الغزل والنسيج قطاع عريق تذروه رياح السياسات الحكومية!

الغزل والنسيج قطاع عريق تذروه رياح السياسات الحكومية!

أعدت المؤسسة العامة للصناعات النسيجية تقريراً حول الخطة الإنتاجية والتسويقية والاستثمارية، عن الربع الأول من عام 2015 مقارنة إياها مع الفترة نفسها من العام السابق وستستعرض قاسيون أهم ما جاء فيه.

شمل التقرير أوضاع الخطط لـشركات المؤسسة التي لازالت عاملة وهي ( شركة الساحل للغزول القطنية- شركة الصوف والسجاد- الدبس- نسيج اللاذقية- الحديثة الأهلية- شركة وسيم للألبسة الجاهزة- شركة الشرق للألبسة الداخلية- سجاد دمشق والسويداء)، بينما أظهر التقرير خروج عدة شركات من الخدمة، وهي: (5 شركات بحلب- ومعمل سجاد ستاتكس- الفرات بدير الزور- الحديثة- شركتي الغزل بإدلب). 

شركات متراجعة وإنتاج صفري!

وتبرز من خلال التقرير مجموعتان، الأولى: متراجعة من حيث الإنتاج. والثانية تطور إنتاجه بشكل ملحوظ في هذا الربع. فما هي الشركات المتراجعة؟ وما أسباب ذلك؟ 

إن أبرز المواد والشركات التي تراجع إنتاجها هي الغزول القطنية، والغزول الصوفية، والأقمشة القطنية، والأقمشة الصوفية، والسجاد، ويبين الجدول (رقم ١) المرفق أدناه نسب تراجع هذا الإنتاج حسب الشركات المنتجة له.

من الملاحظ وفي ما سبق تراجع الإنتاج بنسب عالية جداً في الربع الأول من العام 2015، فبعضه خرج كاملاً من الإنتاج، وأقله انخفض إنتاجه أكثر من النصف، مما يشي باحتمال تدهور الإنتاج في هذه الشركات بشكل كبير، وجاءت كبرى التراجعات في الأقمشة الصوفية الممزوجة، التي كانت تنتج في الشركة الأهلية الحديثة والتي يعزوها التقرير إلى خروج الشركة المنتجة لهذه المادة من الخدمة، إلا أن الشركات الأخرى والتي من المفرض أن تستمر في الإنتاج، طالما أنها آمنة نسبياً، فحالها ليس أفضل، حيث تراجعت الأقمشة القطنية بنسبة 55% والغزول القطنية بمعدل 87% والغزول الصوفية الصافية بنسبة 77% والغزول الصوفية الممزوجة بنسبة 100%! فلماذا يترك القطاع العام متردياً بهذا الشكل؟!  

الطاقة الإنتاجية متاحة.. لكننا نرفضها!

سنتتبع الخطة المرسومة لهذا القطاع حتى تتضح فعلياً معالم الخلل، حيث سنتبين أن أبرز سببين فعلياً هما نقص الاستثمار الحكومي في هذا القطاع، ونقص العمالة. ولا أدل على نقص الاستثمار في هذا القطاع، إلا المقارنة بين الطاقة الإنتاجية المتاحة في هذه الشركات، والطاقة المخططة للإنتاج والتي جاءت ضمن الجدول (رقم ٢) المرفق أدناه في هذا العام.

فمن الواضح وفق بيانات الجدول، أن سقف طموحات القائمين على القطاع العام آخذ في بالإنخفاض، وإلا فما هو مبرر أن يخطط القائمون عليه لكميات أقل من قدراته المتاحة؟ ما الداعي لتخفيض الإنتاج المخطط بمعدل 75% في شركة السجاد والصوف، أو إلى 34% في الأقمشة القطنية، ألسنا بحاجة إلى ذلك الإنتاج كله، في اللحظات التي ترتفع فيها أسعار المواد ويغزونا الإنتاج المستورد؟!

إن التفسير الواضح لهذا التراجع في تخطيط الضروري من الإنتاج، وفق قدراتنا الإنتاجية المتاحة، يعود بشكل واضح إلى سياسات الحكومة، التي لم تعمل على زيادة الإنفاق الاستثماري للقطاعات المنتجة في القطاع العام. وإن عدم استثمار الحكومة في القطاع العام الإنتاجي يتناقض مع حديث الحكومة عن ضرورات الإنتاج لغاية التصدير، والتي تحتم على الحكومة زيادة الإنفاق. وقبل كل ذلك فهو يتناقض مع ضرورة الإنتاج لتأمين حاجات الناس من إنتاجنا المحلي، بدل الاستيراد وهو ما يدعم الليرة بشكل مباشر، وأن الواقع الحالي لهذه الشركات يشير بشكل كبير إلى أن الغاية الأساسية الحكومية هي: عدم زيادة الإنتاج الحكومي وهو ما يفضي إلى زيادة الإنتاج من القطاع الخاص أو زيادة الاستيراد موضوعياً. 

الجمل بليرة؟!

إن الطامة الكبرى التي ثبتها التقرير، ليس فقط انخفاض الإنفاق الاستثماري بشكل مطلق، ماجعلنا لا نسعى إلى تفعيل الطاقة المتاحة كاملة، بل أيضاً الوصول إلى مرحلة وضع أرقام استثمارية شكلية، وإلا ما هو تفسير وضع اعتمادات مالية لخطة استثمارية لم يجر تنفيذها حتى اللحظة؟!.

فوفق التقرير، فإن إجمالي الاعتمادات المخصصة حتى شهر آذار 2015 تبلغ 230 مليون ليرة لم يجر إنفاق أي مبلغ منها، كما أن خطة القطع الأجنبي المخصصة للإنتاج تبلغ حوالي 12 مليون دولار، والخطة الاستثمارية 545 ألف دولار، ولم ينفذ أي شيء منها أيضاً، وهو ما يؤكد أننا أمام إهمال مقصود، حيث يتم وضع اعتمادات لا يصار إلى إنفاقها واستثمارها. 

لقد خلص التقرير إلى فكرة مفادها: أن أهم أسباب التراجع في الإنتاج هي (تداعيات الأزمة على الشركات التابعة) وأضاف إلى ذلك (عدم توفر الأقطان المحلوجة) و(انخفاض السيولة المالية في المؤسسات والشركات التابعة). إن كل هذه العوامل هي عوامل موجودة وموضوعية لا شك لكنها غير كافية لتفسير التراجع، فكل ذلك قابل للتعويض عبر زيادة الإنفاق الاستثماري وصرفه فعلاً، ليصار إلى تعويض نقص السيولة، طالما أن الهدف الحكومي المُعلن هو إعادة عجلة الإنتاج، أما أن يُهمل قطاع عريق هو القطاع النسيجي، وهو قادر على الدوران في لحظة الأزمة، فإن ذلك لا يعني إلا توجيه عقوبة الإعدام بحقه. 

 

إنتاج متزايد لكنه أقل من المخطط والمتاح

أما بما يخص الشركات التي زاد إنتاجها في الربع الأول من 2015 عما كانت عليه في العام الماضي فإنها رغم زيادة إنتاجها، إلا أنها تعاني من المشاكل نفسها، المتعلقة بعدم تفعيل القدرة الإنتاجية الكاملة لهذه الشركات وهي عملياً ثلاث شركات رئيسية (شركة وسيم للألبسة الجاهزة، وشركة الشرق للألبسة الداخلية، وشركتي دمشق والسويداء للسجاد الصوفي).

وفيما يلي إضاءة سريعة على أهم ما جاء في التقرير حول أداء هذه الشركات تبين إنتاجها خلال الربع الأول في عام 2015 مقارناً بالإنتاج الفعلي لنفس الفترة من العام السابق: الجدول (رقم 3)

إن الزيادات الحاصلة في الربع الأول، في إنتاج هذه الشركات، هي أمر هام لا شك فيه حيث بلغ وسطي نسبة هذه الزيادة حدود 33% حيث كان أقصاها في شركة السجاد في دمشق والسويداء، لكن هذه النسب المنفذة على أهميتها لا تزال أقل من النسب المخطط بكثير وسنتبين في الجدول التالي هذه المشكلة بوضوح: الجدول (رقم 4)

إن النسب المنفذة مما كان مخططاً له بالنسبة لهذه الشركات تبلغ وسطياً 32% أي أن ما أنتج هو ثلث ما كنا ننوي إنتاجه، وهذه النسبة متدنية تماماً، وقد لا تجد تفسيراً لها إلا في عدم إنفاق الاعتمادات، التي بينا سابقاً أنه تم اعتمادها على الورق فعلياً، ولم يتم استخدامها عملياً في تنمية إنتاجنا. 

كما أن الجداول أوضحت أيضاَ أن الطاقة الإنتاجية المخططة لهذه الشركات، التي يتصاعد إنتاجها أقل من الطاقة المتاحة، أي أن حالها كحال باقي الشركات المتهاوية الإنتاج، في هذه الناحية. حيث لم يشكل الإنتاج المخطط أكثر من 20% من الطاقة المتاحة لإنتاج السجاد الصوفي في دمشق والسويداء، و45% في الألبسة الداخلية، و65% من الطاقة المتاحة في الألبسة الجاهزة.

نقص في العمالة!

لم يبين التقرير زيف الإدعاءات الحكومية بالعمل على زيادة الإنتاج، والتمسك بالقطاع العام والاستثمار فيه، بل بين أيضاً ادعاءً آخراً لطالما جادت علينا الحكومية به، وهو وجود عمالة فائضة في القطاع العام تستدعي التسريح، وعدم التوظيف لأرقام كبيرة، حيث بين التقرير وجود نقص في العمالة بكل المجالات، وهو أمر عام تشترك به كل شركات قطاع الغزل والنسيج حيث شهدت نزيفاً كبيراً بخبراتنا الوطنية، ناهيك عن عمليات تسريح كثيرة، جرت تحت تبريرات مختلفة، كان هدفها عملياً ضرب الإنتاج في القطاع العام، حيث كان المخطط تأمين 22359 عامل لتنفيذ الخطة المقررة، في الربع الأول، بينما لم يتم تأمين إلا 18907 عمال منهم أي بنقص 15 % من العمال ما يعادل 3452 عامل.

ومن الملاحظ أيضاً أن أكبر نقص حاصل في العمالة، أصاب الأقسام الإنتاجية المباشرة، حيث بلغ النقص حوالي 41% مما هو مطلوب.

كما بلغ النقص في العاملين في قسم الإدارة نسبة 37%، والعاملين في قسم الخدمات نسبة 39% أما العاملين في الأقسام المساعدة فبلغ نقصهم 32%. ويضاف إلى كل هذا التراجع وجود 434 من العمال المرضى والعجزى وفق ماجاء في التقرير و326 عامل من التاركين و993 من العمال المندوبين. لكن المفارقة تكمن أيضاً في وجود 5225 عامل في الشركات المتوقفة. 

إن التفاصيل السابقة تؤكد بما لا يدعو مجالاً للشك، أن كل ماسوقته الحكومة عن عمالة فائضة في القطاع العام، هو محض إدعاءات، كما أن ادعاءاتها حول انخفاض الإنتاجية المبنية على فائض العمالة باتت تبريراً واهياً يستدعي التراجع عنه.

إن كل ماخلص له التقرير، يفضي إلى نتيجة واضحة، وهي: أن السياسات الحكومية لا تعمل إطلاقاً على زيادة الإنتاج، وتحديداً في القطاع العام، وهذا إذا أحسنا النوايا، فنقص الاستثمار في هذه القطاعات ليس محض صدفة. كما أن نقص العمالة أيضاً في الوقت الذي يبحث السوريون فيه عن أي عمل يسدون به رمقهم، هو من عجائب سياساتنا الحكومية، ولا يمكن تفسيره إلا بمساع لتضليل الناس، حول أسباب تراجع الإنتاج والإنتاجية، في القطاع العام وتراجع بالتالي عن دور هذه القطاعات، في تخفيف الأزمة وإنعاش اقتصادنا ولقمة عيشنا.