استثمارات مغادرة!
جذب الاستثمارات، شكل عنوان السياسات الاقتصادية خلال السنوات الخمس السابقة، وهي كذلك عنوان الأعوام الخمس اللاحقة، فالمؤتمرات العديدة تعقد، وبشكل مكثف، ولا يخلو شهر واحد من مؤتمر أو أكثر لجذب الاستثمارات، ومن أجل هذا الهدف «السامي» تقدم التسهيلات والإعفاءات الضريبية المضِرّة بالاقتصاد الوطني في كثير من الأحيان.
فأرقام الاستثمارات الأجنبية والعربية في سورية تتربع على رأس الانجازات الاقتصادية في حديث المسؤولين الحكوميين عن النجاحات المحققة خلال السنوات السابقة، مما يؤكد أن النجاح بالنسبة لهؤلاء المسؤولين يحدد على أساس أرقام الاستثمار المحققة، وليس على أساس نوعية ومطارح هذه الاستثمارات، أو انطلاقاً من قدرتها «التوظيفية»، وما تحققه من فائدة للاقتصاد الوطني بشكل كلي. ولكن السؤال الأساسي هو، هل استطعنا في سورية جذب الاستثمارات بما يتوازى مع الإعفاءات والتسهيلات المقدمة من جانب حكومتنا لهؤلاء المستثمرين؟!
فسورية صدّرت استثمارات بما يزيد عما استطاعت استقطابه بنسبة خمسين بالمئة، هذا على الأقل ما أكده تقرير مناخ الاستثمار العربي لعام 2010، الصادر عن المؤسسة العربية للضمان، حيث بدا جلياً أن سورية صدّرت استثمارات بـ4.5 مليارات دولار إلى الدول العربية، مقابل 3 مليارات دولار تمكنت من استقطابها خلال 28 عاماً! وهذا يضع علامات استفهام حول جدوى الجهود السورية الساعية لاستقطاب الاستثمارات الخارجية. فما الهدف من تقديم التسهيلات والإعفاءات العاجزة عن جذب استثمارات بما يوازي الاستثمارات الخارجة من سورية بالحد الأدنى؟! فسورية تزخر برؤوس الأموال الوطنية التي تبحث عن استثمارات وتوظيفات لها في الخارج، بينما تسعى الجهود الحكومية -بتيار معاكس- هادف لجذب الاستثمارات الأجنبية والعربية بأي ثمن، فرؤوس الأموال الوطنية موجودة ومتوفرة ويجب استقطابها بالدرجة الأولى، وديمومتها مضمونة بشكل أكثر بالدرجة الأولى مقارنة بالاستثمارات الأجنبية، ولذلك يجب استبدال سياسة الاستجداء تجاه الاستثمارات الخارجية الرامية – من وراء استثمارها لدينا- استغلال مواردنا، بتشجيع الاستثمارات المحلية على توظيف أموالها في بنيتنا التحتية ومشاريع التنمية الضرورية عوضاً عن رحيلها.
هذا هو الحد الأدنى مما قامت به بعض الدول التي حققت نمواً يمكن أن تعتبره لافتاً في السنوات الأخيرة.. فلماذا لا نحاول الإتيان بمثله؟؟