تجميع القمح: مهمة وطنية.. تتطلب سعر بغرض سياسي!
ليلى نصر ليلى نصر

تجميع القمح: مهمة وطنية.. تتطلب سعر بغرض سياسي!

الحكومة منذ بدايات العام كانت تؤكد أن وفرة الأمطار في العام الحالي، تبشر بموسم قمح متميز، وتصريحات لوزير التجارة الداخلية ذهبت للتوقع بأن سورية في العام الحالي لن تحتاج إلى استيراد القمح، بعد الحصاد في حزيران 2015.

إن استطاعت سورية في العام الحالي أن تستجر الكميات الأكبر، مؤمنة حاجات السوريين من القمح، وضامنة محاصيل المزارعين في مناطق البلاد المختلفة، فهذا سيعتبر إنجازاً ذا دلالة هامة، لا بد أن البعض يلاحظه، ويسعى إلى القيام بإجراء مضاد، عن طريق تجميع القمح بيد التجار، ومنع وصوله، وهذا قد يفسر رفع التجار في المناطق الخارجة عن السيطرة لأسعار شرائهم للقمح إلى مستويات غير مسبوقة!..

فما الذي تفعله الحكومة في مواجهة هذا التوجه، أو ما الذي تفعله لضمان إيصال المزارعين من مناطق البلاد المختلفة لقمحهم، إلى مراكز الاستجرار الحكومية، وبالتالي تجنب الاستيراد؟!

رفع السعر بنسبة 35%.. لا يكفي!

أصدرت الحكومة أسعارها لشراء القمح من المناطق التي لا زالت تنتجه، والسعر أصبح 61 ل.س للكغ، بارتفاع عن سعر العام الماضي الذي بلغ 45 ل.س، أي بمقدار 16 ل.س زيادة، ونسبة 35% ارتفاعاً، صدرت الاعتراضات على هذا السعر عن غرف الزراعة السورية، وعن المزارعين في المناطق المختلفة لأن هذا السعر لا يغطي ارتفاعات تكاليف الإنتاج منذ بداية العام، ولا يحقق عوائد إضافية للمزارعين متناسبة مع الارتفاع الجنوني لمستويات الأسعار العامة..

المازوت ارتفاع بين 56% - 212%!

ارتفعت الكلف في العام الحالي بشكل كبير، ويعود هذا بالدرجة الأولى إلى  ارتفاع أسعار المازوت بنسبة 56% وفق الأسعار النظامية، من 80 ل.س إلى 125 ل.س لليتر، أما فعلياً وفي ظل فقدان المازوت، وتوفره بالأسعار الاحتكارية  فقط، التي لم تنخفض عن 170 ل.س، ووصلت 250 في أوقات الذروة، فإن ارتفاع تكلفة المازوت عن العام الماضي بلغ  نسبة 112% بالحد الأدنى، وصولاً إلى 212 % لليتر بالحد الأعلى وفق السعر الاحتكاري، عن العام الماضي. أي أن وسطي ارتفاع أسعار المازوت لا يقل عن 126%، أي مرة وربع، والمازوت ممكن أن يؤخذ كمؤشر على نسب ارتفاع الكلف عموماً، على اعتباره يدخل في  كلفة العمليات الإنتاجية جميعها مثل: الحراثة والبذار الآلي، والحصاد، والعمليات الخدمية مثل نقل المحصول. ما سيجعل رفع السعر إلى 61 ل.س، وبنسبة 35% ارتفاعاً فقط، غير قادر على تغطية التكاليف التي سترتفع مع عملية الحصاد القادمة وما يليها من نقل. 

مستوى الأسعار ارتفاع 130% بالحد الأدنى!

أما إذا استطاعت هذه الأسعار أن تغطي الكلفة، فإنها لن تحقق عوائد ودخلاً مناسباً للمزارعين يكفي لتغطية الارتفاعات في مستويات الأسعار، والتي شهدت ارتفاعات كبيرة خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الحالي،  بين شهري كانون الثاني، وأيار 2015، حيث فاقت ارتفاع تكاليف الغذاء الضروري فقط 130% تقريباً!..

أي أن رفع السعر بهذه النسبة لا يكفي عملياً لضمان وصول القمح إلى مراكز الاستجرار الحكومية، وتحديداً بعد وجود معطى جديد متمثل بدفع التجار في المناطق الخاضعة للسيطرة أو الخارجة عنها لأسعار منافسة..

التجار يسحبون القمح!

معلومات لقاسيون أشارت إلى أن التجار في مناطق الغاب التي تعتبر آمنة، يدفعون حداً أدنى في كغ القمح: 75 ل.س للكغ، وصولاً إلى 100 ل.س، وهذا يوفر كلف النقل على المزارعين، حيث يأخذه التجار القمح من المزارع، وهي عملية متاحة في ظل الفوضى الحالية، وتراجع دور الدولة، وتحديداً في مناطق الغاب.

أما في مناطق الغاب المجاورة، التي تعتبر خارج السيطرة مثل قلعة المضيق وكفرنبودة وغيرها، فتشير المعلومات إلى أن اليد المطلقة للتجار هناك تدفع أسعاراً تصل إلى 1 دولار في الكغ، وتصل هذه الأقماح المجمعة بيد التجار إلى تركيا بشكل رئيسي!

هذه الأسعار تدل على وجود منافسة على استجرار القمح، ذات أبعاد وأغراض سياسية، مرتبطة بقيمة القمح من حيث كونه محدد رئيسي في الأمن الغذائي، ومرتبطة بمنع عودة سورية إلى تأمين حاجاتها من القمح، وتحديداً بعد أن توقعت الحكومة توقف الحاجة لاستيراد الطحين منذ بداية العام الحالي، وإمكانية إنتاجه كاملاً محلياً، من مخزون القمح أو من القمح الواصل لمراكز الاستجرار الحكومية!..

استثناء القمح من التقشف الحكومي!

على الحكومة أن تضع اعتبارات إنفاق فائض على القمح خارج منطق التقشف وتخفيض النفقات، أو أن تدفع كلف النقل والمخاطر التي قد تنجم عنه، وذلك لتؤمن سعراً مجدياً للمزارعين ليستمروا بالإنتاج أولاً، ولتمنع تجميع القمح السوري في المناطق الواقعة تحت السيطرة أو الخارجة عنها بيد التجار، لتصل من بعدها إلى الدول المجاورة وتحديداً تركيا.. 

على الحكومة أن تضع للقمح سعراً بغرض سياسي إن صح القول، لأن الأسعار المدفوعة في المناطق الخارجة عن السيطرة، والتي قد تصل بحسب المعلومات إلى  دولار أو ما يعادله أي 260 ل.س بالحد الأدنى في الكغ، في المناطق الخارجة عن السيطرة، هي أعلى من الأسعار العالمية للقمح التي تبلغ 0,2 $ أي حوالي 52 ل.س في المرحلة الحالية، أي أنها أسعار تهدف إلى تجميع القمح، ومنع وصوله للدولة!.

عملية إيصال القمح السوري، إلى الدولة يفترض أن تكون مهمة تتطلب التفكير بكافة الطرق الممكنة، انطلاقاً من رفع السعر كتعويض عن رفع أسعار المستلزمات، وصولاً إلى تأمين طرق النقل، ومروراً بإيجاد توافقات تسمح بإيصاله، هذه العملية تستحق إنفاقاً مبالغ إضافية تضمن للمزارعين جدوى من عمليات إيصالها، وهذا واجب حكومي، وتحديداً بما أن الحكومة حصلّت سابقاً عائدات أعلى من بيعها للمازوت بسعر أعلى، وحققت وفورات من رفعها للدعم، وهو ما نقل التكاليف إلى المستويات الحالية!.