الحروب في آسيا.. الرمق الأخير لمنظومة الدمار
تحاول الولايات المتحدة فتح بؤرة توتر جديدة داخل شرق آسيا لتقترب من عقر دار خصومها الاستراتيجيين، في حين تبدو كل من الصين وروسيا مستعدتين عسكرياً، بل وتبنيان بثبات خطوات استراتيجية على جبهة التكامل الأوراسي.
لماذا تستمر العدوانية الأمريكية بلا توقف، على الرغم من إصرار القوى الأخرى على إطفاء الحرائق؟! سؤال مشروع يطرح اليوم.
يكمن الجواب في (وظيفة الولايات المتحدة) فهي ليست أي دولة عظمى، بل هي «منظومة حماية» اقتصادية سياسية عسكرية، مهمتها التعويض عن الهبوط الحتمي لمعدل الربح الأقصى. وهي مركز الدفاع عن رأس المال المالي العالمي، المتحكم بالعمليات الإنتاجية والمصرفية العالمية المندمجة، أي رأس المال الذي يقلص توسع الإنتاج الاقتصادي بشكل تدريجي، لأنه لم يعد يحقق الربح المطلوب، حيث يتقلص الاستهلاك نتيجة التمركز الكبير في الثروة والدخل، ليصبح معتمداً على ثنائية «المال ينفق على السلاح»، و»السلاح يحمي المال»، لتحقيق الربح الأقصى.
اليوم انخفض معدل الربح، إلى الحد الذي تُوقِف فيه الرساميل العالمية تقريباً أي توسع في النمو الاقتصادي في أوروبا وأمريكا، أي تفقد كل إمكانية اقتصادية لاحتواء أزمة الرساميل، وتنتقل بشكل متصاعد نحو سياسة الحرب والتدمير، التي تستهدف بنهاية المطاف الفضاءات الجيوسياسية والاقتصادية المنافسة استراتيجياً، والتي بقيت على الرغم من دخول رأس المال المالي إليها، قادرة على الاستقلال النسبي، أي أنها تمتلك إمكانيات الانعتاق التي تفتقدها واشنطن حتى اليوم.
تتحول آسيا اليوم إلى المركز العسكري والاقتصادي والتنموي العالمي. تُنشئ الصين وروسيا مشاريع متقاطعة لتعميق ترابط آسيا، والربط مع أوروبا، وتمتد للتحالف مع المفاصل الإفريقية في مصر وجنوب إفريقيا، وصولاً إلى أمريكا اللاتينية.
لا تتقيد الاقتصادات الناشئة بمحددات الربح الأقصى لرأس المال العالمي، في علاقاتها الاقتصادية الدولية تحديداً، فتقوم بمشاريع البنى التحتية والاستثمار عالمياً بآليات تمويل وإقراض جديدة أقل ربحية، وتذهب تدريجياً إلى نموذج يعتمد على زيادة الطلب الداخلي، عوضاً عن التصدير كمحدد وحيد، بمعنى أنها تحدث تغييراً في توزيع الدخل والثروة داخلياً وعالمياً، الأمر الذي يزيد من تناقضها العميق مع الربح الأقصى لرأس المال المالي العالمي، ويجعلها هدفاً لآلة الدمار العالمية، والتي من ضمن تجلياتها سياسات العزل والعقوبات، وحتى محاولات الاستهداف العسكري المباشر.
عندما تفشل الولايات المتحدة في إشعال الحروب، وبعد استحالة التوسع الرأسمالي بمعناه الجغرافي والاقتصادي والذي كان حلاً جيداً في السابق استخدم خلال القرن العشرين كله، يصبح «الحل» الذي تندفع إليه المراكز الامبريالية- بوعي أو بلا وعي- هو تدمير البشر والحجر (داعش مثلاً هي أحد نماذج الفاشية الجديدة). وهذا يعني بلغة الاقتصاد السياسي تدمير القوى المنتجة بغية «ترييح» علاقات الإنتاج السائدة من الضغط المتصاعد عليها. من هنا تظهر بؤر التوتر المتزايدة، ولكن في ظل صعوبة حرب كونية شاملة كالسابق، يتحول إطفاء هذه البؤر بأي شكل من الأشكال هو تكتيف للعدو الطبقي كي يموت موتاً رحيماً، دون أن يأخذ معه البشرية جمعاء.