22 مليار دولار- بمناسبة أكبر الخسائر.. (بانوراما) للفساد في القطاع النفطي!
يتكرر كثيراً التأكيد على حجم الخسائر في القطاع النفطي السوري، وفي آخر الأرقام الصادرة عن الاتحاد المهني لنقابات عمال النفط أعلن عن رقم يصل 22 مليار دولار، أي حوالي 3500 مليار ل.س بسعر صرف 160ل.س/$.. وفي ظل الظروف الحالية ينفع الندم.. والتذكر بتشوهات قطاع النفط في سورية الناجمة عن الفساد الكبير فيه، لأنها جزء هام من الوصول إلى ما وصلنا إليه اليوم..
كان للقطاع النفطي الحظ الأكبر من الاستهداف فتم ضرب حقول النفط وتخريب المنشآت النفطية من خطوط نقل ومصافي تكرير ومعامل الغاز واستهداف العاملين في هذا القطاع مما أدى إلى خروج معظم منشآتنا النفطية من دورة الاقتصاد الوطني وخلق أزمة مشتقات نفطية تثقل كاهل المواطن السوري حيث بلغت خسائر القطاع النفطي التراكمية بحدود «22» مليار دولار ونسبة الانتاج لم تتجاوز 8% للنفط و6% للغاز المرافق و86% للغاز الحر.
النفط والخلل الهيكلي
هذا ما ورد في تقرير الاتحاد المهني لنقابات عمال النفط والمواد الكيماوية لمجلس الاتحاد العام الأخير وهي كارثة حقيقية نشهدها الآن ونعيشها يومياً. ولكن مشاكل القطاع النفطي في سورية تعود لما قبل الأزمة، وتأثيره على الاقتصاد السوري، حيث تكفي نظرة سريعة للتركيب الهيكلي للناتج المحلي لرؤية الطبيعة الريعية للاقتصاد السوري. إذ يكاد قطاع الصناعة الاستخراجية يشكل نسبة تقترب من النصف أو أكثر في التركيب الهيكلي للناتج المحلي الاجمالي والمأساة تكبر عندما نعلم بأن نصف إنتاج سورية من النفط يتم تصديره خاماً والباقي يتم تكريره في مصفاتي حمص وبانياس وحتى عام 2010- 60% من حاجات سورية من المازوت كانت مستوردة، وزير النفط في حكومة العطري كان يردد بشكل دائم بأن الفاتورة النفطية تكبر والثمن 12 مليار دولار في عام 2007 وهذه تثقل كاهل الدولة، والمهم تخفيض هذه الفاتورة من خلال استخدام البدائل وقيمة المستوردات 4 مليار دولار، والنتيجة كانت دائما السعي لرفع الدعم عن المشتقات النفطية.
الحل في الاستيراد!
نصف انتاج سورية يصدر خاماً ومن ثم نعود لنستورد ما صدرناه ولكن بمبالغ كبيرة جداً ولم تفكر الجهات الوصائية في إقامة مصافٍ جديدة أو تطوير مصفاة حمص، ليتم حين ذلك الاستغناء نهائياً عن استيراد المازوت وعلماً أن تكلفة إقامة مصفاة جديدة قبل عشر سنوات هي نفسها تكلفة ما يتم استيراده خلال عام ولم تفكر الجهات الحكومية بذلك لأن هناك من يستورد ومن يحصل على نسب وحصص! ولا يجوز (قطع الأرزاق) وحتى تأمين الطاقة الكهربائية فإنه يعتمد على النفط كمصدر للتشغيل وكان يصطدم ولا يزال بطاقة مصفاة حمص ومصفاة بانياس وهذه المصافي لا تستطيع تأمين أكثر من 3 مليون طن من الفيول سنوياً وهذه الكمية تكفي لانتاج حوالي 12000 مليون كيلو واط ساعي في السنة أما الباقي كان يؤمن عن طريق الاستيراد.
مصافي النفط
مصفاة حمص عمرها أكثر من 65 عاماً ولم تطور ولم يجر تحديثها والوزراء الذين تواكبوا على وزارة النفط كانوا يرددون بشكل دائم إن اعادة تأهيلها تكلف مبالغ كبيرة إضافة إلى أنها تشكل مشكلة بيئية.
وهكذا لم تفكر الجهات الحكومية بإقامة مصفاة جديدة ولم تفكر بتأمين الطاقة من مصادر بديلة كالحجر الزيتي والغاز الطبيعي والسدود المائية واللواقط الضوئية والرياح المتوفرة في الطبيعة والمناسبة لإنشاء مزارع الرياح لتوليد الطاقة. بل كان الأسهل استيراد النفط المكرر واستيراد الفيول.
وهنا تكمن المشكلة الأساسية وهي لم تأت عفوياً أو نتيجة أخطاء في التنمية إنما هي عن سابق تصور وتصميم وهي نتيجة تشابك مصالح بين أصحاب رؤوس الأموال وفئات متنفذة كإداريين في القطاع العام وسماسرة في السوق وسطاء بين القطاع العام وبيوتات أجنبية. استطاعت هذه الفئات وعبر عقود من أن تقيم تحالفاً مكشوفاً ومستتراً مارس هذا التحالف تخريباً للقطاع العام أدى إلى استنزافه بالكامل. ومصالح هؤلاء عطلت مشاريع تنموية كبرى وسرقت الدخل القومي وخفضت الاستثمارات في القطاعات المنتجة.
وبالنتيجة فإن مصفاة حمص وعبر عقود عديدة وهي تتوقف عن العمل لأيام ولأسابيع وأحياناً لأشهر نتيجة أعطال دائمة ورغم أن الإصلاح كان يجري بخبرات عمالية سورية، إلا أن خسائر هذه التوقفات كانت فلكية. وخلال 65 عاماً كما قلنا لم يجري تحديث هذه المصفاة لأن الاعتمادات غير موجودة برأي الجهات المسؤولة ولكن الاعتمادات موجودة للاستيراد وللهدر العام.
الخبراء.. فساد آخر
لا تستطيع الجهات الوصائية إقامة مصفاة لأن التكلفة كبيرة، بحسب رأي هذه الجهات ولكن الشركة السورية للنفط أجرت عقود خدمة مع خبراء عرب وأجانب بمبالغ كبيرة. فالخبير الهندي راتبه الشهري 180 ألف دولار، أما المصري 4 آلاف دولار، والباكستاني 30 ألف دولار وراتب الخبير السوري 20 ألف ل.س!! علماً أن الكوادر الوطنية السورية لديهم الخبرات الكافية والإمكانيات الكافية، وكانوا يعملون جنباً إلى جنب وفي نفس الأقسام، وعندما تصعب عليهم أية مشكلة كانوا يسألون المهندس السوري ويأخذون برأيه وقد استمرت هذه العقود سنوات طويلة.
(تنفيع) الخاص.. ولا إصلاح
وفي الوقت الذي كانت تدفع للخبراء هذه المبالغ الكبيرة كان رئيس الاتحاد المهني للنفط آنذاك يقول: أن الآليات في الفوسفات هي أساس العمل وهناك نقص في عدد الآليات، والإصلاح سقفه 36 ألف ل.س وتمت الموافقة من رئاسة مجلس الوزراء على الإصلاح ثم تراجعوا وقالوا استأجروا آليات من القطاع الخاص!!
نعم توجد مخصصات لاستئجار آليات من القطاع الخاص، ولا توجد مخصصات لتصليح الآليات الموجوده لدى القطاع العام. ترافق ذلك أيضاً مع وضع الآليات التي كانت تنقل الفوسفات إلى مرفأ طرطوس، حيث تواجد في فرع النقل التابع للشركة أكثر من 120 شاحنة ثقيلة وخلال بضعة أعوام تم تعطيل كافة هذه الشاحنات وكانت مقبرة حقيقية في فرع النقل في حمص! حيث لم تتواجد اعتمادات للإصلاح وتم يومها الاتفاق مع قطاع خاص وهو عبارة عن شركة واحدة تملك مئات الشاحنات تم التعاقد معها لنقل الفوسفات وليس مجموعة من أصحاب الشاحنات!!
أين البيئة؟
إضافة إلى إهمال مصفاة حمص، تكررت ذريعة تشكليها مشكلة بيئية برأي الجهات المسؤولة طبعاً. وهذا الرأي هو باب كبير من أبواب الفساد لأن المصفاة عندما يتم تحديثها وصيانتها بشكل كامل يتوقف الهدر وتتوقف الملوثات التي تنتشر في الأراضي الزراعية حول المصفاة.
لم تُحدّث المصفاة لذلك انتشرت الملوثات والمواد الكيماوية في الأراضي الزراعية المتاخمة للمصفاة والحقائق تقول: أن الأراضي الموجودة حول المصفاة وحول شركة السماد هي أراضي صخرية وغير قابلة للزراعة ولم تزرع نهائياً ومع ذلك وهذا حق طبيعي لأصحاب هذه الأراضي فقد أقاموا دعاوى قضائية على المصفاة وعلى شركة الفوسفات تحت يافطة الأضرار التي لحقت بهم وربحوا الدعاوى ويتقاضون مبالغ كبيرة سنوياً كتعويضات وقد عرضت شركة الأسمدة قبل إقامة الدعاوى شراء هذه الأرضي، ورفض أصحاب الأراضي ذلك، لأن أبواب الرزق فتحت أمامهم.!
ما جرى وما يجري..
خسائر القطاع النفطي كبيرة خلال الأحداث في سورية كما جاء في تقرير الاتحاد المهني 22 مليار دولار والمواطن يدفع الثمن واعتقد جازماً أن خسائر الفساد عبر عقود هي كبيرة أيضاً والمواطن والاقتصاد الوطني دفع ويدفع الثمن.