غالي يا أحمر...
«البندورة بـ 120 ل.س».. خبر تناقله المستهلكون السوريون و»رواد» الأسواق الشعبية باستغراب واستنكار، حيث بلغ سعر كغ البندورة في السوق السورية خلال الأسابيع الماضية حدوداً مرتفعة لم تنخفض عن 75 ل.س، ووصلت إلى 120 ل.س وبمتوسط 100 ل.س..
البندورة التي حققت أول قفزة سعرية لها بارتفاع بنسبة 100% بين صيف 2012 وشتائه حتى فترة قريبة، امتلكت الكثير من الأسباب لهذا الارتفاع الأول من 25ل.س في الصيف إلى 50 ل.س متوسط سعرها خلال الفترة الماضية. وهي تبدأ من انخفاض الإنتاج في محافظات رئيسية منتجة مثل درعا وريف دمشق، وارتفاع كبير في كلف المستلزمات الإنتاجية المستوردة بأغلبها والتي تجاوزت مستوى 100% فبعض أنواع الأدوية الزراعية المختصة ارتفعت أسعارها من 2600 ل.س إلى 7000 ل.س، وارتفعت أسعار العبوات الفارغة من 15 ل.س إلى 45 ل.س، أما ظرف البذار فقد ارتفع سعره من 3500 إلى حدود 7000 أو حتى 9000 ل.س، كل هذا رفع سعر التكلفة للكغ في محافظة طرطوس مثلاً إلى 27- 30 ل.س، بينما تبلغ في المحافظات الأخرى مع كلف النقل الأعلى كدمشق مثلاً حدود 50 ل.س.
عوامل ارتفاع أسعار المستلزمات الإنتاجية وما يلحقها من تراجع في الإنتاج والمعروض في السوق أدت إلى القفزة الثانية التي حافظت نسبياً على ارتفاع أسعار البندورة في السوق بحدود 50 ل.س لفترة الخريف والشتاء.
القفزة الثانية لأسعار البندورة مع بدايات فصل الربيع والتي حصلت بشكل مفاجئ وخلال مدة قصيرة، من متوسط 50 ل.س إلى 100 ل.س أي ارتفاع آخر بنسبة 100%. من الصعب أن تدرج أسبابها ضمن إطار الظروف الموضوعية المتعلقة بالإنتاج وظروفه بشكل مباشر، وإنما ترتبط بطارئ احتكاري ما..!!!
لعل المتغير الطارئ الوحيد المرتبط هو سعر الدولار المرتفع أي قيمة الليرة المنخفضة خلال الفترة الماضية، الذي عاد ليتجاوز سعر 100 ل.س ويصل إلى 120 ل.س في السوق السوداء وهنا يطرأ السؤال: ما علاقة «بندورتنا» المحلية بالدولار العالمي؟!
فرضية 1- البندورة المستوردة: من الممكن أن يكون ارتفاع أسعار البندورة الطارئ مرتبط باستيراد كميات كبيرة من البندورة من الخارج بالدولار، ولكن حتى بوضع هذه الفرضية فإن استيراد المواد الغذائية لا يزال ضمن قائمة تمويل المستوردات الحكومية، أي يكون سبب الارتفاع أن «المستورد الافتراضي» للبندورة مرتفعة السعر قد حصل على دولاراته من البنك المركزي بالسعر الرسمي وباع في السوق المحلية بسعر دولار السوق السوداء..
فرضية 2- استيراد المستلزمات: في التحضير لموسم زراعة العروة الصيفية تستورد مستلزمات الإنتاج من عدد محدود من المستوردين، ليقوم هؤلاء بالتعاون مع «العدد المحدود» من كبار تجار الجملة في السوق المحلية بتعويض مسبق للارتفاع القادم في سعر المستلزمات المستوردة عن طريق رفع سعر البندورة على المستهلك على الرغم من كونها منتجة في ظروف تكلفة سابقة أقل. بحيث يحقق:
سعر استهلاك أعلى ريع احتكاري لتجار الجملة يدفعون جزءاً منه على شكل سعر أعلى سيدفع لاحقاً للمنتجين الذين سيدفعون سعر أعلى لمستلزمات الإنتاج التي سيدفعها تجار الاستيراد كمقابل بالليرات السورية للحصول على دولار من البنك المركزي واستيراد مستلزمات الإنتاج.
أي أن المستهلك يدفع مسبقاً سلسلة الارتفاعات الناجمة عن ارتفاع قيمة الدولار وانخفاض قيمة الليرة، وعن المضاربة في سوق العملة. والذي ينجم عنه رفع في تكاليف جميع حلقات السلسلة ولكن كل حلقة تستطيع أن تحصل ريعاً احتكارياً بحسب قوتها ومستوى احتكارها. فتجار الجملة يرفعون سعر البيع بالتجزئة أعلى من رفع الدولار المتوقع، وكذلك تجار الاستيراد.
ليبقى طرفان خاسران بشكل حتمي أولهما المستهلك، وثانيهما الدولة التي تخسر دولاراتها في عملية تمويل للمستوردات لا تسمح بالضرورة مع وجود الاحتكار بتحقيق تخفيض التكلفة المطلوب، أو انتقال هذا التخفيض إلى المستهلك.
الدولة وكسر الحلقة
كسر هذه الحلقة يكون بإحدى طريقتين إما استيراد الدولة بدولاراتها مستلزمات الإنتاج وتقديمها مدعومة إلى المنتجين، أو شراء مستلزمات الإنتاج من المستوردين وتقديمها وتوزيعها للمنتجين وبالتالي عزل تأثير احتكار تجار الاستيراد.
أو أن تقوم الدولة بشراء المنتجات المحلية وبيعها بسعر مدعوم للمستهلك وبالتالي عزل تأثير احتكار تجار الجملة. والأفضل أن تدخل الدولة على جميع هذه الحلقات فارضة سعراً منافساً في السوق يكسر الوزن الاحتكاري للطرفين. حلول تدخل الدولة كثيرة ومهما كانت تكلفتها، فإنها تبقى أقل تكلفة من ارتفاع بنسبة 100% في سعر مادة رئيسية مثل البندورة، وأقل تكلفة من تبديد الاحتياطي على تمويل مستوردات لا تعود بالنتيجة الإيجابية المطلوبة..
البندورة اليوم وغداً غيرها، ارتفاع الأسعار هو مهمة واستحقاق كبير أما جهاز الدولة التدخلي اليوم، فيكمن جوهره في التصرف الدقيق والواعي بالاحتياطي الدولاري وإيقاف نزيفه نحو تجار السوق السوداء وزبائنهم من كبار المحتكرين..