الخصخصة الانتقامية التي أعدتها أوروبا لليونان
استقال وزير المالية اليوناني يانيس فاروفاكيس، من موقعه كوزير للمالية في الحكومة اليونانية، قبيل إعلان نتائج الاستفتاء اليوناني حول حزمة الإنقاذ التي أرادت الترويكا أن تفرضها على اليونان، ومع أن نتائج الاستفتاء جاءت بـ «لا»، إلا أن الحكومة اليونانية برئاسة تسيبراس أقدمت على الموافقة على حزمة التقشف، ضاربة بعرض الحائط الإرادة الشعبية هناك. هذا وقد كان تسيبراس نفسه قد طلب من وزير المالية فارو فاكيس الاستقالة لأجل تسهيل المفاوضات مع الأووربيين.
ترجمة: ابراهيم محمد علي
بدوره كان فاكيس الذي استقال من الحكومة «بسبب ضغوطات أوروبية» على حكومة تسيبراس على حد قوله، حذر أن: «الإصلاحات التي يفرضها الدائنون على اليونان ستفشل».
وفي هذه المقالة التي أعدتها قاسيون عن موقع Project-syndicate.org يشرح يانيس بنفسه مخاطر وتفاصيل ما فرض على اليونانيين وفيما يلي نصها مع بعض العناوين التي تصرفت قاسيون بها:
صندوق «تروهاند» اليوناني
في الثاني عشر من تموز، أملت قمة منطقة اليورو شروط الاستسلام على رئيس الوزراء اليوناني ألكسيس تسيبراس، الذي قَبِل كل الشروط نظراً لشعوره بالرعب من البدائل. ويتعلق أحد هذه الشروط بالتصرف في ما تبقى من الأصول العامة اليونانية.
فقد طالَب زعماء منطقة اليورو بتحويل الأصول العامة اليونانية إلى شيء أشبه بصندوق تروهاند ــ أداة للبيع بأثمان بخسة، أشبه بتلك التي استخدمت بعد سقوط سور برلين لخصخصة الملكية العامة المتلاشية لدولة ألمانيا الشرقية كلها بسرعة وبخسائر مالية كبيرة، فضلاً عن الآثار المدمرة التي خلفتها على العمالة.
سيكون مقر صندوق تروهاند اليوناني ــ المنتظر ــ في لوكسمبورج، وسيتولى إدارته والإشراف عليه وزير المالية الألمانية فلوفجانج شويبله، واضع هذا المخطط. وسيكمل الصندوق هذا البيع البخس في غضون ثلاث سنوات. ولكن في حين كان عمل صندوق تروهاند الأصلي مصحوباً باستثمارات هائلة من ألمانيا الغربية في البنية الأساسية، وتحويلات مالية اجتماعية واسعة النطاق لسكان ألمانيا الشرقية، فإن شعب اليونان لن يتلقى أية فوائد من أي نوع في المقابل.
الحق أن إقليدس تساكالوتوس، الذي خلفني في منصب وزير المالية في اليونان قبل أسبوعين، بذل قصارى جهده للتخفيف من أسوأ جوانب خطة تروهاند اليونانية. وقد تمكن من تسكين الصندوق في أثينا، كما انتزع من دائني اليونان (أو ما يسمى الترويكا التي تتألف من المفوضية الأوروبية، والبنك المركزي الأوروبي، وصندوق النقد الدولي) التنازل المهم المتمثل في إمكانية تمديد المبيعات لمدة ثلاثين عاماً، بدلاً من مجرد ثلاث سنوات. وكان هذا الأمر بالغ الأهمية، لأنه سيسمح لدولة اليونان بالاحتفاظ بأصول مقومة بأقل من قيمتها، إلى أن تتعافى أسعارها من مستوياته الدنيا الحالية الناجمة عن الركود.
ولكن من المؤسف أن صندوق تروهاند اليوناني يظل أداة بغيضة، ولا بدّ أن يشكل وصمة عار على ضمير أوروبا، والأمر الأسوأ أنه يمثل فرصة ضائعة.
فالخطة سامة على المستوى السياسي، لأن الصندوق برغم تسكينه في اليونان، سوف يُدار فعلياً بواسطة الترويكا. وهو ضار على المستوى المالي أيضاً، لأن العائدات سوف توجه نحو خدمة ما يعترف الآن حتى صندوق النقد الدولي بكونه ديناً غير قابل للسداد. وهو فاشل على المستوى الاقتصادي، لأنه يهدر فرصة رائعة لإنشاء استثمارات محلية للمساعدة في مواجهة الأثر الانكماشي الناجم عن ضبط الأوضاع المالية، العقابي والذي يشكل أيضاً جزءاً من «شروط» قمة الخامس عشر من تموز.
خطة فاروفاكيس التي رفضتها الترويكا
وما كان ينبغي للأمر أن يتم على هذا النحو بالضرورة، ففي التاسع عشر من حزيران، أجريت اتصالاتي بالحكومة الألمانية والترويكا لعرض اقتراح بديل، كجزء من وثيقة بعنوان «إنهاء الأزمة اليونانية» على النحو التالي:
تقترح الحكومة اليونانية جمع الأصول العامة (باستثناء تلك الوثيقة الصلة بأمن البلاد، والمرافق العامة، والتراث الثقافي) في شركة قابضة مركزية منفصلة عن الإدارة الحكومية، وتدار ككيان خاص، تحت رعاية البرلمان اليوناني، بهدف تعظيم قيمة أصولها الأساسية وخلق تيار استثماري محلي. وسوف تكون الدولة اليونانية المساهم الوحيد في هذه الشركة، ولكنها لن تضمن التزاماتها وديونها».
وكانت هذه الشركة القابضة مصممة لتلعب دوراً نشطاً في تجهيز الأصول للبيع، كما كانت «لتصدر سنداً مضموناً بالكامل في أسواق رأس المال الدولية» لجمع نحو 30 إلى 40 مليار يورو (32 إلى 43 مليار دولار أميركي)، وهو ما يمكن استثماره في تحديث وإعادة هيكلة الأصول تحت إدارته، مع وضع القيمة الحالية للأصول في الاعتبار.
وقد توخت الخطة برنامجاً استثمارياً لمدة ثلاث إلى أربع سنوات، من شأنه أن يسفر عن إنفاق إضافي بقيمة 5% من الناتج المحلي الإجمالي سنوياً، حيث تشير ظروف الاقتصاد الكلي الحالية ضمناً إلى «مضاعفة نمو إيجابي أعلى من 1.5»، ولابد أن يكون هذا كافياً «لدفع نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى مستوى أعلى من 5% لعدة سنوات». وهذا بالتالي، كان ليستحث «زيادات نسبية في العائدات الضريبية»، وبالتالي «يساهم في تعزيز الاستقرار المالي، في حين يعمل على تمكين الحكومة اليونانية من ممارسة الانضباط في الإنفاق من دون تقليص الاقتصاد الاجتماعي».
وفي هذا السيناريو، كان الفائض الأولي (الذي يستبعد أقساط الفائدة) ليحقق «سرعة الإفلات» في المطلق ثم النسب المئوية بمرور الوقت. ونتيجة لهذا فإن الشركة القابضة كانت لتمنح «ترخيصاً مصرفياً» في غضون عام أو اثنين، «وبالتالي تحول نفسها إلى بنك تام النضج للتنمية، قادر على حشد استثمارات القطاع الخاص لصالح اليونان والدخول في مشاريع تعاونية مع البنك الأوروبي للاستثمار».
وكان بنك التنمية الذي اقترحناه ليسمح للحكومة «باختيار أي الأصول يمكن خصخصتها وأيها لا يمكن، في حين يضمن قدراً أعظم من التأثير على خفض الديون من عمليات الخصخصة المختارة. وعلى أية حال، فإن قيم الأصول لابد أن تزيد بأكثر من المبلغ الحقيقي الذي يتم إنفاقه على التحديث وإعادة الهيكلة، مع الاستعانة ببرنامج لإقامة الشراكات بين القطاعين العام والخاص، والتي تتعزز قيمتها وفقاً لاحتمال الخصخصة في المستقبل».
بيد أن اقتراحنا استقبل بالصمت التام، وعلى نحو أكثر دقة، استمرت المجموعة الأوروبية التي تتألف من وزراء مالية منطقة اليورو والترويكا في تسريب معلومات إلى وسائل الإعلام العالمية مفادها: أن السلطات اليونانية ليس لديها مقترحات معقولة إبداعية. بعد بضعة أيام، وبمجرد أن أدركت القوى الفاعلة أن الحكومة اليونانية توشك على الاستسلام الكامل لمطالب الترويكا، فقد رأت من المناسب أن تفرض على اليونان نموذج صندوق تروهاند المهين الخبيث الذي يفتقر إلى الخيال.
عند نقطة تحول في التاريخ الأوروبي، ألقي بديلنا المبتكر إلى سلة المهملات، ولا يزال هناك إلى أن ينقذه آخرون.
تعقيب المحرر:
رغم أن خطة فاروفاكيس، والتي لا تبدو أكثر جذرية بكثير مما قبل به تسيبراس، فهي تعاطت مع شروط التقشف بإيجابية، وقبلت بخصخصة جزء من القطاع العام اليوناني، إلا أنها سعت لإبقاء شيء من السيادة الحكومية اليونانية على الاستثمارات، التي يجب إدارتها لأجل سداد الديون وإنعاش الاقتصاد في الفترة القادمة. ومع ذلك رفضت الترويكا هذه الصيغة وضربت الحد الأدنى من الممانعة الحكومية في الجانب الاقتصادي، فضغطت على تسيبراس ليطيح بفاروفاكيس، ثم فرضت على اليونان خطة تنهي أي عامل من عوامل استقلاله الاقتصادي في المستقبل، وبذلك تكون الشعارات التنموية التي يفرضها الاتحاد الأوربي قائمة على هتك سيادة الدول المنضوية بالاتحاد، وضرب أية إمكانية بناء اقتصادية إلا بما يتناسب مع مصالح المركز الأوروبي وشروطه وتقسيمه للعمل.