حصة المواصلات من دخل السوريين.. منظور أقرب يوضح الكثير!
في سورية عام 2014 تفرض الأزمة وقعها على الجميع، ووقعها اليومي الأبرز في مناطقها الآمنة هو مشكلة المواصلات والنقل، بعيداً عن التكلفة الكبيرة للجهد و(تعب الأعصاب) المتمثل بالانتظار لساعات على الحواجز، أو بانتظار السرافيس، فإن تكلفة الركوب هي واحدة من أكبر المشاكل.. وهي التي تدفع إلى ظواهر جديدة كأن تصبح الدراجات الهوائية هي وسيلة نقل رئيسية لطلاب الجامعات ولأغلب العاملين في المدينة ما دفع الحكومة إلى السماح بها!! وأن يصبح السير لمسافة (كم) يومياً هو وسطي طبيعي.
وأصبح من المنطقي أن ترى مثلاً (فتى عامل) يمشي من منطقة البرامكة إلى مستشفى ابن النفيس في منطقة مساكن برزة وهو ما يعادل ساعتين من المشي المتواصل لأن أجر يوم العمل لا يسمح بترف الركوب أحياناً.
افترضنا أسرة سورية واقعية وسنحتسب تكاليف النقل الشهرية لها علنا نوضح للحكومة ما الذي يعنيه رفع أسعار المحروقات في حياة الناس العاديين!
أسرة سورية.. (تتنقل) في عام 2014 بنصف دخلها!
حسبة الدخل والمصروف، حكاية لا تنتهي للمواطن السوري، مشابهة للدوامة، التي لا تبدأ مع أول الشهر ولا تنتهي بنهايته، فغالباً ما تكون حسبة خاسرة، مع عدم كفاية الدخل لنفقات العائلة على امتداد الشهر، على اختلاف عدد أفراد العائلة..
ويشكل عنصر التنقل وتكلفته جزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية للأسرة السورية، وقد تحول إلى هاجس في ظل التغييرات الكبيرة التي طالت شوارع دمشق، والتحويلات المرورية، والازدحام اللا منتهي، في معظم الأوقات والأيام، حتى أيام العطل، حيث انعكست القرارات الاقتصادية برفع أسعار مشتقات النفط المستخدمة في النقل، من مازوت وبنزين على تكلفة النقل، ما جعل منها بنداً يحسب له حساب في ميزانية الأسرة الشهرية.
أسرة سورية ذات الـ 5 أشخاص
لتقدير تكاليف النقل لأسرة سورية مكونة من خمسة أفراد (وهو وسطي عدد أفراد الأسرة السورية) سنفترض أنها تقطن العاصمة دمشق، ونختار منطقة في قلب العاصمة علنا نخفف من التكاليف! ولتكن منطقة باب توما على سبيل المثال.
ولنذهب إلى جعل فرضيتنا ملموسة وواقعية، فالعائلة الافتراضية مكونة من أب يعمل موظفاً لدى القطاع الخاص، الأم ربة منزل، ثلاثة أبناء، أحدهم في الجامعة، والثاني في المدرسة، بينما تدرس الابنة في معهد، يمكن اعتماد الحسبة التالية للعائلة المفترضة باعتبار أن تعرفة الركوب في السرفيس 20 ليرة وهذا داخل المدينة طبعاً..
شهر عمل افتراضي..
الأب يعمل لدى القطاع الخاص في منطقة المزة ، حيث يستقل باص النقل الداخلي إلى جسر الرئيس، ثم سرفيس المزة جبل وصولا إلى قرب مستشفى المواساة فرضاً، لينفق على المواصلات في 26 يوم عمل خلال الشهر: 2080 ل.س
الابن يدرس في الجامعة ويستقل سرفيسين يومياً للذهاب ومثلهما للإياب حيث يأخذ سرفيس مهاجرين باب توما، ثم الدوار الشمالي ليصل إلى جامعته في المزة، لينفق على المواصلات في 20 يوم دوام خلال الشهر: 1600 ل.س
فيما تدفع الابنة مبلغاً شهرياً وقدره 1000 ليرة للسرفيس المتعاقدة معه شهريا، لقاء الوصول الى المعهد والعودة للمنزل، حيث تدرس في معهد الترجمة الفورية على طريق المطار قرب جامعة الهندسة والميكانيكية.. مثلاً!
أما الابن الثاني فهو في مدرسة الحي الثانوية، ويتنقل سيراً على الأقدام ليوفر على العائلة تكلفة تنقل إضافية.
تكاسي استثنائية! ومشوار إلى حمص
وإن اعتبرنا أن هذه العائلة تسافر مرة شهرياً إلى حيث تنتمي في محافظة حمص، فإنها تدفع لقاء ذلك 500 ليرة للشخص في حال تقيدت شركات النقل بالتعرفة الرسمية، أي بإجمالي تكلفة تنقل إضافية: 2500 ليرة لكل العائلة.
وإذا أخذنا بعين الاعتبار صعوبة المواصلات والازدحام الشديد، الذي من الممكن أن يعيق الركوب في الباصات والسرافيس وبالتالي اضطرار أحد أفراد العائلة لركوب التاكسي، ولنفرض أنها حالة تحدث مرتين في الشهر لكل من الأفراد، ينتج عنها تكاليف تصل إلى 3 آلاف ليرة سورية، على اعتبار أن سيارات الأجرة الخاصة باتت تطلب مبلغ 300 ليرة لمعظم الطلبات والوجهات ضمن دمشق، ما لم تكن المسافة قصيرة جداً فيطلبون 150 ليرة.
ليكون إجمالي تكاليف النقل الشهرية للأسرة الافتراضية المتنقلة بالحد الأدنى الضروري في محافظة دمشق: 10180 ل.س
الأسرة الافتراضية تتنقل قبل الأزمة..
إن تم احتساب تكلفة النقل والمواصلات للأسرة ذاتها و بالنشاط نفسه، وفق تعرفة النقل في عام 2010، وتم احتساب تكاليف مواصلات الاب الذي يستقل سيرفيسين يوميا بـ 40 ليرة يوميا، أي 1040 ليرة.
وتكاليف نقل الابن الأول وصولا لجامعته وعودة منها بـ 40 ليرة، أي 800 ليرة شهرياً (20 يوم دوام)، وتدفع الابنة مبلغ 500 ليرة تعاقد شهري مع السرفيس، بينما تنفق الأسرة شهرياً 750 ليرة تقريباً لقاء سفرهم إلى محافظة حمص باعتبار أجرة نقل الشخص الواحد
150 ليرة، إضافة لمبلغ 1000 ليرة تدفعه تكلفة التنقل بواسطة التاكسي، في حال كانت أجرة الطلب 100 ليرة، وتم اللجوء للتاكسي مرتين شهرياً من قبل كل فرد.
ليبلغ إجمالي التكلفة في عام 2010 حوالي: 4090 ل.س تقريبا.
أي أن إجمالي زيادة تكاليف النقل على الأسرة قد تضاعف مرة ونصف.
والتضخم في تكاليف النقل يبلغ 150%.
تصور لسيناريوهات الريف
وضعنا في فرضيتنا الأسرة المعتمدة على تنقلاتها في قلب العاصمة دمشق، ولكن إذا ما كانت هذه الأسرة في ريف العاصمة القابل للعيش إلى اليوم، كجديدة مثلاً، أو ضاحية قدسيا فإننا نتحدث عن أجرة سرفيس 70-75 ل.س، أي ارتفاع التكاليف اليومية للتنقل من 80 ل.س لسرفيسين ذهاب وإياب، إلى 190 ل.س تقريباً، أي أن تكاليف الأب والابن والابنة فقط تتضاعف 137% ليبلغ إجمالي تكلفة التنقل الشهرية: 4949 ل.س للأب+ 3800 للابن الجامعي+ 2500 ل.س للابنة. ولن (يتجراً) أي منهم على طلب تكسي إلى مناطق الريف إلا بمشاركة تكاليفها، وسنفترض أن التكسي المشترك مع ركاب آخرين يبلغ التكلفة ذاتها 300 ل.س أي بلا تغيير.
ليصبح المجموع الجديد: 16750 ل.س تقريباً!
وهو إجمالي تكلفة التنقل للأسرة السورية ذات الـ 5 أشخاص من إحدى مناطق ريف دمشق إلى الأعمال والجامعات في دمشق.
وبالتالي فإن تكاليف النقل من الريف إلى المدينة مع الحركة في المدينة قد تضاعفت بمقدار 200% تقريباً، فالسرفيس من جديدة إلى دمشق كان بتكلفة 20 ل.س.
مفارقات جديدة من أجور السوريين
• يستطيع أجر الحد الأدنى والبالغ: 13760 ل.س (مشكوراً)، أن يغطي تكاليف النقل لأسرة في دمشق حتى في عام 2014، ولكنه يحتاج إلى 3 آلاف إضافية ليغطي تكاليف أسرة في ريف دمشق. بينما دستورياً يفترض أن يغطي الحد الأدنى للأجور كافة تكاليف المعيشة التي تقدر بـ 90 ألف ل.س لأسرة من خمسة أشخاص. وذلك باعتبار أن مستوى الأسعار قد تضاعف مرتين، وهو تقدير (قاسيون) لمستوى تضخم الأسعار بين 2010-2014 أي تضخم تراكمي 200%.
• تكاليف النقل للأسرة هي نصف مبلغ الأجر المتوسط المقدر بـ 20 ألف ل.س!، والذي يفترض أن يعيل أكثر من 4 أشخاص، وفق معدلات الإعالة الاقتصادية..
• الحكومة كانت تعتبر أن الأسرة السورية لا تنفق على النقل إلا ما نسبته 3% فقط في عام 2009 من إجمالي إنفاقهم البالغ 30 ألف ل.س في حينها، وهذه نسبة منطقية أي يفترض أن لا تتجاوز تكاليف حاجات أساسية كالنقل نسبة 3%، إلا أنها ليست واقعية حيث أن 4090 ل.س كانت تشكل نسبة 13% من إنفاق السوريين. وهذه الانحرافات الكبيرة في تقدير وزن تكاليف النقل، مع غيرها من أخطاء الأوزان، هي التي تجعل رقم التضخم الرسمي السنوي 2,3% عام 2009 مثلاً، بينما تقديرات التضخم الفعلي كانت 11,3. وهذا التخفيف يسمح برفع مستويات الأسعار مع تخفيف التأثير الكبير على معيشة السوريين!.