شركات التأمين الخاصة.. موارد متراكمة محمية ليبرالياً!
بدأ منذ عام 2005 السماح للقطاع الخاص بالعمل في مجال التأمين وبموجب المرسوم رقم 43 للعام ذاته، وتم الترخيص لـ 12 شركة خاصة للعمل في السوق، بعد أن كان القطاع العام ينفرد بالعمل في هذا المجال.
حصلت شركات التأمين الخاصة، على حصة مضمونة وجاهزة من السوق، بمنحها جزءاً من عقود التأمين الإلزامي، كالصحي، والسيارات والحريق وغيرها. وأصبحت توزع وفق نسبة تحددها سنوياً هيئة الإشراف على التأمين حيث حُددت بمقدار 45% حصة للخاص من هذه العقود في عام 2014 على سبيل المثال، غالباً ما تتجاوزها شركات التامين الخاصة، وتأخذ حصة أكبر من السوق المضمونة، عوضاً عن تقديم خدمات جديدة، وترك الحصة المضمونة للمؤسسة العامة السورية للتأمين، التي من الممكن أن تساهم الأقساط التأمينية المتراكمة فيها، استثمارياً بسهولة أكبر من الموارد المالية المتراكمة في الشركات الخاصة، التي لا يمكن أن يفرض عليها أن تقوم بالاستثمار أو التوظيف الإنتاجي، حتى لو بقيت هذه الموارد تتراكم دون أن تحقق أية فائدة تذكر على مستوى الاقتصاد الوطني..
قاسيون تحلل البيانات المالية المنشورة لـ \6\ شركات تأمين خاصة مدرجة في سوق دمشق للأوراق المالية، لتتوضح مصادر إيرادات هذه الشركات، وطبيعة مساهمتها في النشاط الاقتصادي اليوم، حيث عدا عن دفع التعويضات لزبائنها المتضررين، فإنه ما من فائدة اقتصادية تُذكر لاستثمار الموارد المالية المتراكمة لدى شركات التأمين الخاصة.
إيرادات شركا التأمين
يلخص الجدول المرفق أدناه (جدول ١) أهم إيرادات شركات التأمين الخاصة خلال النصف الأول للعام 2015:
الإيرادات المحققة في شركات التأمين الخاصة المدرجة في سوق دمشق للأوراق المالية خلال النصف الأول من عام 2015 ناتجة بشكل أساسي:
أقساط التأمين.. الموارد المتراكمة
تتراكم هذه المبالغ من تجميع أموال السوريين كأقساط تأمين بمبلغ 1.08 مليار ل.س، حيث من المفترض أن يتم استثمار هذه الأموال في المشاريع والنشاطات التي بحاجة إلى التمويل، ولكن هذه الأموال يتم إيداعها في المصارف دون استثمار وتشكل 42% من إجمالي الإيرادات البالغة 2.56 مليار ل.س لتتحول إلى إيرادات وفوائد تصب في حساب أصحاب رؤوس الأموال وكبار المساهمين في هذه الشركات على حساب الاقتصاد والمواطن السوري.
ثلث الأرباح من انخفاض قيمة الليرة
في ظل تراجع نشاط وخدمات شركات التأمين الخاصة خلال سنوات الأزمة، وتجنباً لاحتمال التعرض للخسائر، فإن شركات التأمين تكدس مواردها بالقطع الأجنبي، وتحصل على إيرادات من ارتفاع سعر صرف العملات الأجنبية مقابل الليرة. هذا إذا لم تكن هذه الشركات تقوم بعمليات تحويل لأموال التأمين المودعة بالليرة السورية، إلى القطع الأجنبي، وهي العملية التي تعتبر مضاربة على قيمة الليرة.
فمن خلال قراءة البيانات النصفية لعام 2015 نجد أن المكاسب المحققة لهذه الشركات، الناتجة عن فروقات أسعار الصرف، تشكل قسماً كبيراً من إيرادات هذه الشركات، حيث بلغت المكاسب الناتجة عن تغيرات أسعار الصرف لـ6 شركات تأمين خاصة خلال النصف الأول لعام 2015 مبلغاً قدره 826 مليون ل.س وبنسبة تشكل أكثر من 33% من إجمالي الإيرادات!
أما وفق البيانات المنشورة، فإن أرباح تغيرات سعر الصرف المتراكمة خلال سنوات الأزمة تبلغ 2,3 مليار ل.س!.
وينبغي الإشارة إلى أن هذه الأرباح، لا تخضع لضريبة الدخل، حيث يعتبرها المصرف المركزي، أرباح غير محققة (غير ناتجة عن النشاط التشغيلي للشركات).
وعند احتساب ضريبة الدخل تقتطع من الأرباح الصافية البالغة 726 مليون ل.س، الأرباح الناتجة عن تغير القطع 826 مليون ل.س، لتظهر الشركات خاسرة، ولا تدفع ضرائب دخل.
350 مليون ل.س فوائد من المصارف
تستثمر شركات التأمين الأموال المودعة لديها في المصارف الخاصة، حيث تبلغ إيداعات شركات التأمين لدى المصارف 11.1 مليار ل.س، ومقابل هذا الإيداع حصلت شركات التأمين على فوائد بمبلغ 350 مليون ليرة سورة خلال الأشهر الست الأولى من عام 2015 وهي تشكل ما نسبته 13% من إجمالي الإيرادات.
2% من الإيرادات من النشاط التأميني!
أما العمولات التي تتقاضها الشركات عن نشاطها الرئيسي، فهي النسبة الأقل من الإيرادات، حيث تراجع نشاط وخدمات شركات التأمين خلال سنوات الأزمة، كنتيجة لاحتمال تعرضها للخسارة، ولأن القوانين والتشريعات تتيح لها مجالات أسهل وأسرع وأكثر ربحاً من العمل في مجال التأمين، لذلك تشكل العمولات التي تحصل عليها كثمن لخدماتها المقدمة حوالي 2% من إيرادات الشركات فقط.
المدفوع أقل من المقبوض بـ 600 مليون
أما إجمالي أقساط التأمين المسددة من قبل الزبائن المؤمنين على ممتلكاتهم او حياتهم أو غيرها، فقد بلغت 1.6 مليار ل.س خلال النصف الأول، وبالمقابل كانت التعويضات المسددة لهؤلاء الزبائن خلال الفترة نفسها حوالي مليار ل.س، كتعويض عن أضرار تحققت، ويشكل الفرق بين الأقساط المدفوعة من قبل العملاء والتعويضات المسددة من قبل شركات التأمين 600مليون ل.س، وهي تعتبر إيرادات لهذه الشركات يتم استخدامها لتحقيق أرباح عبر الإيداع في المصارف والحصول على فوائد، أو استبدالها بالقطع الأجنبي. راجع (جدول 2).
موجودات وأرباح 4 أعوام!
ارتفعت موجودات إجمالي شركات التأمين الخاصة بين عامي 2011 و2014 بنسبة 32% من 28.6 مليار ل.س عام 2011 إلى 38 مليار ل.س عام 2014 ، وارتفع صافي الأرباح المحققة من مليار ل.س عام 2011 إلى 1.639 مليار ل.س عام 2014 بنسبة زيادة أكثر من 63%..
التأمين والمصارف واحتكار الموارد
تظهر بيانات شركات التأمين، مستوى الترابط بين هذا القطاع المالي مع قطاع المصارف الخاصة، حيث يشترك القطاعان بعملية تكديس الموارد المالية الخاصة، على شكل ودائع أو أقساط تأمين، وبالمقابل تشتركان بإبعاد هذه الموارد عن التوظيف في تنشيط الاقتصاد الإنتاجي، الذي يئن نتيجة قلة الموارد. حيث تستثمر شركات التأمين أموالها في المصارف، التي بالمقابل تحصل على الجزء الأكبر من أرباحها من تغير سعر القطع، ومن المضاربة على قيمة الليرة.. إن أثر زيادة وزن القطاع الخاص في القطاعات المالية، يظهر خلال الأزمات، فعوضاً عن إمكانية الاستثمار الإنتاجي لهذه الموارد المتراكمة في المصارف وشركات التامين الخاصة، تبقى محصنة ومعزولة عن النشاط الاقتصادي، بل تتزايد من عمليات أشبه بالمضاربة، ولا تخضع بجزء كبير منها حتى لضريبة دخل الأرباح الحقيقية!. بينما سياسة التقشف الحكومية تتغول دون أن تتمكن من فرض ضريبة او استثمار على هذه الأموال المحمية بالقوانين الليبرالية!.