صادرات الزراعة الخام.. تمايز عالمي واضح
تستطيع دول الغرب أو الدول المتقدمة، أن تفرض سعر بيع احتكاري مرتفع في الأسواق العالمية، أعلى بأضعاف من أسعار دول العالم الأخرى كافة، حتى في المواد الخام، على الرغم من كون إنتاجيتها أعلى في دول المركز مقارنة بدول الأطراف، أي تكاليفها أقل.
ونقدم مقارنات لأسعار مواد خام رئيسية بين دول مركز ودول أطراف، مع وضع حجم الإنتاجية في بعضها لتوضيح الفارق:
وعلى الرغم من أن الإنتاج الروسي يزيد على الإنتاج الفرنسي، وسعره أقل من القمح الأمريكي بمقدار 70 $ في الطن، إلا أن الولايات المتحدة هي المصدر العالمي الأول، وفرنسا هي المصدر الثاني للقمح بشكله الأولي دون أي عملية تصنيع!.
أما سورية التي كانت تصدر قمحها خاماً، دون إضافة أية مرحلة إنتاجيه عليه حتى الطحن!، فإنها تنال واحداً من أقل الأسعار العالمية : 180$ في الطن وذلك وفق أرقام منظمة التجارة العالمية في عام 2010.
تنتج فرنسا في الهكتار الواحد كميات من القمح تبلغ خمسة أضعاف ما تنتجه سورية تقريباً في الهكتار من الأراضي السورية. أي عملياً نستطيع أن نقدر بأن التكاليف الفعلية أو قيمة القمح بمقدار العمل المبذول فيه في سورية، هي في أفضل الأحوال خمسة أضعاف تكاليف فرنسا، أو القيمة المبذولة لإنتاج قمح في هكتار من الأرض في فرنسا، ومع ذلك فإن فرنسا تحصل على سعر عالمي أعلى.
على الرغم من أن إنتاجية سورية في القطن احتلت المرتبة السابعة عالمياً في عام 2001، ما يعطي القطن السوري ميزة نسبياً عن القطن الهندي ويجعل سعره العالمي أعلى، بالإضافة إلى ميزة النوع، ولكن رغم ذلك فإن سعر القطن السوري، في السوق العالمية يبقى منخفضاً، مقابل دول المركز ذات الإنتاجية الأعلى، والسعر الأعلى أيضاً في تجارة السوق الرأسمالية غير المتكافئة، كما أن استراليا وهي الاولى في الإنتاجية العالمية، حيث تنتج 1,5 طن في الهكتار، بينما تنتج سورية 1,2 طن في الهكتار، ومع ذلك فإن سعر استرالياً أعلى من سعر سورية بمقدار أكثر من 400 $ في الطن في عام 2010.
تدل الأمثلة المذكورة المأخوذة للمواد الزراعية الخام المصدرة عبر السوق العالمية، على ضياع الجدوى الفعلية للميزات النسبية الطبيعية التي قد تتمتع بها منتجات زراعية لدول الأطراف، كما في القطن والقمح السوري، والتي يعتبر البعض أنها مبرر كاف للتصدير دون التصنيع، بحجة حصولها على أسعار مرتفعة نسبياً في العالم، حيث يتضح أن قانون التبادل اللامتكافئ، يفرض قدرة دول المركز على وضع أسعار احتكارية مرتفعة لمنتجاتها الأقل تكلفة بإنتاجيتها العالية، ولا تستطيع دول المحيط أن تسعر بها مهما بلغ تميز أنواع منتجاتها الخام!.
نصف الناتج السوري انتقل للغرب عبر تجارة 30 عام
أرقام الأبحاث العالمية عن سورية، وموقعها في التبادل اللامتكافئ، تقول الكثير الدال على أثر توسيع قطاع التجارة، واعتماد عمليات تصدير المنتجات السورية الخام أو نصف المصنعة عوضاً عن تصنيعها وتوظيفها داخلياً.
وفي أرقام الباحث Gernot Kohler التي تدرس خسائر الدول النامية من علاقاتها التجارية مع دول العالم المتقدم خلال المرحلة من 1965 وحتى 1995 يظهر حجم خسارة سورية من علاقاتها التجارية مع الغرب:
علاقة سورية التجارية مع الغرب استيراداً وتصديراً خسرتها حتى منتصف التسعينيات أكثر من نصف قيمة ما ينتجه السوريون، بينما كانت الخسارة لا تتعدى 1% في منتصف الستينيات.
*إن أرقام الباحث تدرس المرحلة التي سبقت تحرير التجارة السورية بالكامل بعد عام 2013، وتوسع حصة التجارة على حساب الزراعة والصناعة في الناتج السوري، مع العلم أن سورية تتبع أسوأ نموذج تجاري قائم على علاقات مع الغرب الأوروبي بالنسبة العظمى ، حيث خلال 15 عام، من 1990 وحتى 2005، نسبة 57% وسطياً من الصادرات السورية، كانت تخرج من سورية لدول الاتحاد الأوربي، يضاف إلى ذلك إلى أن سورية تصدر 50% من موادها بالشكل الخام دون تصنيع، محققة بذلك كل الشروط التي تزيد من آثار قانون التبادل اللامتكافئ!.