استيراد السكر: 51% تضخيم الكلف.. فهل تم هدر 69 مليون يورو لذلك؟
لا يخفى على أحد بأن العقوبات المفروضة على سورية هي واحدة من أهم مسببات ارتفاع مستويات الأسعار وتحديداً في السلع المستوردة، حيث تفرض العقوبات صعوبة توريد كميات كبيرة، وصعوبات في المدفوعات، وارتفاع كلف التأمين نتيجة ارتفاع المخاطر..
على سبيل المثال بينت معلومات من وزارة النفط وهيئة التخطيط حصلت عليها قاسيون في عام 2013، أن استيراد الحكومة السورية لحاجاتها من المشتقات النفطية قد تطلب زيادة 15% كلف إضافية على كلفة استيراد الليتر من المازوت أو البنزين المستورد، عرفتها المعلومات الحكومية ككلف تأمين ونقل، وهذه النسبة هي على مواد مستوردة لصالح الحكومة مباشرة ما يزيد من الصعوبات وبالتالي الكلف.
وبناء على العقوبات، فإن الجهات العامة ادّعت أنها مضطرة للجوء إلى الشركات الخاصة، أو الموردين الخاصين للقيام بعمليات استيرادها -مع أن هذه الطريقة هي المتبعة تاريخياً في تأمين مستوردات الجهات العامة حتى قبل العقوبات- مع ما يفرضه هؤلاء من أسعار مرتفعة بذريعة ارتفاع المخاطر والتأمين.
ويرتب هذا كلفاً كبيرة غير مبررة مدفوعة من المال العام، ليتم التغاضي عن هذه الكلف حكومياً، بذرائع من نوع (ضرورة تأمين السلع أياً تكن التكلفة).. إلا أن الحكومة غير مخولة بالتفريط بالمال العام بتضخيم كلف المستوردات وتحقيق أرباح مبالغ بها للتجار المستوردين، حتى وإن كان بداعي استيراد الحاجات الغذائية الأساسية مثل السكر الذي سنتحدث عن أرقامه..
تكلفة الطن عالمياً 292 يورو فما بال الحكومة؟!
في شهر 4-2014 أعلن المصرف التجاري السوري، أنه موّل المؤسسة العامة للخزن والتسويق بقرض بقيمة 170 مليون يورو، لاستيراد 300 ألف طن من السكر وذلك في حديث مدير المصرف حول تمويل المصرف لجهات القطاع العام في الربع الأول من عام 2014، أي أنه وفق عقد مؤسسة الخزن فإن تكلفة استيراد الطن من السكر تبلغ 566 يورو فما هي التكلفة العالمية لطن السكر..؟
وفق أسعار السكر العالمية المبنية على بيانات البنك الدولي، ومن نشرات الأسعار العالمية، فإن السكر في عام 2014 بلغ أعلى سعر له في شهر تموز 2014 ولكنه لم يتجاوز 380 $ للطن، أي ما يعادل بسعر اليورو مقابل الدولار في الفترة ذاتها 292 يورو لطن السكر، وهو أعلى سعر عالمي في 2014. وقد شهدت أسعار السكر انخفاضات في نهاية العام بنسبة 20% عن السعر الأعلى المذكور، ليبلغ سعر الطن 304 $ في شهر 12-2014، أي ما يعادل 233 يورو. وفق سعر اليورو المرتفع في حينها مقابل الدولار (1 يورو= 1,3 دولار).
فرضية النقل والتأمين 15%..!
وكي لا نتجاهل كلف النقل والتأمين في تقدير التكلفة، سنعتبر أن كلف التأمين والنقل في استيراد السكر من قبل مستورد خاص، تعادل نسبة التأمين والنقل في استيراد المحروقات لصالح الحكومة أي تعادل 15% من التكلفة، بينما المنطق يقول أن تكون التكلفة على القطاع الخاص أقل من ذلك، وتحديداً أن المواد الغذائية الأساسية والدوائية مستثناة من العقوبات!.
وبكل الأحوال فإن افتراض تكاليف النقل والتأمين تنقل أعلى تكاليف لطن السكر المستورد من 292 يورو إلى 336 يورو. (44 يورو إضافي تعادل 15% من التكلفة الأعلى).
230 يورو عن كل طن سكر من المال العام لخزنة التاجر!
وبناء عليه فإن المسؤولين عن توقيع عقد تمويل صفقة توريد 300 ألف طن سكر، قد قدموا للجهة الخاصة الموردة مبلغ 230 يورو في الطن كربح صافي، وهذا إذا ما افترضنا أن هذه الجهة الخاصة قد استوردت بأعلى سعر عالمي، وإذا افترضنا أنها بالفعل تكلفت نقل وتأمين بنسبة 15% من التكلفة!!
ورقم 230 يورو ربح صافي للشركة الموردة، هو الفرق بين ما دفعته الحكومة وفق العقد 566 يورو للطن، وبين تقدير أعلى تكلفة عالمية، مع تكاليف النقل والتأمين البالغ 336 يورو.
أي أن مبلغاً يقارب 69 مليون يورو هي مجموع التكاليف غير المبررة في صفقة استيراد 300 ألف طن سكر، وهي أرباح من نهب المال العام تحصل عليها الجهة الخاصة المستوردة والسماسرة المسؤولين عن الموافقة على الصفقة والمتغاضين عن عدم التدقيق في أرقام من هذا النوع، تحت ذريعة: (تأمين السلع أياً كانت كلفتها!).
مزيد من الأسئلة حول (الصفقة)..
نشرت الصحف المحلية في الشهر الحالي آذار -2015 معلومات تتعلق بهذه الصفقة، مركزة على الإشكالات المتعلقة بعقود تأمينها مبررة الكلفة المرتفعة في سياق التبريرات الحكومية فأوردت للتغاضي عن التكلفة أن الحكومة (تلجأ أحياناً إلى شركات خاصة لتأمين انسياب بعض المواد الأساسية مهما كانت كلفتها، حرصاً على توفير السلع في الأسواق المحلية رغم الحرب). ليتبين أن التغاضي عن الكلف، يخبئ وراءه نهب بمقدار 69 مليون يورو وفق تقديرات قاسيون.
المعلومات المنشورة تفيد في طرح مزيد من الاستفسارات حول هذه الصفقة، حيث تبين أن (الخزن والتسويق) قد ارتكبت مخالفات عدة، أولها أنها لم تتعاقد على تأمين السكر المستورد مع الشركة السورية للتأمين، وأنها لم تأخذ موافقتها على توقيع عقد التأمين مع شركة خاصة، وكلا الأمرين مخالف للقانون.
ثانياً تطرح المعلومات سؤالاً محقاً بحسب الصحف المحلية، حول توقيع العقد في حزيران، وتوريد جزء من السكر (140 ألف طن)، ثم إرسال العقد إلى الشركة السورية للتأمين، فكيف تم شحن البضاعة دون عقد التأمين؟.
ما يفتح احتمال كون المواد غير مستوردة بل موجودة داخل البلاد، وهذا الاحتمال قد يعني أن 140 ألف طن قد كلفت المال العام 79 مليون يورو، ربما لم تستورد بل كانت مخزنة..!
الاستيراد المثقل بالفساد يحدد كلف الدعم..
وفق التقديرات المنطقية لكلفة استيراد السكر، فإن أعلى تكلفة في 2014 مع كلف النقل والتأمين تبلغ 336 يورو للطن، إلا أن كلف السكر التي دفعتها المؤسسة العامة للخزن والتسويق في صفقة استيراد 300 ألف طن سكر عام 2014 عبر جهة خاصة (تاجر أو شركة) بلغت: 566 يورو للطن أي ما يعادل وفق السعر الحالي لليورو: 135 ألف ل.س للطن ( 1 يورو= 238 ل.س)، وتكلفة للكغ 135 ل.س.
إذا كان هذا السكر مخصصاً للبيع وفق القسائم التموينية، أي بسعر 50 ل.س للكغ، فإن الدعم على الكغ سيبلغ 85 ل.س للكغ.
قد يخرج بعد هذا أحد المروجين أو الناطقين الحكوميين بلسان الليبرالية الاقتصادية والفساد ويقول على سبيل المثال: (ندعم كغ السكر بـ 85 ل.س، وهذه تكلفة كبرى، لذلك علينا أن نرفع سعره آسفين)!، (مُغفلاً) أن يقول: (66 ليرة من الدعم على (سكر الصفقة) يعود للنهب والسمسرة)!.
ومن مثل هذه الصفقات المثقلة بتكاليف الفساد، تعلن الحكومة بأنها تتحمل أعباء مرتفعة على دعم المواد التموينية أو غيرها، ليحقق الليبراليون الاقتصاديون دعاة رفع الدعم هدفين: أولهما أرباح كبرى لكبار التجار وعمولة للسماسرة، وثانيهما كلف مضخمة تقدم (الحجة والبرهان) لضرورة رفع الأسعار بذريعة الحفاظ على المال العام!.