زيادة الرواتب والأجور كارثة ستزيد مستويات المعيشة تدهوراً!
ما تزال أنظار من اكتوت جيوبهم بنار ارتفاع الأسعار على امتداد أكثر من ثلاثة أعوام شاخصة بأمل نحو زيادة في الرواتب والأجور، لعلها تردم شيئاً من الفجوة المتزايدة بين أجورهم وضرورات معيشتهم كما يعتقدون، إلا أن أقاويل زيادة الرواتب باتت أكبر بكثير من اقتصادٍ متعب كالاقتصاد السوري.
كانت تكلفة زيادة الرواتب لموظفي الدولة في عام 2010، وبنسبة لا تزيد عن 20%، تتطلب إنفاقاً يزيد عن 44 مليار ليرة سورية بحسب وزير المالية الأسبق الدكتور محمد الحسين، أما الآن، وبعد زيادة الرواتب في عام 2011 و 2013!! كم ستكون تكلفة تلك الزيادة على الخزينة العامة اليوم؟!..
نحو 609 مليارات ل.س كتلة الرواتب والأجور السنوية لموظفي الدولة، أي أن زيادة الرواتب بنسبة 10% ستكلّف الخزينة العامة ما يقارب 61 مليار ل.س سنوياً، ليرتفع الرقم إلى 305 مليار ل.س سنوياً إذا ما صدّقنا الشائعة القائلة بزيادة الرواتب بنسبة 50% في شهر حزيران القادم..
مكسر عصا
لا إمكانية فعلية لدى الحكومة لزيادة الرواتب حالياً، وهذا لم يأت استناداً إلى العديد من المعطيات والمؤشرات الواقعية فقط، بل إن رئيس مجلس الوزراء وائل الحلقي هو من قال إن الحكومة تسعى من خلال رفع أسعار المشتقات النفطية إلى تأمين الموارد اللازمة لاستمرار عمل مؤسسات الدولة، والمتمثلة بكتلة الرواتب وقيمة الدعم الاجتماعي والمشتقات النفطية، فمن أين ستمول الحكومة الزيادة المفترضة على الأجور والرواتب إذا؟! وإذا لم تكن الحكومة قادرة على تأمين الموارد اللازمة لتمويل بنود موازنتها في عام 2014 إلا من خلال رفع أسعار المشتقات النفطية، فكم سترتفع أسعار المشتقات النفطية إذا ما اُقرّت تلك الزيادة على الرواتب والأجور؟! وما هي النتائج الكارثية التي ستترتب على مستويات المعيشة في هذه الحال؟! وهل ستكون تلك الزيادة نعمة أم نقمة على الموظفين وعموم السوريين؟! دون أن نغفل حقيقة زيادة أسعار المواد الأساسية والغذائية والكمالية في الأسواق قبل زيادة الرواتب المتوقعة، وقبل أن يتقاضاها الموظفون فعلياً، لتحصد الأسعار المرتفعة تلك الزيادة من جذورها..
خيارات أكثر كارثية
من المؤكد أن تمويل زيادة الرواتب المفترضة لن يأتي من ضريبة على ثروات أغنياء ستقرر الحكومة فرضها عليهم بين ليلة وضحاها، ولا من مكافحة الفساد أو التهرب الضريبي أيضاً، والأكثر سهولة هي جيوب الفقراء عبر زيادة أسعار المشتقات النفطية، لتكمل الحكومة السير على الطريق الذي اعتادت عليه..
أما أن تسعى الحكومة لتمويل زيادة الرواتب بالعجز عبر الاقتراض الخارجي أو الداخلي أو طرح سندات الخزينة أو بيع القطع الأجنبي، فكل ذلك سيؤمن سيولة ولكنها غريبة عن جسد الاقتصاد الوطني، مما سيساهم في زيادة معدلات التضخم وتفاقمها في المحصلة النهائية، مما سينعكس سلباً على مستويات معيشة السوريين في كلتا الحالتين..
آخر تجربة لرفع الأجور.. تعويض لا أكثر
للحديث عن رفع الأجور أثر سلبي على السوريين، بعد تجربتهم الطويلة مع زيادات الأجور في العقد الماضي، وحديداً مع التجربة الأخيرة خلال الازمة، والتي حولت الزيادة إلى مجرد تعويض عن رفع أسعار المازوت. حيث أن زيادة الاجور الأخيرة والتي صدرت وفق المرسوم التشريعي رقم 38 لعام 2013 بتاريخ 22/6/لعام 2013 رفعت الاجور بنسب تتراوح بين 30-40% ليصل الحد المتوسط للاجور إلى 20 ألف ل.س فقط. لكن هذه الزيادة ترافقت مع إحدى موجات رفع أسعار المازوت الأعلى خلال هذه المرحلة، حيث ارتفع سعر ليتر المازوت بنفس التوقيت بنسبة 71% ليقفز من 35 ل.س/لليتر إلى 60 ل.س/لليتر.
ويشير الباحثون إلى ان رفع أسعار المازوت بنسبة 1% ترفع وحدها المستوى العام للأسعار بمقدار 0,4% في الظروف العادية وبالحد الأدنى، ما يعني أن رفع المازوت حينها كان من المعلوم أنه سيؤدي بالحد الأدنى إلى رفع المستوى العام للأسعار بنسبة 28%، لتكون الأجور المرفوعة بمثابة تعويض لا أكثر..
لذلك فإن تداول موضوع رفع الأجور بنسب وصلت إلى 50%، يدرك السوريون أنه إن تم فهو تعويض لرفع لاحق لأسعار المحروقات بعد رفع أسعار البنزين الأخير، وهو ما يوضحه التصريح التبريري والتمهيد لرئاسة مجلس الوزراء الذي اعتبر أن سبب رفع أسعار المشتقات النفطية هو تغطية كتلة الأجور والرواتب من جهة، والمحافظة على الدعم من جهة أخرى!
المقدم حكوميا للأرباح = 2 من كتلة الأجور!
زيادة الأجور بمقدار 50% يحتاج إلى أكثر من 300 مليار ل.س، وموارد أصحاب الأرباح كثيرة ومتنوعة الاتجاهات ونستطيع أن نقدم هنا نموذجين فقط تستطيع الحكومة أن تلجأ إليهما دون أن تلجأ لما تبقى من دخولنا لتمويلنا! حيث أن فرض ضريبة 25% على الحد الأدنى من قيمة أعمال 600 مكلف ضريبي كبير فقط، يؤمن للحكومة 10 مليار ل.س، وفرض ضريبة 25% على جزء من موجودات لأكبر خمسة أعضاء في شركات الاتصالات السورية وهي أكثر الشركات ربحاً وتمركزاً في سورية، يؤمن في عام 2014 إيراداً استثنائياً تقريبياً: 30 مليار ل.س!.أما مجمل السوق التي تنهل من العطاء الحكومي بوهب احتياطي النقد الاجنبي فمن الممكن ان يغطي زيادة الأجور بنسبة 50% ثلاث مرات، حيث حصلت السوق على قطع أجنبي من الحكومة على ما يزيد عن 7 مليار دولار خلال سنوات الأزمة الثلاث، بين تمويل لمستوردات التجار، بالإضافة إلى بيع مبالغ لأغراض غير تجارية، دون احتساب حجم الضخ المباشر..
وهو ما يعادل 1190 مليار ل.س بسعر صرف 170 ل.س/$، ويساوي ضعف كتلة الأجور الحكومية تقريباً والبالغة بحسب التصريحات 600 مليار ل.س!