ارتفاع قادم لأسعار الاسمنت.. الحكومة (تصحح) نسبة الربح!

يتوقع البعض ارتفاع أسعار مبيع الحكومة  للاسمنت السوري في الفترة القادمة، وهو الذي كان قد ارتفع في الشهر الثاني من عام 2016 إلى 25 ألف ليرة للطن كسعر بيع للمستهلك.. وعندما سُئل وزير الصناعة عن الأمر، ردّ بمقارنة السعر السوري بالسعر الإقليمي، ونتائجه بتهريب الاسمنت، وغيرها من المقولات التي تسبق وترافق كل رفع للأسعار!

 

تبلغ نسبة ربح مبيع طن الاسمنت في سورية اليوم 3% بحسب وزارة الصناعة، وأي رفع للسعر هو تصحيح لنسبة الربح وزيادة لها، على اعتبار أن (الدعم.. تم تصحيحه) وأصبحت تكاليف الإنتاج محرّرة..

رفعت الحكومة الكلف الرئيسية على المنشآت الصناعية العامة العاملة خلال الحرب، ومن ضمنها الاسمنت من خلال سياسة رفع أسعار حوامل الطاقة، التي تشكل قرابة 60% من تكاليف الإنتاج، 16 ألف ليرة سورية تقريباً للطن، وكانت نتيجة تحويل قطاع الطاقة الحكومي إلى قطاع رابح غير مدعوم، ارتفاعاً كبيراً في الكلف الصناعية العامة، بالإضافة إلى رفع أسعار الكهرباء الصناعية بنسبة وسطية وصلت إلى 816%  زيادة في سعر مبيع الكيلو عن عام 2011.

بالمقابل خلال ست سنوات رفعت الحكومة سعر مبيع طن الاسمنت السوري من 6000 ليرة للطن، إلى 25 ألف ليرة، بمعدل زيادة 316%، ليصبح سعر 2016 أكثر من 4 أضعاف سعر 2011.

رفع إلى مستوى أسعار الجوار؟!

 

لم تتبين حتى الآن ما هي الزيادة المرتقبة، إلا أن وزير الصناعة كمال طعمة صرح بتاريخ 13-9 في رده على إحدى الصحف المحلية بأن: (سعر الإسمنت في سورية أقل من سعره في الدول المجاورة مما يؤدي إلى استغلال الفارق في السعر عن طريق تهريب الإسمنت السوري إلى لبنان) ووفق الوزير فإن الوزارة لأجل ذلك تعمل على (تصحيح سعر مادة الإسمنت في سورية).

حيث أشار طعمة إلى أن سعر طن الإسمنت في تركيا بحدود 55 ألف ل.س، وفي مصر 44.5 ألف ل.س، أما في لبنان بين 55-60 ألف ل.س للطن الواحد، بينما في سورية سعر الطن 25 ألف ل.س وهو السعر الذي تحقق منه نسبة ربح 3%، أي أن التكلفة قريبة من 24 ألف ليرة سورية..

وإذا ما أرادت الحكومة أن تنطلق من منع التهريب كسياسة للتسعير، فإن عليها أن ترفع سعر البيع في سورية بنسبة 100%، أي 25 ألف ليرة سورية إضافية لتلحق بأسعار لبنان الدنيا، وستصبح الأرباح في هذه الحالة تفوق 100%!

فأية سياسة سعرية هذه التي تنطلق من اللحاق بأسعار دول الجوار؟! عوضاً عن الاستفادة من فارق سعر التكلفة المنخفض في سورية، رغم كل ما مارسته الحكومة من تحرير لأسعار مستلزمات الإنتاج الرئيسية المتمثلة بالطاقة من فيول، وكهرباء!

وتبدو المفارقة واضحة في استخدام التهريب كذريعة، وبين كون الحكومة هي المسؤولة الرئيسية عن عمليات توزيع الاسمنت عبر مؤسساتها، والتي من الممكن بالتالي أن تجد آلية في تحديد كميات التوزيع والبيع تهدف إلى التخفيف من عمليات التهريب، التي لن تستمر في الآجال القريبة القادمة عندما ستحتاج السوق السورية إلى استيراد الاسمنت إذا لم ترتفع الطاقة الإنتاجية المحلية!.

أسعار الدول المجاورة 

 

أعلى بنسبة 48% فقط!

إن مقارنة الأسعار المعلنة بين الأسعار السورية والأسعار الإقليمية وفق وزير الصناعة تشير إلى أن السعر الوسطي إقليمياً أعلى من السعر السوري بنسبة 115%، ولكن بالعودة إلى الأسعار الوسطية للإسمنت في الدول المذكورة، من مصادر حكومية للبورصة المصرية، والتركية، وغرفة تجارة الأردن، ورد هذه الأسعار إلى الدولار، يتبين أن الفارق أقل من ذلك..

حيث وسطي سعر طن الإسمنت في مصر 75 دولار، وفي تركيا يبلغ الوسطي 105 دولار للطن الواحد، وفي الأردن يبلغ الوسطي 142 دولار للطن، ويبلغ سعر الطن في سورية  56 دولار للطن (على أساس سعر تمويل المستوردات من المصرف المركزي 442 ل.س/$)، وبالتالي الأسعار في الدول الذكورة تزيد عن الأسعار في سورية بمعدل وسطي  لا يتجاوز 48% فقط.

خسارة الاسمنت السوري 

في (الرخص والغلاء)

 

صناعة الإسمنت السوري تضررت من أسعار الدولار المجاورة في الحالات كافة، سواء عندما كانت أعلى من أسعار الإقليم قبل الأزمة، أو في الوضع الحالي عندما أصبحت أخفض من أسعار الإقليم بسبب تراجع قيمة الليرة، وتحديداً تراجع تكاليف الأجور إلى حد بعيد، لأن التكاليف الأخرى للطاقة الداخلة في صناعة الاسمنت، ارتفعت بنسب أعلى من تراجع قيمة الليرة، حيث بلغ سعر طن الإسمنت في سورية عام 2011: 120 دولار وفق سعر الصرف 50 ليرة، وكان الإسمنت المصري وغيره  يملأ الأسواق السورية وبأقل من سعر الإسمنت المحلي، وبقي الاستيراد مستمراً حتى عام 2013، وأدى ذلك إلى تكبد صناعة الإسمنت السورية خسائر كبيرة تحت شعار تحرير التجارة، اليوم سعر طن الإسمنت السوري 56 دولار، وأقل من السعر الإقليمي ولا زالت الصناعة السورية تتضرر من أسعار الدولار المجاورة.

0,3 $ لساعة العمل..

(أجر يحلم به كل مستثمر)

 

الحكومة السورية تبدو مصرة على رفع سعر طن الاسمنت، ونسبة أرباحه، ليواكب أسعار الدول المجاورة، (وإلا فأنه سيُهرّب) كما تبرر الحكومة. ورغم أنها فعلت ما بوسعها لرفع التكاليف على الصناعة العامة بتحرير أسعار الوقود والكهرباء المستخدمة في القطاع، إلا أن تراجع قيمة الليرة ومعها الأجور، يُبقي التكاليف منخفضة، ما يدفع الحكومة للسعي إلى رفع نسبة الربح، بذريعة منع التهريب!.

السياسة الليبرالية تقتضي تحرير الحكومة من كل إنفاق فائض، ومن أي قرار اقتصادي ذو بعد اجتماعي، لتصبح سياستها محكومة بمنطق السوق، لينتهي دعم مستلزمات الإنتاج الرئيسية، دون الأخذ بعين الاعتبار ضرورة تخفيض تكاليف منتج رئيسي في مرحلة إعادة الإعمار مثل الاسمنت! كما تقتضي الليبرالية الاقتصادية تقليص تكلفة سعر قوة عمل العامل السوري، وفق أجر وسطي لا يتجاوز 2,6 دولار باليوم كما هو الأجر الوسطي الحكومي اليوم، وهو يعادل 0,3 دولار لساعة العمل، وقد يكون هذا الأجر أخفض سعر عالمي، و(يحلم به كل مستثمر) كمقابل لقوة عمل مدربة ومتمرسة في قطاع اسمنت سوري يعود إلى عام 1933.

 

 

ضعف رؤية حكومي.. 

أم إشارات للمستثمرين؟!

 

السوق الرئيسية لصناعة الاسمنت السوري، هي السوق المحلية التي تراجع طلبها على الاسمنت بسبب ظروف الحرب وتعطل قطاع البناء، إلا أن هذا الاتجاه سينعكس في الآجال القريبة القادمة، وستصبح السوق السورية هي واحدة من أهم مواضع الطلب الإقليمي على الإسمنت، فلماذا لا تصبر الحكومة على سعر بيعها المنخفض إلى ذلك الحين؟! وحينها ستصبح المنافس الأعلى لصناعة الاسمنت الموجودة في الإقليم، وسترتفع نسب تنفيذ خطط المبيعات، وترتفع معها كتلة الأرباح، دون رفع نسبتها.. ترى هل الحكومة لا تملك أن ترى هذا الأفق الاستثماري للقطاع، والذي قد يحقق بالمحافظة على السعر المنخفض في المرحلة القادمة، إيرادات عالية للصناعة العامة، وتكاليف منخفضة لعملية إعادة الإعمار، أم أن هناك أسباب أخرى؟!

ينبغي التذكر بأن قطاع الإسمنت السوري، هو أول وأهم القطاعات الصناعية العامة التي طرقت التشاركية أبوابها، واقتحمته بمستثمر وحيد، رغم المخالفات الجمّة للعقود المرتكبة في اسمنت طرطوس من قبل شركة (فرعون)، والشركاء في قطاع كبير وواعد مثل سوق الاسمنت السورية القادمة، ومنشآت الاسمنت السورية العامة الكبرى، لن يكتفوا بنسبة 3% أرباح، بل سيسعون إلى توسيع هذه النسبة، بعد أن نجحوا بتحرير السعر من كل دعم حكومي مقدم سابقاً، وبتخفيض التكاليف بأجور السوريين المنخفضة، وبمماطلة الحكومة في تثبيت عماله الموسميين والمؤقتين، ما يدل على (تعديلات الأسعار) الحكومية، قد لا تكون سوى مسعى لتثبيت المستثمرين الموجودين، وإشارات لغيرهم، بأننا جاهزون (لإزالة الأسعار الحكومية) ورفع نسب الأرباح وفق مقتضيات السوق..

 

 

آخر تعديل على السبت, 26 آذار/مارس 2016 14:01