بقايا الاستثمار في التعليم والتربية.. مستقبل مجهول لأجيال قادمة
عدي إسبر عدي إسبر

بقايا الاستثمار في التعليم والتربية.. مستقبل مجهول لأجيال قادمة

ينظر للإنفاق على التعليم على أنه إنفاق استثماري طويل الأجل يهدف إلى خلق منظومة متكاملة من الأفراد المختصين، الذين يمتلكون من الخبرات والمهارات ما يمكنها من التماشي مع مستجدات الإنتاج الحديث، إذ أن الاستثمار في الأًول كالتدريب والتأهيل يعتبر أحد أهم روافع الإنتاجية في أي مجتمع.

تشير العديد من الدراسات إلى أن مخرجات التعليم لها اليد الطولى في زيادة مستوى الإنتاج والنمو الاقتصادي، إذ أن التطور في حقل التعليم يسهم في زيادة التراكم في رأس المال البشريّ الذي يساعد في تحقيق التقدم التقني، والذي بدوره يعد من مصادر التنمية المستدامة. ويذكر الاقتصادي الأمريكي ثيودور شولتز الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد، أن مفتاح النمو الاقتصادي يعتمد على نوعية السكان. ويعتقد شولتز أن البشر أنفسهم يمثلون الازدهار الاقتصادي، حيث أن رأس المال البشري يختلف عن النوعين الآخرين من رأس المال الطبيعي والآلي. وهنا نذكر في معرض الحديث وعلى سبيل المثال: أن التقدم الذي حققته النمور الآسيوية يعتبر مثالاً على مدى مساهمة التعليم في تحقيق التنمية الاقتصادية، إذ يعزو بعض الباحثين أن أحد أسباب هذا التقدم عائدٌ لإيلاء التعليم والتدريب أهمية كبيرة، بما ساهم في بناء قاعدة معرفية وتقنية ساعدت في تحقيق النهضة المجتمعية والاقتصادية لهذه الدول.


3,4% من الإنفاق الاستثماري!..

أما في بلادنا وفي ظروف الأزمة التي تهدد مستقبل أجيال كاملة، فنجد أن سياساتنا وقفت أشبه بالمتفرج على تردي الواقع التعليمي، حيث تظهر الأرقام الاسمية أن الإنفاق على التعليم بجزأيه (التعليم العالي والتربية)، في مسار تنازلي بدءاً من العام 2010 وهو العام السابق للأزمة، حيث بلغت نسبته 11.4% من الإنفاق العام، ليصل في العام 2015 لأدنى مستوى 6.3% في موازنة وصفت بأنها أضخم موازنة في تاريخ سورية!.
وبالبحث بشكل معمق سنجد أن حصة قطاع التعليم والتربية من الإنفاق الاستثماري المسؤول عن تطوير العملية التعليمية أو المحافظة عليها بالحد الأدنى، سنجد أنها آخذة بالانخفاض بشكل مستمر منذ ما قبل الأزمة وحتى الآن، وفيما يلي يبين الجدول حصة هذين القطاعين من الإنفاق الحكومي الاستثماري:
(جدول رقم 1)


67 مليون دولار فقط!!

إلا أنه وعند احتساب القيم الحقيقية آخذين بعين الاعتبار التدهور المستمر في قيمة الليرة السورية، نتيجة تردي الواقع الأمني والسياسي والاقتصادي الراهن، ونتيجة فشل المؤسسات الاقتصادية والنقدية في إيجاد حلول لهذا التدهور، نجد أن قيمة الموازنة في عام 2010 كانت (16.55) مليار دولار بسعر صرف (45.5) ل.س/$، بينما كانت موازنة 2014 تساوي (8.96) مليار دولار بوسطي أسعار الصرف الرسمية الصادرة عن البنك المركزي (155) عن العام المذكور .
وبلغت القيمة الحقيقية لموازنة 2015، (11.53) مليار دولار مقوّمة بوسطي سعر الصرف الرسمي لشهر آذار بـ 210 ل.س/$ للدولار الواحد تقريباً.
وفيما يلي نبين وفق الجدول، الانخفاض الكبير لحجم الإنفاق الاستثماري الحكومي الفعلي على التعليم والتربية، فيما لو قيمناه بالدولار ولو أخذنا وسطي سعر الدولار وفق نشرات المصرف المركزي:
(جدول رقم 2)
إن الانخفاض الفعلي في الإنفاق الاستثماري الحكومي وفقاً لموازنة عام 2015 بلغ حدود 85% مما كان عليه في عام 2010، وهو ما يهدد بكارثة حقيقية على مستقبل أجيال بكاملها في المستقبل المنظور.


الطالب اللبناني ضعف السوري!

قد يتذرع البعض بأن الأزمة هي السبب الرئيسي لانخفاض الإنفاق على التعليم، لكن الحقيقة تشير إلى أن معدلات الإنفاق على التعليم في سورية في عام 2010 أي ما قبل الأزمة هو من أقل المعدلات في المنطقة العربية، وبحسب أحد التقارير العربية حول التعليم في سورية كانت حصة الطالب في سورية من الإنفاق على التعليم عند (800) دولار سنوياً، وبفرض بقاء عدد الطلاب ثابتاً في ظل غياب إحصاءات معلنة نجد أن هذا الرقم يتهاوى لـ (234) دولاراً في العام 2014 بالأرقام الحقيقية. بينما بلغ هذا المعدل (1800) دولار في لبنان وتونس، و(8000) دولار في السعودية.


ماذا عن نوعية التعليم؟!

على الرغم من مجاهرة الحكومات المتعاقبة بمجانية التعليم وما لهذا القطاع من نصيب من الدعم الاجتماعي، إلا أن السؤال الذي يجب الوقوف عنده: ما هي الميزة التي تضفيها الجامعات والمدارس السورية على خريجيها؟.
الواقع الملموس، يشير إلى أن هذه الحكومات لم تعن بنوعية مخرجات التعليم، بمعنى آخر اهتمت بالكم وليس النوع في ظل غياب مكملات المنظومة التعليمية، من مراكز تدريب وتأهيل ومراكز دراسات وأبحاث، وأنها تقوم من حيث لا تدري بتفريغ التعليم من مضمونه الحقيقي. وأبرز ما يدل على هذا، التصنيف المتدني الذي تحتله الجامعات السورية مقارنة بمثيلاتها في العالم.
إن نظرة استشرافية للمستقبل عند انتهاء ما نكابده اليوم، باتجاه انتهاء الحرب والشروع بإعادة الإعمار، قد تثير القلق لجهة من الذي سيقود هذه العملية في ظل غياب الكفاءات وفي ظل التدهور المتواصل لواحدة من أهم الأسس التنموية لأي مجتمع. سؤال سيبقى معلقاً إلى أن تنجلي ضبابية المشهد السوري، والآلية التي سيتم خلالها إعادة الفرز السياسي-والاقتصادي الاجتماعي.