في احتفالية ذكرى تأسيسها الخمسين جمعية العلوم الاقتصادية: مراجعة نقدية شاملة لسياسات الحكومة

في احتفالية ذكرى تأسيسها الخمسين جمعية العلوم الاقتصادية: مراجعة نقدية شاملة لسياسات الحكومة

أقامت جمعية العلوم الاقتصادية السورية احتفالية بمناسبة الذكرى الخمسين على تأسيسها، وذلك يوم الخميس 10/9 في قاعة رضا سعيد في مبنى جامعة دمشق، وشملت الاحتفالية كلمة لرئيس الجمعية تحدث فيها عن تاريخ الجمعية ودورها في مناقشة القضايا الاقتصادية الهامة في الوقائع الاقتصادية المختلفة التي مر بها الاقتصاد السوري وحتى العالمي.

شملت الاحتفالية عرضاً لأربع ورقات بحثية اقتصادية تخللها نقاشات عديدة، جاءت أولاها بعنوان (السياسة النقدية والمالية في سورية تشخيص ومقترحات حلول) قدمها الدكتور دريد ضرغام، ثم قدم الأستاذ فؤاد اللحام ورقة عن (الصناعة السورية في ظل الأزمة الواقع ومتطلبات التعافي)، أما ثالثة الأوراق فجاءت تحت عنوان (واقع القطاع الزراعي خلال سنوات الأزمة والإجراءات الحكومية المتخذة) ألقاها الدكتور هيثم الأشقر، واختتمت الاحتفالية بالورقة الرابعة للدكتور منير الحمش عنوانها (مراجعة تحليلية للسياسات الاقتصادية الكلية وتصحيح المسار). 

ضرغام: من المستغرب الحديث عن إعادة الإعمار في وسط الحرب!

وحول الورقة الأولى تحدث الدكتور دريد ضرغام واصفاً السياسة المالية السورية بأنها (عبر العقود الماضية تميزت الموازنة السورية بحصيلة ضريبية متواضعة نسبياً)، وأضاف (تتسبب تركيبة الموازنة بوضع سورية تحت رحمة نتائج إنتاج الثروات المعدنية وأسعارها وتقلبات أداء القطاع العام)، كما رأت الورقة أن إحدى أهم عيوب السياسة الضريبة أن تقديرات الحكومة لها أعلى مما هو محصل ووفق توصيف الدكتور ضرغام فإنه (يؤخذ على السياسة الضريبية عموماً ميلها لتخفيض النفقات المقدرة مما يجعل الحصيلة المحققة أكبر من المتوقع فيبدو الأداء جيداً). وأخذ المحاضر على السياسة المالية الحكومية أنها (استسهلت عبر العقود الماضية الاقتراض من المصرف المركزي) كما انتقد ضرغام فكرة الحكومة بالحديث المستمر عن ارتفاع عجوازتها السنوية الذي تبرر من خلاله تخفيض نفقاتها طالما أن هذا الدين مؤجل السداد لـ 15 عاماً لاحقة. وتوقف الباحث عند مشكلة التهرب الضريبي التي خفضت إيرادات الموازنة في ظل الحرب.

وفي السياسة النقدية لاحظ د.ضرغام أن (معظم المصارف  العامة ستصبح القيمة الفعلية لرأس مال كل منها أقل بكثير من رأسمال أي مصرف خاص كونه يستفيد من ميزة الاحتفاظ بمركز قطع يحميه من تقلبات سعر الصرف). 

كما توقف الدكتور دريد عند مخاطر (الانخفاض الحاد في احتياطي القطع الأجنبي)، والتي عزاها لعوامل عدة أهمها وفقه: زيادة طيف المستوردات الممولة من الدولة قبل الأزمة، وقرارات بيع 10 آلاف دولار شهرياً لأي سوري، حيث رأى فيه (قراراً غير مبرر عام 2010 وتعديلاته كثيرة سنوياً وغير ناجحة)، بالإضافة إلى إلغاء تعهدات القطع (ثم إعادة العمل بها بعد فوات الأوان)، وتهريب الجزء الأكبر من الرساميل إلى الخارج.

وبالنسبة للحلول انتقد الدكتور ضرغام الأحاديث الكثيرة عن إعادة الإعمار حالياً، ورأى أنه: (من المستغرب الحديث عن إعادة الإعمار في وسط الحرب). وأردف قائلاً: (لنتذكر أن المصاعب الحقيقية تبدأ عند انتهاء الحروب وليس قبلها. وتبين تجارب الدول المجاورة أن انتهاء حروبها لم يؤد إلى الانتعاش الاقتصادي «العادل» الذي حلم به الجميع، لبنان والعراق أمثلة واضحة،  لذا لا بد من حلول مناسبة لطمأنة الأجيال الحالية والقادمة)...

فؤاد اللحام: ارتفاع سعر المازوت والدولار رفعا التكاليف

استعرضت الورقة الثانية التي قدمها الأستاذ فؤاد اللحام واقع الصناعة السورية في ظل الأزمة، ووفقاً للورقة فقد بلغ عدد المنشآت الخاصة المتضررة التي تم إحصاؤها في دمشق وريفها وحلب و حماة وحمص 1524 منشأة بقيمة إجمالية حوالي 250 مليارليرة سورية. 

كما توقفت الورقة عند نزيف رؤوس الأموال في سورية ونقلت عن تقرير صدر مؤخراً عن الأمم المتحدة أن (هروب رؤوس الأموال كان  أحد أسوأ الانعكاسات الاقتصادية للحرب، مقدراً ما خرج بنحو 22 مليار دولار وخروج ما يزيد عن 60% من رجال المال والأعمال السوريين للخارج). 

وحول أداء القطاع العام الصناعي قالت الورقة (إلا أن ما يثير التساؤل والقلق هو تراجع الاستثمارات الفعلية المنفذة في القطاع العام الصناعي  التي لم تتجاوز في النصف الأول من هذا العام 4 مليون ليرة سورية فقط بنسبة تنفيذ 001% من الاعتمادات المرصدة  لكامل عام 2015 والبالغة 2.986 مليار ليرة سورية)!.

أما بالنسبة للإنتاج الصغير فقد تحدثت الورقة أن: (رئيس الاتحاد العام للحرفيين صرح أن ما يقارب 70% من المنشآت الحرفية تعرضت للتخريب والدمار خلال الأزمة الراهنة). هذا وقد وضعت الورقة أهم المعوقات التي تواجه الصناعة في سورية بـ (التأخر في تحديد وتقرير وصرف التعويضات للصناعيين المتضررين... البطء في إعادة تأهيل المرافق العامة من ماء وكهرباء وطرق وصرف صحي في عدد من  المناطق الصناعية... عدم إيجاد معبر بري بديل لمعبر نصيب الحدودي مع الأردن الذي تم إغلاقه بسبب سيطرة الجماعات المسلحة عليه...تردي الأوضاع الأمنية في مدينة الشيخ نجار الصناعية بحلب وعدم اتخاذ الإجراءات اللازمة لمعالجة قضايا النهب والسرقة التي تجري فيها...استمرار صعوبات نقل العمال ومستلزمات الإنتاج والإنتاج الجاهز وارتفاع تكاليفها...الرفع المستمر لأسعارالمحروقات (المازوت والفيول) ما يضيف صعوبات جديدة للمنشآت الصناعية وبشكل خاص تلك التي تستخدم الطاقة بشكل كبير، وبشكل يترافق مع عدم توفر المادة بشكل نظامي...الارتفاع المستمر بأسعار القطع الأجنبي إضافة إلى عدم اعتماد سعر محدد للقطع الأجنبي الممنوح للصناعيين).

والحمش يفتح النار على (التشاركية)

أما محاضرة الدكتور منير حمش والتي تناولت السياسات الاقتصادية فقد استهلها بالحديث عن الدور التاريخي لتوافق واشنطن الذي عمل على نشر سياسات النيوليبرالية وضرب دور الدولة في دول العالم الثالث، رابطاً إياه بالدور اللاحق الذي تقوم به المجموعات الإرهابية التي تنتعش نتيجة السياسات النيوليبرالية، حيث يؤدي الفقر والبطالة إلى تراكم مزيد من المهمشين وانتشار الفكر التكفيري، كما أدت في الحالة السورية إلى انفجار حراك شعبي محق المطالب تحول لاحقاً إلى عمل مسلح أسهم في ظهور الإرهاب، على حد وصفه.

ورأى الحمش أن (جوهر السياسات ما قبل الأزمة هو اعتمادها للنموذج الليبرالي المتوافق مع وفاق واشنطن) وأن تطبيق اقتصاد السوق والليبرالية الاقتصادية كان (ثورة مضادة) تلتقي مع سياسات الغرب الرأسمالية الذي طرحت مؤسساته الدولية (مشروع الشراكة الأوربية ومشروع الشرق الأوسط الجديد)، ووفق الحمش فـ(كلا المشروعين يلتقيان عند أمرين هما أمن «إسرائيل» والليبرالية الاقتصادية، ورغم رفض سورية لكلا المشروعين، حيث رفضت أي تعاطي سياسي معهما، إلا أنها مضت كثيراً في اللبرلة الاقتصادية) وهو ما زاد الفقر وأدى إلى إضعاف دور الدولة. 

ووضع الحمش أسئلة معيارية لتقييم الاقتصاد قبل انفجار الأزمة وهي ثلاثة (ماذا حل بالفقر؟ وماذا عن البطالة؟ وكيف أصبح توزيع الثروة). هذا وقد رأى الدكتور منير أن سياسات الحكومة المطبقة أثناء الأزمة (تثبت أنها تنطلق من إنكار أي دور للسياسات الاقتصادية السابقة بانفجار الأزمة الحالية). 

كما أضاف الحمش ملمحاً إلى الإجراءات المتخذة المبنية على التشاركية تنطلق من تركيز السياسات الحكومية على العمل على تعويض نقص القطع الأجنبي من أي مصدر كان ما يدفعها إلى مزيد من التحرير الاقتصادي.

هذا وقد شن الحمش هجوماً لاذعاً على قانون التشاركية، والذي يعد أساسه ما صاغه فرع البنك الدولي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وأوضح الحمش أن خطورة مشروع التشاركية الحالي هي عملية (إدخال القطاع الخاص للاستثمار في القطاعات السيادية وتحديداً في قطاعات البينة التحتية كإنتاج الطاقة). وذكر الدكتور منير أن (الشركات النفطية الأجنبية العاملة وفق التشاركية كانت من أوائل الشركات المنخرطة في الحصار الذي فرض على سورية).    

وختم الحمش ورقته البحثية بالدعوة إلى تشكيل خلية أزمة تتمتع بصلاحيات مجلس الوزراء مجتمعة، كما رأى أن السياسات المستقبلية في مرحلة الاستقرار يجب أن تركز على (تحقيق التنمية، ومعالجة الآثار الاقتصادية الاجتماعية للأحداث وإعادة الإعمار، وتحقيق العدالة الاجتماعية والارتقاء بمؤشرات التنمية).