مرفأ طرطوس.. أن تأتي متأخراً تزوير ـ توفير ـ ثمن الإهمال
تسجل الحكومة السورية عائدات منخفضة من رسوم التجارة الخارجية قبل الأزمة، وخلالها. فالمستوردات السورية أكبر من اللبنانية، والرسوم الجمركية السورية أعلى، إلا أن حصيلة إيرادات الرسوم الجمركية أقل من اللبناينة بمتوسط 5 مليار دولار خلال خمسة أعوام..! أي أن التسهيلات والتزوير والتغافل مدفوع الثمن، والإهمال يساهم بنهب 5 مليار دولار بالحد الأدنى من هذا القطاع خلال خمسة أعوام.. والتفصيل التالي من عمل الشركة العامة لمرفأ طرطوس، والجمارك يوضح وجهاً من وجوه تضييع هذا المال العام، وبالتأكيد توزيع جزء هام منه (سمسرة ومكافآت)!.
نشرت قاسيون في عددها رقم 657 مادة بعنوان : (من المرفأ مجدداً.. البضاعة ترانزيت أم استهلاك محلي والفرق 4-5 أضعاف) حول استيفاء رسوم خزن وتناول البضائع الواردة حسب مقصد البضاعة. حيث يأتي ضمن نظام الاستثمار في مرفأ طرطوس والجمارك باعتبارها منطقة حدودية، أن تستوفى رسوم بالقطع الأجنبي على طن البضائع الداخل إلى البلاد عبوراً فقط أي ترانزيت، وأن تستوفى بالعملة المحلية رسوم على البضائع الواردة لتستهلك داخل البلاد.
والتأكد من وجهة عبور البضائع، يجب أن يتم وفق البيان الجمركي، وبمسؤولية مشتركة لكل من الجمارك، وإدارة الواردات في مرفأ طرطوس، أي ضمن مسؤولية إدارة الشركة العامة لمرفأ طرطوس.
حيث تبين وجود تزوير لوجهة البضائع العابرة ترانزيت، وتسجيلها كبضائع للاستهلاك المحلي، ليستوفي المرفأ رسوماً من التجار بالليرة السورية، موفراً عليهم مبالغ بالقطع الاجنبي، خسرها المال العام طبعاً. والفوارق تتراوح بين 4-5 أضعاف بالإيرادات.
(إهمال) واضح..
منذ عام تقريباً، دفعت بعض الذرائع المتعلقة بالوضع الأمني، إلى السماح بتخزين البضاعة الواردة في مستودعات خاصة، سواء كانت هذه البضاعة ترانزيت، أم للاستهلاك المحلي. ونتيجة ذلك فإن البضاعة الواصلة إلى المرفأ والمنقولة لتخزن في مستودعات خاصة، تزور بياناتها التي يفترض أن تترجمها كل من الوكالات الملاحية الخاصة، والمخلصين الجمركيين (بعد أن تم الاستغناء عن خدمات شركة التوكيلات الملاحية العامة). ليتم تجاهل البيان الجمركي الذي من المفترض أن تستوفى الرسوم على أساسه، والعمل وفق أنظمة المستودعات الخاصة، وكل ذلك في ظل مشاركة وتجاهل الجهات الحكومية المسؤولة أي كل من مديرية جمارك طرطوس والشركة العامة لمرفأ طرطوس، بينما يعاد تصحيح الوجهة لاحقاً عند انتقال البضاعة إلى المستودعات الخاصة، بعد أن تكون الرسوم قد أخذت بالليرة عوضاً عن القطع الأجنبي، دون أن تدقق إدارة المرفأ بوجهة هذه البضاعة الموضوعة في المستودع وما الرسوم التي دفعتها. أي أن المرحلة الاستثنائية تم العمل فيها وفق أنظمة المستودعات الخاصة، وبإهمال البيان الجمركي، ما أتاح خسارة القطع الأجنبي، وتوفيره على التجار، والإهمال المتكرر للجهات الحكومية المسؤولة، بات يطرح أكثر من سؤال تم تداوله مؤخراً بين أوساط العاملين في المرفأ وشبكات التواصل الإجتماعي.
استدراك اللحظات الأخيرة!
بعد عامين على هذه العملية يصدر المدير العام السابق (والوزير الحالي للنقل)، وقبيل قرار ترفيعه من الإدارة للوزارة، في الحكومة الحالية، القرار رقم /78/ تاريخ 13/8/2014 وهذا نص القرار:
(اطلعت اللجنتان الإداريتان بالجلسة المشتركة الثانية لعام 2014 المنعقدة بتاريخ 6-8-2014، وبناء على كتاب الشركة العامة لمرفأ طرطوس رقم /4262/ ص.م.م، تاريخ 1-7-2014 ومرفقاته بخصوص موضوع البضائع التي تخرج من المرفأ ومقصدها سورية ويتم إدخالها إلى المستودعات الخاصة بأصحاب البضاعة وفق الأنظمة والقوانين الناظمة لعمل المستودعات الخاصة. وبعد المناقشة قررت اللجنتان الإداريتان ما يلي:
تحتسب جميع البدلات المترتبة على البضائع التي يتم إيداعها في المستودعات الخاصة بالقطع الأجنبي كما هو حال العمل بالبضائع التي يتم إدخالها إلى المناطق الحرة وبما ينسجم وقرار التعرفة النافذة وذلك اعتبارا من تاريخ 24-8-2014.)
أي أن إدارة المرفأ وبعد عامين من عملية الهدر، قررت أخيراً أن تؤمن كل رسومها بالقطع الأجنبي من البضائع الموضوعة في المستودعات الخاصة، وفي هذا إجراء وقائي، يمنع فوات الموارد على الدولة، وضياع المال العام.
مع العلم أنه لم يصدر أي قرار سابق يخالف القرار الحالي، الذي صدر حديثاً ليتم العمل به!
المسامح كريم..! لو تأتي متأخراً
يقال أن تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي أبداً، ولكن إن كان ثمن التأخير، هو ملايين الدولارات الضائعة على المال العام، فإن (كرم المسامح) يتحول إلى تغافل متوافق عليه، بالحصص والأرقام.. وهي حال مرفأ طرطوس الذي نهشته قوى الفساد، وتتركه منهك القوى. الإهمال المقصود الذي يثير الريبة ويفترض أن يتم التساؤل عنها، وأن يتم التحقيق في الأسباب التي دفعت إلى تجاهل تزوير وجهة البضائع خلال عامين، وثقها العمال وراقبوها تهدر في ظل تجاهل وحماية ممن تقع تحت مسؤوليتهم، حماية وإدارة المال العام!.