لماذا ارتفع سعر الدولار؟!
في أوقات الأزمات، ينتعش الطفيليون ممن يعيشون على سلب ما تراكم من عمل وإنتاج وثروات البلاد، نتيجة تراجع المنتجين الحقيقيين.. ويتحول دور الدولة إلى واحد من أهم محددات استطاعة الاقتصاد الصمود أم لا، وترتفع ضرورة وجود إجراءات نوعية غير مسبوقة، وسرعة ومرونة وجرأة في اتخاذ القرارات. في سورية خلال الأزمة، لا يزال القرار السياسي في الاقتصاد يتبنى بشكل كامل ومحكم الليبرالية الاقتصادية، أي يتبنى ازدهار الطفيليين.. لذلك تتكرر المضاربات على الليرة كواحدة من أهم مصادر ربح هؤلاء.. فجميع السياسات تدعم من يحاول أن يسلب آخر ليرة من (ليرات) أجورنا، ويستبدلها بعملة أقوى، أي تدعم الدولار، وتترك الليرة. إن كل موجة من رفع سعر الصرف، تذكرنا بكم الموارد الموجودة والمتاحة للسوق، وبالمفارقة بين طريقة (حمايتهم لليرة)! بتمويل السوق، وبين طرق الحماية الحقيقية لها بدعم السوريين.
لماذا ارتفع الدولار إلى 202! ولماذا سيعيد الكرّة..؟
ارتفع سعر صرف الدولار في السوق السوداء إلى 202 في أسواق دمشق بتاريخ بين 11-13 من الشهر الحالي ، وأثبتت السوق مرة أخرى أنها تتحكم بالسعر، وأن الحكومة تتجاوب فقط!
ما الأسباب الظاهرية لارتفاع شهر أيلول عام 2014؟ ما الآلية التي تجعل الاضطرابات السياسية تؤثر على الدولار والليرة في السوق؟
كيف تحفّز الإجراءات الحكومية السوق للتصعيد مرة أخرى؟ وهل صحيح أنه من غير الممكن إيقاف عملية ارتفاع سعر الصرف في ظروف الحرب؟
(داعش)- (التحالف).. وأصحاب الربح
الأوضاع الأمنية مضطربة بطبيعة الحال، ولكن احتمالات ضربات جوية أمريكية على سورية تهدد بأخذ العنف والفوضى إلى مستويات غير مسبوقة، حيث تعتبر إحدى آخر الفرص للولايات المتحدة التي أصبحت تعتمد على استمرار الدمار للمحافظة على معدل ربح، ومستوى هيمنة عالمية لا ترضى التراجع عنهما.
كما تعوّل الولايات المتحدة على الفوضى والدمار، فإن أمراء الحرب في سورية، وكبار أصحاب الربح، يجدون في عملة الولايات المتحدة، ملجأ لنهبهم، مقابل تدهور الليرة السورية. فالاضطراب الأمني، يؤثر على أصحاب الربح الكبير، من يحصلون على أرباحهم مما نخسره من أجورنا نتيجة ارتفاع الأسعار، أو نتيجة النهب المباشر للموارد. حيث يدفعهم الخوف من تدهور الليرة إلى تحويل أرباحهم المتراكمة من (ليراتنا)، إلى رؤوس أموال أكثر استقراراً وفي مقدمتها الدولار، والذهب، والعقارات. وهم يقومون بعملية التحويل هذه بشكل دائم، إلا أنها تتسارع في أوقات الاضطرابات، لتشكل فرصة للمضاربة.
(حيتان السوق) تطلق الشرارة
حيث يعتبر توقيت الفوضى وارتفاع الطلب على الدولار، التوقيت الأنسب لمن يملكون (حصة الأسد) من الدولارات في السوق، لرفع السعر والحصول على ربح سريع من المضاربة. حيث يطلقون شرارة رفع السعر، ليبدأ أصحاب الربح بموجة كبيرة من بيع الليرة، وشراء الدولار، ليرتفع السعر بزمن قياسي من 170 ل.س/$ في السوق السوداء إلى حوالي 202 ل.س/$..
فيبيع أحد كبار مالكي الدولار -وليكن (×)- مليون دولار فرضاً، بسعر صرف 202 ل.س/$، من خلال مكاتب وشركات الصرافة وهي الواجهة الرسمية للسوق السوداء. بينما يكون (×) هذا، قد حصل على المليون $ بسعر أقل في جولات سابقة.. وبفرض قيمة الدولار كانت 160، فإن الأرباح المباشرة من بيع (مليون دولار بسعر 202) تبلغ: 42 مليون ل.س خلال أيام معدودة.
(المركزي)- يرمّم (دولار الحيتان)
في كل مرة ترفع السوق السعر، وتنخفض قيمة الليرة مقابل الدولار، يتجاوب أصحاب القرار بطريقة تقليدية أحادية الجانب، وهي ضخ الدولار من احتياطي العملات الأجنبية لدى مصرف سورية المركزي، وبيعه للسوق وشراء الليرة مقابله. والذريعة أن الضخ يخفف الطلب على الدولار، ويخفض سعره مقابل الليرة.
وبالفعل ينخفض سعر الصرف بعد الضخ والاجراءات التقليدية للمصرف المركزي، حيث انخفض سعر السوق من 202 ل.س/$ بتاريخ 13-9-2014 إلى 192 ل.س/$ بتاريخ 18-9-2014.
يدعو المركزي شركات ومكاتب الصرافة، واجهات السوق السوداء إلى جلسة تدخل، يبيع من خلالها شريحة من القطع الأجنبي، بعشرات ملايين الدولارات، بسعر أقل من سعر السوق، لتعود الشركات والمكاتب لتبيعها للسوق. وبذلك يرمم كبار المحتكرون الدولارات التي باعوها، عن طريق شراء الدولارات التي باعها المركزي بكميات كبيرة، وبسعر أقل من سعر السوق، ويحصلون بذلك على ربح جديد، فشراء مليون دولار بسعر 182 ل.س/$، لا يزال يباع في السوق بسعر حوالي 192 ل.س/$، يحقق ربحاً بمقدار 10 مليون ليرة.
حيث باع المصرف المركزي في جلسة تدخل طارئة بتاريخ 14-9-2014 مبلغ: 10 مليون دولار بسعر صرف 187 ل.س/$. وينوي المركزي عقد جلسات ضخ أخرى، ليعيد السعر حسب تعبيره إلى 170 ل.س/$.. الجزء الأغلب من هذه المبالغ تنتقل إلى كبار السوق السوداء، ليرمموا ما باعوه من دولارات، تجهيزاً لجولة التصعيد القادمة.
تتكرر جلسات التدخل بشكل دائم، سواء رفعت السوق السعر أم لم ترفع، حيث باع المصرف المركزي 20 مليون دولار بجلسة سابقة بتاريخ 3-9-2014، وسبقتها جلسة بتاريخ 31-8-2014..
الظاهري والحقيقي
الأسباب الظاهرية لارتفاع السعر هي الفوضى والاضطراب الأمني، بينما السبب الحقيقي، هو امتلاك السوق للدولار وقدرتها على البيع بسعر مرتفع، وقدرة أصحاب الربح على تحويل أرباحهم بحرية من (ليراتنا) إلى دولارات، وأيّة دولارات؟! المقدمة بشكل رئيسي من دولارات احتياطي السوريين في المصرف المركزي السوري.
بالتالي تستطيع السوق أن تستغل الفوضى بسبب حرية امتلاكها للدولار بكميات كبيرة، وحرية بيع وشراء أصحاب الربح للدولار. أما تقييد الحكومة لشراء وبيع الدولار فهو شكلي، والدليل أن إجراءات المصرف المركزي، تصب بالنهاية في تجديد مستمر لتراكم الدولار لدى الكبار في السوق، وتعويض ما تم بيعه، والمزيد المزيد من حرية البيع والشراء..
أي أن سياسة التحرير النقدي الليبرالية هي أداة سيطرة السوق الرئيسية، والسبب الحقيقي الذي يسمح باستغلال السوق والفساد والمتلاعبين بقيمة الليرة لظروف الفوضى للحد الأقصى.
دفعة طوارئ وتدفق مستمر..
10 مليون دولار أو أكثر للضخ المباشر، بتاريخ 14-9-2014 هي حقنة الطوارئ لخفض سعر صرف الدولار المرتفع إلى 202 ل.س/$ قبل أيام من الجلسة. إلا أن عملية انتقال الدولار من احتياطي المصرف المركزي إلى السوق السوداء، لا تتوقف على الضخ المباشر، وإنما هي عملية مستمرة طوال العام بطرق متعددة، جميعها تمر عبر الوسطاء الماليين، الشركات- المكاتب- المصارف الخاصة.
• 10 مليون دولار يومياً وسطي ينتقل للمستوردين لتمويل المستوردات بحسب ما أعلنه مصرف سورية المركزي عن طريق صحيفة الوطن بتاريخ 22-6-2014.
• 1,5-2,5 مليون دولار يومياً حصة شركات ومكاتب الصرافة من حوالات السوريين، حيث سمح المصرف المركزي للوسطاء بالاحتفاظ بنسبة 20% من الحوالات. وفق قرار أعلنه حاكم مصرف سورية المركزي عقب اجتماع نوعي لمجلس النقد والتسليف بتاريخ 13-4-2014.
لينتقل للسوق خلال عام من الآن، مع استمرار هذا التدفق اليومي، حوالي 4.1 مليار دولار، بينما كانت توقعاتنا في شهر 4- 2014، تشير إلى أن المبلغ السنوي سيصل إلى حدود 2 مليار دولار. أي ضاعف المركزي من حجم انتقال احتياطي القطع الاجنبي إلى السوق، خلال خمسة أشهر.