تصدير القمح..! استيراد الطحين - أزمة أم ماذا؟!

تصدير القمح..! استيراد الطحين - أزمة أم ماذا؟!

حذرت منظمة (الفاو) بتاريخ 15-5-2014 من استمرار تدهور مستوى الأمن الغذائي في سورية بسبب الظروف المناخية واستمرار حالة الجفاف، إلى جانب استمرار الصراع وتفاقم الأوضاع الأمنية. وتستخدم المنظمة توقعاتها من إنتاج القمح والشعير كمؤشر على تدهور الأمن الغذائي، فتوقعات إنتاج العام الحالي 1.97 مليون طن، بينما كان إنتاج القمح يتراوح بين 4-4.5 مليون طن سنويًا قبل عام 2011، أي إن نسبة التراجع في الإنتاج بلغت 56%.

مقابل هذا الحكومة تعلن تشريع الأبواب أمام تصدير القمح إلى بعض الدول، مع العلم أننا ما زلنا نستورد الدقيق لسد فجوة نقص الإنتاج، وتأمين حاجة البلاد.

الوجهة إلى العراق

طالبت المؤسسة العامة لتجارة وتصنيع الحبوب للمرة الثانية تقديم العروض لأحد العطاءات المطروحة مؤخراً لبيع 100 ألف طن من القمح اللين و100 ألف طن أخرى من القمح القاسي لشحنه إلى العراق، مشيرة إلى أن إغلاق العطاء سيتم في الرابع من شهر حزيران 2014.
واعتبر المصدر، نقلاً عن إحدى الصحف المحلية، أن هناك كميات فائضة من الأقماح في محافظة الحسكة تنوي المؤسسة العامة لتجارة الحبوب بيعها، مشيراً إلى أن أسعار المبيع في حال إنجاز الصفقة ستتم وفق الأسعار العالمية الرائجة للقمح في البورصة.

مؤشرات مقلقة

منذ العام 2011، بدأت مؤشرات الإنتاج المحلي من القمح بالانخفاض الكبير، فقبل هذا العام، كانت سورية تنتج ما يتراوح بين 3.5 – 4.5 مليون طن من القمح سنوياً، وبما يكفي الاحتياجات المحلية السنوية (2.5 مليون طن في حينها)، وعلى الرغم من ذلك، فإن القرار الاقتصادي كان يصرّ على شراء الأقماح من الخارج في بعض السنوات لتعزيز الاحتياطيات الاستراتيجية، إلا أن هذا المعطى تغير، فالمساحات المزروعة بالقمح تراجعت من 1.7 مليون هكتار إلى 1.2 مليون هكتار تقريباً خلال السنوات الثلاث السابقة، وترك هذا تراجعاً في الانتاج بمقدار النصف إلى 2.5 مليون طن سنوياً في أحسن الأحوال، إن لم نقل إن الإنتاج تدنى إلى 1.9 مليون طن في عام 2012 على سبيل المثال..
كما أن التقديرات تشير إلى تنفيذ أقل من 80% من الخطة الإنتاجية الخاصة بالقمح، والبعض يقدر نسبة التراجع في المساحات المزروعة من القمح  بنسبة 60% مقارنة بالعام 2010، وهذا طبيعي، في ظل خروج مناطق شاسعة في المحافظات الشرقية من دائرة الإنتاج (الرقة، الحسكة، ريف حلب، دير الزور)، بنسب تراوحت بين 20 – 80% من محافظة لأخرى حسب بعض التقديرات، وهم خزان القمح السوري، علماً أن لا معلومات رسمية عن نسب خروج الفلاحين والأراضي من دائرة الإنتاج في تلك المحافظات، وهذا ارخى بظلاله السلبي على الإنتاج الإجمالي من القمح في البلاد..
وأمام كل تلك المعطيات والمؤشرات من حقنا أن نسأل، كيف لنا أن نقول بتصدير القمح السوري إذا ما كنا في زمن الوفرة نستورد تلك المادة لتعزيز الاحتياطي منه؟! أليس اللهث خلف القطع الاجنبي هو من يدفع بهذا الاتجاه؟! ولمصلحة من يتم التنازل عن أهم ثروات سورية في ظروف نحن أحوج ما نكون إليها لحبة القمح؟!

إصرار غير مبرر

في عام 2010، أكدت المؤسسة العامة لتجارة وتصنيع الحبوب أن لدى سورية من إنتاج العام الحالي، ومن مخزون المواسم السابقة ما يكفي حاجتها من القمح لمدة عامين، وهذا طبيعي في ظروف طبيعية، وإنتاج من القمح يكفي لعامين في بعض تلك السنوات أحياناً (4- 5 مليون طن سنوياً)، لكن أن يصرّ البعض على مقولة امتلاك احتياط إستراتيجي من القمح يكفي لعامين كمقدمة معنوية لتبرير تصدير القمح السوري فهذا ما لا يمكن القبول به..
يعلم القاصي والداني بتراجع الكميات المنتجة من القمح إلى النصف في السنوات السابقة، وإلا لماذا وقعت سورية عقـوداً عديدة لاسـتيراد القمح خلال السنوات الثلاث الماضية؟! كما من حقنا أن نسأل عن سر الوفرة المفاجئة من القمح والتي تسمح بالتصدير حالياً، ونحن من كنا نبحث "بالفتيلة والسراج" قبل زمن قصير عن بلد نستورد منه حاجتنا من تلك المادة..
حتى لو كان هناك فائضُ في إنتاج القمح السوري، أليس من الأجدى بأصحاب القرار الاقتصادي العمل على تغذية المخزون الاستراتيجي من القمح في البلاد عوضاً عن التفريط به والسماح بتصديره، لنجد أصحاب القرار الاقتصادي ذاتهم يلهثون خلف عقود استيراد القمح من بعض الدول لتغذية الاحتياطي لاحقاً، إن لم نقل يستجدون تلك الدول لتأمين حاجة البلاد من القمح في الأيام القادمة!..