق الحدودية يعيشون على التهريب نظراً لإهمال الحكومات والسلطات لهم ولشؤون معيشتهم، وعدم تأمين فرص عمل لهم، بل تركتهم يتدبرون لقمة عيشهم بأساليبهم الخاصة، التي كان التهريب أساساً لها، وقد انتشرت مؤخراً ظاهرة استخدام النساء والأطفال في عمليات تهريب المازوت حيث يحمل الطفل أو المرأة بيدوناً من عشرة ليترات أو عشرين ليتراً حسب القدرة على الحمل والتوجه به إلى المناطق الحدودية لبيعه بأسعار عالية وأرباح يعتبرونها مصدر معيشتهم الوحيد. والمواطنون المتضررون حاقدون على من يهُربِّ المازوت، ومن يغطي عليه، ومن يسمح له، ومن يشاركه، ويقولون إن المهربين أكثر خطورة وإجراماً من المخربين والمسلحين الذين يريقون دماء الأبرياء، وهم يدمرون أمن الوطن واقتصاده، ويحرموننا من أساسيات حياتنا، ويهددون لقمة عيشنا ومصدر رزقنا. من جهة أخرى إن انقطاع المازوت وعدم توفره في المحطات أدى إلى أضرار كبيرة على الزراعة والصناعة إضافة إلى حركة النقل، فحياة المواطنين ومصدر رزقهم ومعيشتهم التي تعتمد على توفر هذه المادة، والتي غيابها أو فقدانها سببَّ حالة من الخوف والرعب لانتظار أزمات معيشية طويلة الأمد، باتت مهددة، وبدأت الأصوات ترتفع مطالبة بالحل لهذه الأزمة، حتى ولو كان سيئاً، ودفع ثمنه المواطنون، حتى أن بعض المواطنين بدؤوا يقولون: «يا أخي، ما هذا الحل؟ وما هذه الحكومة؟ قالوا إنهم رخصَّوا المازوت، ثم قطعوه من الكازيات! ما بدنا يحملونا منّية وقرارات فاضية من المحتوى الإصلاحي والاجتماعي، الأحسن يرفعوا سعر الليتر ل 30 ل.س، ولكن بشرط أن يتوفر بشكل كامل، يبدو أن هذه الحكومة ظالمة مثل سابقاتها، وتعرف كيف تمسكنا من يدنا التي تؤلمنا » هل هذا هو المقصود حقاً؟! هل المقصود من هذه الممارسات مفاقمة الأزمات وتشديد الخناق على المواطن، وتيئيسه وتوسيع الهوة والشروخ بينه وبين السلطة؟! هل المقصود هو إفراغ القرارات والقوانين التي تلبي مطالب الشعب من مضمونها الإصلاحي، وسلب المواطن ما يمكن أن يرجوه منها؟! في طرطوس أيضاً، وفي خطوة مهتمة لمعالجة أزمة فقدان المازوت من محطات الوقود، ومعرفة أسباب هذه الأزمة، ومناقشة السبل التي يمكن من خلالها إيجاد الحلول، طالب مجلس محافظة طرطوس من المحافظ استدعاء مدير فرع شركة توزيع المحروقات في المحافظة، لمساءلته عن ظاهرة انعدام توفر المازوت، وعن مخصصات المحافظة: كم هي وأين تذهب؟ فرفض استدعاءه، وماطل كثيراً، حتى أحس بعض أعضاء مجلس المحافظة أن هناك تهرباً أو حتى رفضاً لهذه المواجهة، وهذا يشكل علامة استفهام كبيرة، فلماذا هذا التجاهل لمطلب هام وأساسي لحاجة من الحاجات الملحة للمواطنين؟! ولماذا التهرب من هذه المواجهة؟! أم أن خلف الأكمة ما خلفها؟!
إلى الحكومة (الجديدة)
ليس بهذا الشكل تُعالَج قضايا المواطنين الملحة وتأمين احتياجاتهم الضرورية، وليس من أجل منع تهريب المازوت نمنع وجوده في المحطات التي تؤمن احتياجات المواطنين، فإذا لم نستطع ضرب الحمار هل نمزق البردعة؟ وإذا لم يكن هناك خطأ غير مقصود في المعالجة، وهذه هي النية الطيبة التي نحملها تجاه الحكومة، فإن هناك خطأ مقصوداً، وهذا هو الأسوأ، فلا يحق لأحد أن يُفرِغ القرارات والمراسيم التي يقُصدَ بها البدء بالإصلاح من مضامينها الإصلاحية، ولا أحد يحق له سلب المكاسب والمطالب المحقة للحراك الشعبي، حتى قبل البدء بحصاد الإصلاحات، فإن المطالب الشعبية خط أحمر، لا يجوز التلاعب بها أو الالتفاف عليها.