المتقاعدون.. رواتب بمعايير عالمية وغير إنسانية!

المتقاعدون.. رواتب بمعايير عالمية وغير إنسانية!

خرج وزير العمل بتاريخ 12-4-2015 ليدلي بأحد الأرقام التي تعبر عن مستوى تراجع الأجور الموزعة على المتقاعدين، وورثة رواتبهم التقاعدية في سورية، ويؤكد بأن زيادة رواتب المتقاعدين مسألة غير مطروحة، لمخالفتها للمعايير العالمية، ولجوانب تتعلق بالموازنة ونفقاتها!.

قاسيون

المفارقة أن تصريح الوزير يعلن رقم 2 مليار ل.س شهرياً، وهو يتناقض مع كتلة رواتب المتقاعدين في الموازنة، ويتناقض أيضاً مع تصريح سابق لمدير المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية الذي أعلن أن الكتلة الشهرية لرواتب المتقاعدين هي 7 مليار ل.س!.

وهذا التضارب يدل على أن المعلن من الأرقام شيء، والواقع الفعلي شيء آخر،  وهو نتيجة طبيعية لعدم وجود رقم معتمد صادر عن المكتب المركزي للإحصاء، سواء لإحصاء المتقاعدين والقوى العاملة عموماً، أو غيرها من البيانات، حيث لم يعلن المكتب خلال الأزمة، عن أي مجموعة إحصائية متكاملة، كما لم يؤكد أو ينفي أو يعتمد أي رقم معلن حكومياً،  لأسباب لا تتعلق بإمكانيات المكتب، أو قدرة كادره، أو توفر المعلومات، بل لأسباب (سياسية) غالباً!

قاسيون ستناقش وسطي رواتب المتقاعدين، بناءً على الأرقام والتصريحات الحكومية المتضاربة، وفق المعيار الإنساني المرتبط بالظروف الحالية، وخارج المعايير العالمية التي تلتزم بها الوزارة لتحديد معاشات التقاعد.

بحسب التصريح فإن أجور المتقاعدين توزع على 550 ألف معاش تقاعدي، 250 ألف منهم حي، و300 ألف ورثة راتب تقاعدي.

وسطي رواتب المتقاعدين

بين 3600 و12700 ل.س

بحسب التصريح أيضاً فإن كتلة معاشات التقاعد الموزعة على 550 ألف متقاعد بين حي، وورثة، تبلغ شهرياً 2 مليار ل.س.

وبالتالي فإن الحسبة البسيطة للوسطي الشهري للراتب التقاعدي في سورية تبلغ: 

2 مليار ل.س ÷ 550 ألف راتب تقاعدي= 3636 ل.س فقط.

إن هذا الرقم وسطي يحمل دلالة على وجود معاشات تقاعدية متدنية إلى حد بعيد، وتحديداً في ورثة المعاشات التقاعدية، فعلى سبيل المثال مقابل رواتب تقاعدية تبلغ 23 ألف ل.س تكفي لحاجات المتقاعد الأساسية ولا تغطي حاجاته الصحية الطارئة، ولا تسمح له بإعالة أحد، هناك حالات يحصل فيها ورثة المعاشات التقاعدية القديمة على مبالغ لا تتجاوز 1500 ل.س، وهي ليست أكثر من (تذكار من راتب الفقيد في زمن ما)! ومن المعيب إدراجها وتعدادها كمعاش تقاعدي.

أما وفق رقم مدير المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية خالد الحلقي بتاريخ 7-4-2015، فإن الكتلة الموزعة هي 7 مليار ل.س شهرياً، فإن وسطي الراتب الشهري للمتقاعد يبلغ 12727 ل.س محسوبة وفق (7 مليار ل.س ÷ 550 ألف راتب تقاعدي) وهذا التصريح يتفق تقريباً مع كتلة أجور المتقاعدين الإجمالية في موازنة عام 2015 البالغة 87 مليار ل.س، ولكنه يبقى أقل بكثير من الحاجات الضرورية لأي متقاعد.

بناءً على تصريح الوزير

إن البناء على تصريح وزير العمل والأخذ به، باعتباره أعلى جهة تنفيذية مسؤولة عن القوى العاملة في سورية، يفتح الكثير من التساؤلات، التي تتطلب إما الإعلان عن الرقم الدقيق لرواتب المتقاعدين، أو توضيح لماذا الكتلة متضائلة إلى هذا الحد؟

فإذا ما كانت رواتب المتقاعدين الموزعة فعلياً هي 2 مليار ل.س شهرياً، فإن الكتلة السنوية تبلغ 24 مليار ل.س، وهذا يطرح تساؤلاً حول الرقم المعلن في الموازنة الحكومية، ومن أتاح اختصاره من 87 مليار ل.س، إلى 24 مليار ل.س، بفارق أكثر من 60 مليار ل.س؟!.

توزيع التعويض المعاشي!

إن مرسوم توزيع التعويض المعاشي البالغ 4000 ل.س شهرياً، شمل المتقاعدين والرواتب التقاعدية، إلا أن المفارقة، أن ورثة المعاش التقاعدي لم يحصلوا على 4000 ل.س كاملة، بل اقتطع منها 500 ل.س شهرياً، لأسباب غير واضحة أو مبررة، وهذا الاقتطاع يمثل مبلغاً شهرياً: 150 مليون ل.س، وسنوياً 1,8 مليار ل.س، ينبغي أن تتوضح وجهة إنفاقه، أو المبرر القانوني لاختصاره!..

أما إذا أضفنا كتلة التعويض المعاشي 4000 ل.س، والتي شملت الرواتب التقاعدية، فإن المبلغ الإجمالي الذي من المفترض أن يوزع شهرياً هو 2,2 مليار ل.س (4000 ل.س× 550 ألف معاش تقاعدي)، أو 2,1 مليار ل.س مع تقليص 500 ل.س لمعاشات ورثة الراتب التقاعدي. 

وبهذا يظهر التناقض أيضاً بين التصريحات الرسمية المرتبطة بالموضوع، فالوزير تجاهل رقم التعويض عند إعلانه عن كتلة الأجور الموزعة في 2015 للمتقاعدين شهرياً، أما مدير المؤسسة العامة للتأمينات، فقد أشار إلى أن كتلة التعويض المعاشي تبلغ 1,6 مليار ل.س دون توضيح التفاصيل، فهل عدد المتقاعدين يختلف بين الوزير ومدير المؤسسة أيضاَ؟!

(المعيار الإنساني المُغفل)!

المعيار العالمي والاتفاقيات الدولية والعربية حول قطاع التأمين، تضع حدوداً دنيا، وهوامش غير ملزمة للنسب التي يحدد الأجر التقاعدي على أساسها، وتضع أعرافاً تقتضي أن يكون الأجر التقاعدي أقل من الأجر الفعلي عند انتهاء الخدمة. إلا أنها بعد أن تدرج الآليات والطرق المحتملة، تضع معياراً موضوعياً، قائماً على فكرة أن يبقى المعاش التقاعدي قادراً على سد حاجات مستوى المعيشة الضروري.

ينتقي المسؤولون عن القطاع التأميني في سورية، الالتزام بما يناسبهم من المعايير العالمية، ويتجاهلون أخرى، فوسطي أجور المتقاعدين في سورية، وفق أعلى الأرقام المعلنة، يبقى أقل من الحد الأدنى للأجور البالغ 13670 ل.س، أو 17 ألف ل.س تقريباً بعد التعويض المعيشي!.

بينما مقابل هذه الأرقام فإن الحاجات الضرورية لشخص واحد فقط تتجاوز 20 ألف ل.س شهرياً، في ظروف الازمة، وكثرة المتطلبات الطارئة، حيث من الممكن أن يستهلك أجار النزوح على سبيل المثال الراتب التقاعدي لمن مارس عمله لمدة 30 عام.

لذلك فإن المعاشات التقاعدية في سورية مخالفة للمعايير الإنسانية المرتبطة بتأمين الحاجات الضرورية لشخص، مع من يعيل، وهذا ينطبق على الأجور السورية إجمالاً!.

ربع المتقاعدين..(مفقود)؟!

أعلن الوزير أن تعداد المتقاعدين الذين توزع لهم كتلة مالية هم 550 ألف معاش تقاعدي، 250 ألف منهم لمتقاعدين أحياء، و300 ألف متقاعد متوف ليحصل ورثة الراتب ومستحقيه على مبالغ ضئيلة.

والرقم المعلن ينبغي التوقف عنده، حيث أن عدد المتقاعدين الأحياء المشمولين ضمن تعداد القوى العاملة الإجمالي بلغ 361 ألف في عام 2010، ونسبة نمو تعداد المتقاعدين بين عامي 2007-2010 ،كما احتسبت قاسيون في ملف سابق، بلغت وسطياً 8% سنوياً، أي أن المتقاعدين كانوا يزدادون سنوياً، وهو مؤشر إيجابي يدل على قدرة أعلى للسوريين على التوقف عن العمل والاعتماد النسبي على الرواتب التقاعدية، لإعالة من خدموا كقوى عاملة لعشرات السنين.

إن تراجع عدد المتقاعدين بمقدار الربع تقريباً، خلال أعوام الأزمة الأربع يحمل دلالاته، فتراجع عدد المتقاعدين من 361 ألف إلى 250 ألف أي بمعدل 90 ألف متقاعد، له عدة دلالات وتفسيرات كلها سلبية، أولها أن السوريين يسعون جهدهم للبقاء في عداد القوى العاملة واستهلاك سنوات الخدمة للحد الأقصى، خوفاً من التقاعد الذي يقلص من الأجر الشهري، الذي لا يفي غرض استهلاك حاجات غذاء أسرة صحي، بأفضل حالاته، وهذا النتيجة الطبيعية لتراجع قدرة القوى العاملة الشابة على إيجاد العمل أولاً، وعلى إعالة من هم بحاجة للإعالة من أطفال أو كبار بالعمر إن عملوا!.

كما يحمل دلالة على ازدياد هام في حالات الوفاة والهجرة، أو الخروج من إنفاق الحكومة على المعاشات التقاعدية، أي إيقاف رواتب تقاعدية لمن تقاعدوا سابقاً.

(فخر المعايير العالمية)!

يفتخر المسؤولون عن القطاع التأميني السوري، بالنسبة التراكمية التي تضاف عند احتساب الراتب التقاعدي، والبالغة 2,5 % على اعتبارها أعلى نسبة معيارية عالمياً وتجاوزها يعتبر خروجاً عن المعايير!، وهي النسبة التي تحسب وفقها معاشات التقاعد مع سنوات الخدمة ووسطي الراتب في السنوات الأخيرة.

بينما يتضح أن النسب أعلى في اليمن وتبلغ 2,8%، ولا يوجد سقف للراتب التقاعدي، أي من الممكن أن يأخذ المتقاعد اليمني نسبة 100%، ليحافظ على دخله ذاته بعد التقاعد، أما في سلطنة عُمان النسبة 4% مع احتساب نسب لبدل السكن، وبدل الكهرباء، وبدل الماء، وأخيراً تبلغ النسبة في السعودية 3,2%!. لتسجل هذه الدول (خروجاً) عن المعيار العالمي غير الملزم الذي تلتزم به الحكومة السورية وهو 2,5%!. 

أما نسب الاقتطاع، أي النسبة المأخوذة من الراتب شهرياً، خلال سنوات العمل فتبلغ في سورية 22% بينما في السعودية 18%، أما في اليمن النسبة 13%.