عن السيادة الوطنية والأمن الوطني في الاقتصاد!
تحت عنوان "الصينيون قادمون ولاضرر في ذلك" ناقشت مجلة فورين بوليسي الأمريكية قضية الاستثمارات الصينية في الولايات المتحدة. المقالة المنشورة على موقع الاقتصادي في أيار الماضي والموقعة باسم "جول باكلر" خلصت إلى نتائج حول أهمية الاستثمارات الصينية في الاقتصاد الأمريكي حيث: "أعلنت غرفة التجارة في الولايات المتحدة يوم 29 أبريل (نيسان)، وهي جماعة ضغط أمريكية، بأن الاستثمار الصيني في الولايات المتحدة فاق الاستثمار الأمريكي في الصين لأول مرة في التاريخ"، وفقاً لما جاء في المقال.
وانطلاقاً من تلك النقطة حاول "باكلر" أن يصل إلى نتيجة مفادها أن الاستثمارات الصينية مفيدة وغير ضارة للولايات المتحدة. وبغض النظر عما خلص إليه الكاتب، إلا أن اللافت في المقال، هو محاولة الكاتب الرد على الفكرة القائلة بوجود خطر على الأمن القومي الأمريكي جراء تزايد الاستثمار الأجنبي الصيني تحديداً، ويرى الكاتب أنه: "بالطبع، يقلق العديدون في الولايات المتحدة قلقاً مُحقّاً حول التهديد الذي يمكن أن يشكله الاستثمار الصيني للأمن الوطني والتنافسية المحلية". إن أهم ماثبته الكاتب في هذه الجملة حقيقةً هو أن أحد أهم محددات النشاط الاقتصادي في الولايات المتحدة هو "أمنها الوطني" و"حماية صناعتها الوطنية" من منافسة الواردات الأجنبية، وهذا أول ما يناقض بديهيات العقيدة النيوليبرالية التي آمنت بها وفرضتها الولايات المتحدة على معظم اقتصادات العالم.
دجل العقيدة الليبرالية!
لايزال العديد من المنظرين الاقتصاديين يدّعون التزام الولايات المتحدة بمعايير "موضوعية" لتقييم النشاط الاقتصادي قائمة على "الربحية" و"الكفاءة الإنتاجية" دون تدخل معايير "ذاتية" كالأمن الوطني و"الحمائية" والتي حاربتها الولايات المتحدة في كل اتفاقاتها الاستثمارية والتجارية الدولية، والتي على أساسها أُنشئت منظمة التجارة العالمية في تسعينيات القرن الماضي.
تزداد الصورة بؤساً حول العقل "الليبرالي" حينما يكشف "جول باكلر" عن فكرة يراها الغرب كفراً بالديمقراطية وتعدياً على حرمة النشاط الاقتصادي وهي فكرة تدخل الدولة بالنشاط الاقتصادي حيث يسرد الكاتب أنه: "في أكتوبر (تشرين الأول) 2012، وجد تحقيق أجرته لجنة الاستخبارات في مجلس النواب حول شركتي الاتصالات الصينيتين “هواوي” و”زيد تي إي” أن “المخاطر المرتبطة بإمدادات شركتي “هواوي” و”زي تي إي” من المعدات اللازمة للبنى التحتية الحساسة في الولايات المتحدة يمكن أن تقوّض مصالح الأمن الوطني الأمريكي الجوهرية"!. الطامة الكبرى في ذلك هي ليس الكشف عن تدخل الدولة كطرف منتج أو مشرف على النشاط الاقتصادي متمثل بقطاع عام أمريكي على سبيل الافتراض، بل في أن يتدخل جهاز أمني لا علاقة له بالنشاط الاقتصادي ووفقاً لوجهة نظر أمنية بحتة ليعبر عن رفضه لهذا النشاط!.
تصبحون على وطن.!
بالعودة إلى اقتصادنا الوطني، يحضرني سؤال موجع، فهل يمكن إقناع معارضي الفكر الليبرالي في البلاد المتحكمين بالنهج الاقتصادي بأن تقييم اقتصادنا من موقع الأمن الوطني وحماية الصناعة الوطنية لا يعبر عن "أدلجة" أو عن عقلية متخلفة، بل هو بالحد الأدنى معيار تستند له أكبر الاقتصادات العالمية و"أشدها" لبرلة. وفيما لو طلبنا من الجهات المختصة تقيماً أمنياً لمجمل النشاط الاقتصادي في سورية سابقاً وحالياً فماذا ستكون نتيجة هذا القرار، خاصة والكل يعلم أن دول الخليج التي أسهمت في إحراق سورية لاتزال تملك 20% من مصارفنا الخاصة ناهيك عن ممتلكاتها في البادية وقصور واستثمارات شتى.
وفي السياق ذاته ماذا سيكون رد هذه الجهات على الخبر المنشور مؤخراً في جريدة السفير اللبنانية والذي يقول بأن السيد أديب ميالة حاكم مصرف سورية المركزي يحمل الجنسية الفرنسية منذ عام 1993 وفقاً لوكالة "فرانس بريس" حيث أوردت الصحيفة أن:"محكمة الاتحاد الأوروبي قررت، اليوم، السماح لحاكم المصرف المركزي السوري أديب ميالة بالاستمرار في زيارة فرنسا، التي يحمل جنسيتها أيضاً، رغم عقوبات الاتحاد الأوروبي التي تشمله..."؟!!
هل ستغدو فرنسا دولة صديقة؟ أم أن معايير الوطنية والسيادة لاعلاقة لها بالاقتصاد والأمن الوطني؟!!