اليـوم الأخـير مـن 2014 ـ تـرخيص الخليوي: قرار خصخصة المال العام!

اليـوم الأخـير مـن 2014 ـ تـرخيص الخليوي: قرار خصخصة المال العام!

في اليوم الأخير من عام 2014، حسم مجلس الوزراء السوري قراره بتحويل عقود شركات الاتصالات الخليوية، من عقود شراكة (bot)، قائمة على ملكية عامة لشبكة الاتصالات الخليوية، مع إدارة وتشغيل خاص، إلى عقود ملكية خاصة للقطاع وتقليص حصة الدولة.
عهدت الدولة منذ عام 2001 لشركات اتصالات عالمية واقليمية، لتأسيس شبكة الاتصالات الخليوية في سورية (GMS)، لصالح المؤسسة العامة للاتصالات، وفق عقود (bot بناء-تشغيل-تسليم) يلتزم فيها المتعهد الخاص بتوريد وتركيب التجهيزات اللازمة، ثم تقوم الشركات المشغلة ببدء العمل والتشغيل، وتحصل على حصة هامة من الإيرادات طوال مدة العقد، تسترد فيها تكاليفها، وتحصّل أرباحاً، ليتم عند انتهاء العقد تسليم الجهات العامة عمليات الإدارة والتشغيل، ومجمل الإيرادات. المشغلان هما شركة mTN، وشركة سیریتل.
هذه الشراكة كان من المفترض أن تنتهي بعد  15 عاماً من تاريخ التشغيل أي في 2015 قابلة للتمديد، على أن تصل حصة الدولة في سنوات التمديد إلى 60% من الإيرادات.
الحكومة السورية في أوقات الحرب الحالية، تُسلّم وفق عقود الترخيص المساهمين الكبار في هذا القطاع ستصل إلى مئات المليارات. حصلها قطاع الاتصالات في ظروف الحرب، وتراجع الاستهلاك الناتج عن عدم استقرار السوريين وتراجع مستويات معيشتهم!.
لدى الحكومة خيارات أخرى بالتأكيد، فما هي معايير اتخاذ القرار السليم للتصرف بهذا التدفق السنوي  للمال العام من إيرادات الخليوي، وتحديداً في ظل الحرب، نقص الموارد العامة، نسب الفقر البالغة 90%، وحاجة أكثر من نصف السوريين إلى الإغاثة، وتراكم مهمات إعادة الإعمار التي تتطلب تعبئة الموارد العامة وليس التفريط بها؟!

تساق الكثير من الذرائع لتبرير ضرورة اللجوء إلى ترخيص شركتي تشغيل قطاع الاتصالات الخليوية، أي نقل ملكية الشبكة للقطاع الخاص، وتستند بعض هذه الذرائع على العيوب الكبرى التي كانت سمة عمل القطاع في ظل عقود bot، والتي ستترسخ جميعها وتتفاقم في ظل نقل الملكية والحصة الكبرى من إيرادات الشركات، لمصلحة القلة الخاصة المتحكمة بهذا القطاع.
التنافسية والاحتكار
قطاع الاتصالات الخليوية في سورية، قطاع احتكاري بامتياز، والاحتكار ليس وجود عدد قليل من الشركات فقط، وإنما فرض أسعار احتكارية أي مرتفعة جداً قياساً بالتكاليف، وقياساً بمستويات الدخل، فقطاع الاتصالات السوري، هو في المرتبة 13 من أصل 15 دولة مدروسة  من حيث التنافسية أي في المراتب الاولى من حيث الاحتكار، وفي المراتب الأولى من حيث ارتفاع أسعار الخدمات وتحديداً تكاليف الرسائل النصية، بحسب دراسة لمجموعة المرشدين العرب حول قطاعات الاتصالات عام 2012.
يحاول البعض الربط بين احتكارية الأسعار في القطاع بوجود حصة للدولة فيه، وهذا الربط صادر عن الشركات نفسها، ويخدم مصلحتها، فعلى سبيل المثال صدرت تصريحات لعضو مجلس إدارة شركة سيرتيل  في جريدة الوطن عام  2010، تحمّل وجود الدولة كشريك، مسؤولية ارتفاع أسعار الخدمات وقال: (نحن في سيرتيل نرى أنه من مصلحة البلد والمواطن تحويل عقود  bot إلى تراخيص، حيث أن فرصة خلق منافسة في الوقت الحالي شبه معدومة ما دام هنام مشغلان اثنان فقط وشريك لهما ممثل بالمؤسسة العامة للاتصالات). في محاولة لتبرير رغبة الشركات بالتخلص من حصة الدولة المهمة في الإيرادات!.
وبينما يعتبر البعض أن المنافسة مع مشغل ثالث أو أكثر هو الحل لتخفيض الأسعار، يحاولون التسويق لفكرة أن وجود الدولة كمالك لشبكة الخليوي، وشريك في الإيرادات، هي التي تمنع المنافسة، ودخول شركات مشغلة جديدة.!
جميع هذه الذرائع غير منطقية، حيث أنه ما من تعارض قانوني بين دخول منافسين جدد للسوق، وبين الشراكة مع الدولة، كما ان الدولة ليست الطرف المشغل، وليست الطرف الذي يفرض الأسعار.
 الواقع الحالي الذي يقول بأن شركتين فقط تغطيان نسبة 99% من المساحة الجغرافية، ونسبة 55% من إمكانيات السوق، بحدود 12 مليون مشترك بين سيرتيل و mtn عام 2012. لن تدخلا بأي تنافس مع مشغل جديد، وستفرضان اتفاقيات احتكارية للتشارك مع الشركات التي تنوي الدخول إلى السوق السورية في المراحل اللاحقة.
إن التخلص من الاحتكار في قطاع الاتصالات الخليوية وتخفيض أسعار خدماته، لا يمكن أن يتم إلا بمساهمة الدولة في تخفيض سقف أسعار خدمات الاتصالات، وهي لن تتمكن من ذلك إلا إذا امتلكت جزءاً من شبكة الاتصالات الخليوية العامة. لذلك فإن تخلي الحكومة عن حصتها وتسليمها للقطاع الخاص، سيؤدي إلى دخول مشغل ثالث يتقاسم السوق مع الشركتين  الاحتكاريتين الحاليتين، بالأسعار المرتفعة ذاتها، ويلغي أي احتمالية لقدرة الدولة على فرض أسعار مخفضة للخدمات، طالما انها لا تملك أي جزء من شبكة الخليوي.
الخصخصة هي السائدة!
يبرر البعض قرار الحكومة، بأن الملكية الخاصة، هي الآلية العامة السائدة لإدارة قطاع الاتصالات الخليوية في دول المنطقة، إلا أن تقرير مجموعة المرشدين العرب في عام 2012، الذي أجرى دراسة مقارنة لعمل قطاع الاتصالات في مجموعة من الدول العربية، أشار إلى أن (فلسطين وسورية في المقدمة من حيث حصة القطاع الخاص المحلي من إيرادات قطاع الاتصالات الخليوية، بينما حلّت الإمارات العربية المتحدة في المرتبة الأولى في حصة القطاع العام من هذه الإيرادات، تليها السعودية) أي أن حصة القطاع الخاص السوري أعلى من حصة أي قطاع خاص محلي في قطاع الاتصالات في 15 دولة عربية مدروسة.
الحكومة تريد دعم الشركات!
في شهر آذار من العام الفائت 2014، شكلت رئاسة مجلس الوزراء لجنة مصغرة لمناقشة عقود التراخيص لشركات الخليوي، وجاء في الخبر الرسمي لوكالة سانا على لسان رئيس مجلس الوزارء أن الدافع هو: )حرص الحكومة على الوقوف إلى جانب شركتي الاتصالات الخلوية ومساعدتهما على الاستمرارية) يضاف إلى ذلك )أن الصيغة العقدية الجديدة يجب أن تحقق استثمارات إضافية تعزز الاستمرارية وتحقق أفضل الخدمات للمواطنين وعدم تحميلهما (الشركتين) أعباء مالية جديدة). سبق ذلك موافقة الحكومة على رفع الشركات لأسعار خدماتها في عام 2013 بنسبة وسطية 45%، بينما تضاعفت أسعار خدمات الانترنت  (3G). ذريعة الحكومة والمشغلين في ذلك الحين، هو خسائر الشركات من تغيرات سعر الصرف، ومن الظروف العامة للحرب في سورية.
إلا أن وقائع وأرقام الشركات لم تشر إلى تراجع فعلي في الإيرادات في عام 2013، وشهدت زيادات هامة في النصف الأول من عام 2014، عن النصف الأول من 2013، حيث وصلت نسب النمو إلى 29,9% في سيرتيل، و 35% في MTN، وهي نسب نمو استثنائية لم تسجلها إيرادات الشركات المعلنة قبل 2014.
نمت إيرادات الشركتين المشغلتين بنسب استثنائية في عام 2014، وبالتالي فإن المشغلين لا يحتاجان إلى دعم ومساندة حكوميين، بل إن المال العام هو من يحتاج أن يتم رفده بالمزيد من الإيرادات الناجمة عن ما يدفعه السوريون لقاء خدمات الاتصالات الخليوية التي أصبحت ضرورة وحقاً للجميع.
2014 إيرادات استثنائية وتكاليف منخفضة
من خلال بيانات القوائم المالية المنشورة لكل من الشركتين حول النصف الأول من عام  2014 بالمقاربة مع النصف الأول من ٢٠١٣، فإن أرقام مصاريف التشغيل الإجمالية، والإيرادات الإجمالية وحصة الدولة من الإيرادات في كلا الشركتين توصلنا إلى النتائج التالية:
• ازدادت إيرادات mtn في النصف الأول من 2014 بمقدار 6,9 مليار ل.س، مقابل زيادة في مصاريف التشغيل لا تتجاوز 819 مليون ل.س.
• ازدادت إيرادات سيرتيل في النصف الأول من 2014 بمقدار 7,88 مليار ل.س،  بينما انخفضت مصارف التشغيل في سيريتل بمقدار 2,4 مليار ل.س.
• حصة الدولة من إيرادات سيرتيل يجب أن تبلغ: 17 مليار، ومنmtn  في النصف الاول من 2014 يفترض أن تبلغ 13,2 مليار لم تعط بالكامل، والنقص يبلغ 2 مليار ل.س في النصف الأول من عام 2014.
أي أن النصف الأول من عام 2014 لم يشهد زيادة هامة في مصاريف التشغيل الإجمالية للشركتين، مقابل زيادة هامة في الإيرادات ناتجة عن ارتفاع الأسعار في شهر 9-2013.


لم تنخفض تكاليف الاتصالات الخليوية طوال فترة التعاقد، بينما أدت التغييرات في أشكال الدفع، إلى زيادة في الأسعار في بعض الحالات. بكل الأحوال فإن تكلفة الاتصالات الخليوية  في سورية تعتبر كبيرة، تحديداً إذا ما قيست بمستويات الدخل السوري الوسطي. فوسطي فاتورة اتصال شهرية بمقدار 2000 ل.س تشكل نسبة 10% من وسطي الأجور السورية البالغ 20 ألف ل.س، أما إذا كان صاحب الأجر ينفق على اتصالات شخصين فإن النسبة 20%. مع العلم أن 2000 ل.س، كانت تكفي لتغطية 333 دقيقة اتصال أي حوالي: 5 ساعات ونصف، أصبحت بعد الرفع في أيلول 2013، تكفي لتغطية 286 دقيقة اتصال أي حوالي: 4 ساعات وأربعين دقيقة خلال الشهر. أما خدمات الانترنت 3 جي، فقد ارتفعت أسعارها بنسبة 100% ، وارتفعت إيراداتها بشكل ملحوظ لدى الشركات وفق بياناتها.

تذكير بالحق العام
إن كانت الحكومة قد حسمت أمرها، بالتصرف في المال العام، والإيرادات المتوقعة من قطاع الاتصالات. فينبغي التذكير بالمبالغ التي لم تسددها الشركات من حصة الدولة، ومن الضرائب وهو ما أجريناه في قاسيون في ملفات سابقة نذكر بنتائجها:
• Mtn خلال أربعة أعوام من 2010 إلى 2013 كان من المفترض أن تبلغ حصة الدولة 50% لم تسدد بالكامل في أي عام من الأعوام، والمستحقات تبلغ بمجموعها 5 مليار ل.س.
• أما من حسابات قاسيون للمستحقات المتراكمة من حصة الدولة منذ عام 2005 إلى 2009 للشركتين فإن المبلغ المتراكم 2,1 مليار ل.س.
فالعقود تنص على نسبة 50% من الإيرادات الإجمالية، وعلى نسبة 14% من الأرباح كضريبة، وكل من النسبتين لا تؤخذان بالكامل في كثير من السنوات.

الاتصالات تمركز الثروة والربح.. لِمَن يتُرك المال العام؟!

على الرغم من أن الدولة تحصل على نسبة 50% من الإيرادات في السنوات الأخيرة من عقود التشغيل في قطاع الاتصالات (لا تحصل على النسبة التامة بفارق مئات ملايين الليرات في معظم السنوات)، إلا أن باقي الإيرادات توزع أرباحها الصافية بحسب نسب ملكية المساهمين الرئيسيين في رأس المال، وإلى هؤلاء المساهمين الكبار ستعود معظم الإيرادات التي ستستغني عنها الحكومة السورية بترخيص الشركات المشغلة!

أشار تقرير هيئة الأوراق المالية في عام 2011 بان شركات الاتصالات هي أكثر الشركات المساهمة  تمركزاً في سورية، أي ملكية موجوداتها أي إجمالي رأس مالها، وأرباحها الصافية الكبيرة تعود لعدد قليل من الأشخاص، ويظهر هذا من حصص أعضاء مجلس الإدارة في كل من الشركتين من رأس مال الشركة، وبالتالي من الربح الصافي لها.
شخصان في سيرتيل
نسبة ملكية أعضاء مجلس الإدارة الخمسة تبلغ: 82,7%  ونسبة ملكية كل من رئيس مجلس الإدارة، ونائبه  56,8%.
فإذا كانت الحصص من الربح الصافي بالنسبة ذاتها، فإن 5 أشخاص وجهات يحصلون على : 5,620 مليار ل.س خلال نصف السنة الاول من عام 2014 أي أكثر من 11 مليار ربح صافي تقديري في العام. من ضمنها  رئيس مجلس الإدارة ونائبه اللذين يحصلان على حصة من الربح الصافي تقدر بـ: 3,86 مليار في النصف الأول من 2014، أي 7,6 مليار ل.س في 2014.
جهتان أجنبيتان في MTN
نسبة ملكية أعضاء مجلس الإدارة تبلغ: 98,47%، تمتلك شركتان أجنبيتان هما (تيلي انفست، انفستكوم موبايل كومينكيشن) نسبة 96,47%.
فإذا كانت الحصة من الربح الصافي مماثلة للحصة في الملكية، فإن اثنين من أعضاء مجلس الإدارة، يمثلان شركتين أجنبيتين يحصلون على 1,98 مليار ل.س خلال ستة أشهر، وعلى 3,858 مليار ل.س في عام 2014 كاملاً. وبالنتيجة فإن:  4 من أعضاء مجلس الإدارة في الشركتين يحصلون على ربح صاف في عام 2014: حوالي 11,4  مليار ل.س في عام من أعوام الأزمة السورية، من ضمنها حوالي 7,6 مليار لرئيس مجلس الإدارة ونائبه في سيرتيل، و 3,85 مليار ل.س لشركتين أجنبيتين.  يجنونها مما دفعه السوريون لقاء خدمات الخليوي والانترنت. والأرقام بناء على الإفصاحات المالية للشركتين.
إن ترخيص الشركتين، وعودة ملكية الإيرادات إلى القطاع الخاص المساهم في الاتصالات، سيؤدي إلى تضاعف أرباح هذه القلة، بعد زوال حصة الدولة من الإيرادات والتي بلغت النصف!.

في الوقت الذي تتذرع الحكومة بنقص الموارد في ظرف الحرب الحالية، فإنها تتخلى عن موارد كبرى، لمصلحة قلة قليلة من الأشخاص، ولمصلحة شركات أجنبية مساهمة في شركتي سيرتيل، وmtn المشغلتين، فما هي المبالغ التي تتخلى عنها الدولة؟!

حصة المال العام من إيرادات الاتصالات من 2015-2020
الافتراضات الرئيسية:
 إيرادات 2014 الإجمالية للشركتين: 121 مليار ل.س محسوبة على أساس إيرادات النصف الاول×2.
 النمو السنوي للإيرادات: 5% سنوياً مأخوذة من وسطي نمو 4 سنوات قبل الازمة.
 الترخيص: الافتراض قائم على ما تم طرحه حول صيغة ترخيص الشركات في عام 2010: 2 مليار دولار تدفعها الشركات للدولة كتعويض + 25% من الإيرادات سنوياً. بسعر صرف 200 ل.س/$
النتائج:
 السيناريو الأول: الترخيص : 2 مليار دولار للدولة دفعة أولى ونسبة 25% سنوياً من الإيرادات.
مجموع الإيرادات: 415 مليار ل.س تتجه نحو النقصان.
 السيناريو الثاني: استمرار عقد bot : 50% للدولة في عام 2015، و60% منذ عام 2016
مجموع الإيرادات: 504 مليار ل.س تتجه نحو الزيادة.
 السيناريو الثالث: التأميم: تطبيق العقد بصيغته الأولى وعودة ملكية المعدات والتجهيزات إلى الدولة وقيامها بعمليات التشغيل وحصولها على الإيرادات كاملة.
مجموع الإيرادات: 862 مليار ل.س تتجه نحو الزيادة.


 
إن صيغة الترخيص هي الاكثر خسارة للمال العام من الصيغ الأخرى المطروحة، ليكون خيار تأميم الشركات أي عودة الملكية للدولة، كما كان متفقاً عليه في بداية العقود، هو أجدى الخيارات من حيث ضرورة تعبئة الموارد للمال العام، وضرورة تخفيض تكاليف الاتصالات التي تثقل على أجور السوريين، ومن حيث إيقاف هذا الانزياح الكبير غير المبرر في الربح، حيث يحصل كبار المالكين في شركات الاتصالات الخليوية وهم شخصان وجهتان أجنبيتان على دخل يصل إلى 11,4 مليار ل.س في عام واحد من اعوام الازمة، مما ينفقه السوريون!.

آخر تعديل على الأحد, 11 كانون2/يناير 2015 18:49