الزيتون من جديد.. القرار لدى الدولة: فارق السعر ريع أم دعم!
قدم حزب الإرادة الشعبية بالتعاون مع مزارعين ومنتجين محليين لمادة زيت الزيتون مقترحاً لبعض الجهات الحكومية التي أعلنت «وسربت» عن اتفاقيات تصدير للمادة في هذا العام وبدء عمليات استجرارها من المنتجين بناء على ذلك.
الإعلان لم يصل أبعد من آذان المنتجين، ولم يتحول واقعاً ملموساً، ولكن آثاره ظهرت سريعاً على حركة تجار المادة الذين عكسوا الطلب الحكومي المتزايد في هذا العام عن طريق توسع في عمليات الشراء، ولكن لتبقى الأسعار في حدود دنيا لا تتجاوز كلف الإنتاج.. معتمدين على عدم إشاعة القرار الحكومي وبالتالي عدم ثقة المنتجين باستمرار الطلب على المادة، وتحديداً بعد مرور أعوام عديدة عانى خلالها المنتجون من صعوبات كبيرة في التسويق، وتراكم الإنتاج.
زيت الزيتون مطلوب من الحكومة
تزايد الطلب الحكومي على الزيت يعود إلى « انفتاح» الأفق الذي كان مسدوداً سابقاً، حيث ساعدت ظروف الأزمة على توسيع النشاط التبادلي مع بعض دول الشرق التي أبدت مرونة بالتعامل مع الظرف الاقتصادي السوري الصعب خلال الأزمة.
حيث تقاطعت حاجة جمهورية إيران إلى مادة زيت الزيتون على سبيل المثال مع الفائض الإنتاجي المتوافر في سورية من هذه المواد ليتم الاتفاق على تصدير المادة إلى إيران بعقود مقايضة مقابل مجموعة من السلع الضرورية...
شروط متميزة
تضمن الاتفاق فيما يخص زيت الزيتون تصدير الزيت الذي يحقق مواصفات تتعلق بالنوعية حيث لا تزيد فيه نسبة الأسيد عن 1,5 % ، والبيروكسيد عن 20 % . بقيمة 2700 $ للطن، تسليم فوري ودون وضع سقف للكميات.
فارق السعر.. لمن سيعود؟!
بناء على شروط العقد فإن السعر المدفوع للكيلو ( أو الموفر والمعادل بحالة المقايضة) سيصل إلى : 240 ل.س. وذلك بحساب سعر الدولار الحالي 90 ل.س ( كما يحسب فعلياَ من وزارة الاقتصاد ).
أما السعر الحالي الذي تشهده الأسواق فإنه لا يتجاوز حدود 150-160 ل.س وهو سعر يقارب سعر التكلفة. ومحدد من التجار المحليين. أي أن زيادة الطلب لم تنعكس حتى اليوم على الأسعار المدفوعة للمنتج المحلي.
بين سعر الكيلو المقدم من إيران وبين السعر المحلي هناك هامش يبلغ 90 ل.س للكيلو.
ولتقدير الحجم الذي قد يصل إليه هامش السعر هذا، لنفترض فقط أن المصدر سيكون الفائض من إنتاج زيت الزيتون عن الاستهلاك المحلي، والذي يقدر في عام 2010 بحدود 60 ألف طن. بالتالي فإن فارق السعر يقدر بحدود 5,4 مليار ل.س. وهو مرشح للزيادة مع زيادة الكميات المصدرة.
وعائدات بهذا الحجم من إنتاج زيت الزيتون لن يعود أي منها على المنتجين المحليين إلا بالحدود الدنيا، حيث لن ينالوا في حال استمرار طرق الاستجرار الحالية سوى زيادة في تصريف إنتاجهم المتراكم ولكن مع البقاء دون هامش ربح يذكر.
بالتالي فإن هذه العائدات ستعود إما للدولة، أو للتجار المحليين..
العائد بين الدولة والتجار
عملية التصدير لم يظهر حتى اليوم هل ستتم بشكل كامل من الدولة، أم أن تجار التصدير المحليين بإمكانهم التصدير بشكل مباشر. ولكن اعتماد المقايضة في تصدير المادة قد يعني أن كامل الكميات سيتم تجميعها من الدولة. ولكن عملية التجميع من المزارعين تحدد على من سيعود العائد.حتى اليوم ظهرت طريقتان لتجميع المادة:
أولاً مؤسسة الخزن والتسويق التي تقوم بتجميع المادة فإن عمليات شرائها تتم بأغلبها من المنتجين مباشرة وبسعر يصل أقصاه إلى 165 ل.س للكيلو. يبقى فرق السعر المذكور وفقاً لهذه الطريقة كإيراد يعود على الدولة. ولكن على الرغم من الوصول إلى المنتج مباشرة فإن المبالغ المدفوعة للكيلو منخفضة، ولم يتم الإعلان عن عملية التجميع بشكل واسع بهدف عدم رفع السعر من المنتجين.
ثانياُ: مؤسسة الخزن ليست الجهة الوحيدة المسؤولة عن عملية استجرار المادة حيث أن الجهة الرئيسية بحسب الاتفاق هي وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية. وهنا لا بد من الإشارة إلى التجربة في محافظة طرطوس التي تساهم بها بعض الجهات الحكومية في حصر العائد بالتجار.حيث وجهت وزارة الاقتصاد إلى محافظة طرطوس وإلى مديرية الزراعة فيها طالبة استجرار المادة لم تشهد المحافظة أي تحرك من المديرية وإرشادياتها في ريف المحافظة للتوجه إلى المنتجين وجمع المادة. بينما تم الاعتماد على الاجتماع بمكتب الزيتون في المحافظة، وبتجار محليين ليقوموا بجمع المنتج.
وكانت النتيجة حركة أوسع للتجار في سوق الزيت ولكن لتبقى الأسعار المدفوعة للمنتجين بحدود 150 – 160 ل.س للكيلو بينما لا يملك المنتجون المتخوفون من تراجع الاستهلاك المحلي وتراكم الزيت أي أداة ضغط في مواجهة سعر التجار، أو أي بدائل أخرى للتسويق. وليعود فارق السعر بكامله في هذه الحالة للتجار.
النوعية حاجز أمام المنتجين
تتضمن شروط العقد تحديداً لبعض المواصفات النوعية للزيت المطلوب استجراره. وهي مواصفات قد تكون متساهلة قياساً بالمواصفات العالمية لزيت الزيتون ولكنها مواصفات قاسية بالنسبة لظروف الإنتاج المحلي. النسبة المطلوبة كحد أقصى للأسيد بحدود 1,5% لا يحققها إلا ما نسبته حوالي 10% من الإنتاج السوري. حيث يعود ارتفاع نسبة الأسيد إلى شروط وظروف الجمع والخزن وإلى غياب الدافع لدى المزارعين لدفع تكاليف إضافية على تحسين هذه الشروط نتيجة لضعف سوق التصدير للمادة واستهلاكها محلياً ضمن وضعها الحالي أولاً ولغياب الدعم ثانياً.
بالتالي فإن الجهود المبذولة لتجميع الزيت من المنتجين وتسويقه بشكل مباشر للدولة، لن تجدي بتوسيع دائرة المنتجين المستفيدين نظراً لكون أغلب الإنتاج المحلي خارج المواصفات المطلوبة..
أما بالنسبة للتجار فإن النوعية لا تشكل عائقاً جدياً فجمع الكميات الكبيرة يخفف من تكاليف التكرير في معامل التكرير والفلترة والتعبئة المحلية..
توزيع العائد من الدولة
بناء على مجموع المعلومات السابقة، ومع عدم ظهور متغيرات جدية في طريقة الجمع فإن العائد سيكون بأغلبه للتجار مخصوماً منه تكاليف التكرير، وإمكانية توسيع دائرة المستفيدين تعتمد على توسيع الدولة لاستجرار المادة من المنتجين المحليين والمرتبط بدوره بضرورة تخفيض الشروط كي تتلاءم مع واقع الإنتاج المحلي.
فإذا ما أعلنت الحكومة عن استعدادها لاستلام زيت الزيتون بمواصفات أقل من المطلوبة، فإنها ستقدم دعماً مباشراً للمزارعين، لتقوم بعملية التكرير بالتعاون مع المعامل المحلية التي يقدر عددها بحوالي 51 معملاً على مستوى سورية بطاقات استيعاب مختلفة.
يؤدي إجراء من هذا النوع إلى توزيع هذا الإيراد بشكل حقيقي: على المزارعين عن طريق ضمان الشراء بسعر مناسب وهامش ربح أفضل من الهامش المقدم من التجار.
على المعامل المحلية المتخصصة بعملية التكرير والفلترة.عوضاً ان يكون أغلب فارق السعر عائداً للحلقات الوسيطة.
مبادرتنا
قدم حزب الإرادة الشعبية مع مجموعة من المنتجين المحليين طلباً واقتراحاً لبيع زيت الزيتون من المنتج إلى الدولة مباشرة، منطلقين من أزمة المنتجين الذين يعانون من صعوبات كبرى في تسويق المادة، فإذا ما كانت اتفاقية مقايضة زيت الزيتون مع سلع من جمهورية إيران ليست الوجهة الوحيدة لتصدير زيت الزيتون بالتالي فإن ارتفاع الطلب على المادة ليس مؤقتاً، وهو حتى اليوم لم ينعكس إيجاباً على المنتجين المحليين.
وبناء عليه رأينا ان عملية الربط بين جهاز الدولة وبين المنتجين مباشرة هي ضرورة ولكنها تصطدم بواقع القطاع من عدة نواحي.
اقترحت المبادرة أن يقوم المنتجون المحليون بتجميع إنتاجهم في المعاصر والتواصل مع الجهات الحكومية لاستجرار المادة وبسعر يغطي التكاليف ويحقق هامش ربح مناسب.
وذلك بعد التواصل مع الجهات الحكومية التي من الممكن ان تقوم باستجرار المادة.
وبالنتيجة اتضح أن الشروط المتعلقة بالنوع ستعيق جهود المنتجين لذلك لا بد من إضافة بعض المقترحات التي نضعها هنا برسم الجهات الحكومية أولاً، وكإعلان لكافة المنتجين لتنسيق جهودهم:
التنسيق :عدم وجود جمعيات للمنتجين تنظم عملية التسويق وتربط بين الدولة والمنتج. يجعل كافة عمليات التسويق تتم عن طريق الحلقات التجارية الوسيطة. لذلك على الدولة أن تزيد من المرونة بالتعامل مع مجموعات المنتجين ودفعهم لتشكيل نواة جمعية حقيقية لزيت الزيتون.
النوعية: أن تقوم الدولة بتخفيف شروط النوعية وتشتري الزيت من المنتجين بنسبة أسيد 2- 3 %.
التكرير: أن تقوم الدولة بالتعاقد مع معامل التكرير والفلترة لتصحيح النسبة ومطابقتها مع شروط الاتفاق مع جمهورية إيران. من الممكن أن تسهل الدولة الربط بين المزارعين وبين المعامل لتتم عملية تعديل الأسيد قبل التجميع من الحكومة.
السعر: رفع السعر المقدم للمنتجين لكسر احتكار الطلب من التجار من جهة، ولتحقيق هامش ربح مناسب للمزارعين، يتناسب مع أهمية القطاع والافق المفتوح لعملية تصديره.
الدعم : تجاوز مشكلات النوعية يتطلب فرض شروط على طرق الجمع والعصر والتخزين، وهي تتطلب كلف إضافية لن يستطيع المزارعون تحملها في ظل السعر المقدم حالياً والذي لا يتجاوز سعر التكلفة.