التجار ممتعضون  فهل يبادر أحدهم إلى الأسئلة الكبرى؟!
مرادجادلله مرادجادلله

التجار ممتعضون فهل يبادر أحدهم إلى الأسئلة الكبرى؟!

يبدو أن الأجواء غائمة بين التجار من جهة والحكومة السورية والمصر ف المركزي في الجهة المقابلة، حيث حملت الأيام القليلة الماضية تصريحات من التجار ناقدة للحكومة والمصرف المركزي ومتبرئة أمام الجمهور من التهم التي تكال إليهم حول دور التجار في رفع سعر الدولار.

أبرز تلك الأصوات كان حديث رئيس مجلس إدارة غرفة تجارة دمشق غسان القلاع الذي أكد وفق إحدى الصحف المحلية أن: (التجار ليسوا مسؤولين عن ارتفاع سعر صرف الدولار حيث إن السعر المتغير للصرف يهلك التجار). 

خيبة أمل!

 

وفي موضوع آخر ألمح القلاع بشيء من العتب على التجار، إلى مشكلة في طبيعة ما يتم استيراده إلى سورية من مواد حيث يتم استيراد مواد كمالية على حساب المواد الضرورية الغذائية وغيرها فقال القلاع وفق الصحيفة ذاتها: (على الرغم من أن الاجتماعات المتعددة مع الجمارك في الفترة الأخيرة قد أثمرت تخليص الحاويات في الميناء إلا أننا أصبنا بخيبة أمل حيث كنا نظن أن هذه الحاويات كانت تحتوي على المواد الغذائية والأساسية والأدوية وغيرها من المواد الضرورية إلا أنها كلها كانت عبارة عن شاشات وموبايلات وغسالات وميكروويف وغيرها من الأجهزة الكهربائية مدفوع ثمنها بالعملة الصعبة)..

آلية دفاع على حساب من؟!

 

تعكس هذه التصريحات شيئاً من مشاكل التجارة في الاقتصاد السوري في ظل الأزمة والحرب وسياسات الحكومة التي دهورت وضع الإنتاج الحقيقي في الصناعة والزراعة، فالبروباغندا الحكومية التي تبث لتلاقي المزاج الشعبي تلقي بالمسؤولية برفع الأسعار على التجار لتبرئ السياسات التي تنفذها، وأمام هذا الاتهام يعمد التجار للتبرؤ من هذه الدعاية التي يرون فيها محابات حكومية لأطراف محددة في العملية الاقتصادية، فبرأيهم أن المستفيد من هذه العملية هم قطاع الصرافة وتجارة العملة، بينما يضطر المستوردون للدفاع عن رساميلهم برفع أسعار البضائع في السوق السورية لمنع تكبد خسائر في رأسمالهم، وذلك وفق ما يرون!.

أليس ذلك تحريراً للتجارة؟!

 

تراشق الاتهامات والمسؤوليات بين الحكومة والتجار هو أمر يشوش الرؤية أمام المواطن، فالمؤكد حتى اللحظة أن سياسات الحكومة في المجال الاقتصادي عموماً صبت في مصلحة التجار بشكل كبير، وإن سلوك التجار القائم على سعيهم لحماية رساميلهم برفع الأسعار هو آلية جيدة لدفاعهم عن ذاتهم وحماية مصالحهم، لكنها آلية مرهقة للاقتصاد الوطني وللمواطن المكتوي برفع الأسعار، فإذا كان مستوردو السلع غير مسؤولين بشكل مباشر عن تغيرات سعر الصرف وفق إدعاء رئيس غرف تجارة دمشق، إلا أنهم مسؤولون عن رفع الأسعار بالسوق بشكل مباشر، ولا يُبرر سلوكهم باضطرارهم للدفاع عن ذاتهم، ولاشك أن كل ذلك نتيجة طبيعية لمقولتهم (التجارة قاطرة النمو) وسعيهم الدؤوب والمثمر لتحرير التجارة، واستفادتهم من تراجع الإنتاج المحلي والحصار لزيادة نشاطهم في مجال الاستيراد.

الأسئلة الكبرى..

 

إن تلميح غرفة التجارة عن مشكلة أولويات الاستيراد هو كلمة حق لاشك وإن كانت تعكس ربما صراعاً بين أقطاب التجارة في السلع المختلفة، لكنه يبرز سؤالاً أكبر هو: كيف تحدد السياسات الحكومية الأولويات التجارية في ظل الحصار والأزمة؟ وما مدى تأثير التجار في تحديد هذه الأولويات؟ إن السؤال الأكبر الذي ينبغي فتحه سواء في ظل الأزمة أم في ما بعدها هو ما هو الدور الضروري للتجارة في الاقتصاد السوري؟ كيف يمكن للتجارة أن تخدم الاقتصاد الكلي؟ 

هذه الأسئلة تحتاج إلى صياغة للسياسات الاقتصادية كلما لتكون مصلحة الاقتصاد الوطني والمواطن هي العليا فيتم برمجة باقي الجهات الاقتصادية لخدمة تلك المصلحة وحسب، أما التراشق الحالي في المسؤوليات فهو لا يعتبر إلا تبرؤاً شكلياً بينما تفرض المرحلة والأوضاع الصعبة على التجار وواضعي السياسات فتح الأسئلة تلك وصياغة إجابات تخفف آثار ارتفاع الأسعار على من بقي صامداً من السوريين أمام إرهاب الجوع.