تعديل «السلة الغذائية» تحد من العيار الثقيل سيفرغ آلية ربط الأجور بالتضخم من مضمونها

تعديل «السلة الغذائية» تحد من العيار الثقيل سيفرغ آلية ربط الأجور بالتضخم من مضمونها

ليس من العدالة أن ترتفع الأسعار وتبقى الأجور على حالها، وهذا ما قد يخلق تراجعاً في القدرة الشرائية لهؤلاء، ويؤدي لتراجع مستويات معيشتهم، خلال العقد الماضي كان واقع الرواتب والأسعار كلعبة «القط والفأر»، والخاسر في المحصلة هم أصحاب الدخول المتواضعة، وفي هذا السياق أتى مقترح وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك لربط الأجور بالأسعار، والذي لا نخفي أهميته المبدئية، إلا أن المخاوف المبررة تأخذنا في اتجاهات التشكيك بجدواه في التطبيق العملي..

تعديل «السلة الغذائية» جذر الحل

التحدي الأساس الذي سيفرغ عملية الربط المقترحة من مضمونها، هو العجز عن الوصول إلى رقم تضخم حقيقي يبنى انطلاقاً منه نسبة واقعية لزيادة الرواتب لاحقاً، فالسلة الغذائية المعتمدة منذ عام 2005 وتثقيلاتها الحالية لا تبعث على الكثير من التفاؤل، لأنها تضمّ نحو 750 سلعة فقط، وغير قادرة بواقعها الحالي على إعطاء صورةٍ جدية عن ارتفاعات الأسعار الفعلية، أو الوصول لأرقام للتضخم حقيقية، ففي الأسواق ما يزيد عن 2000 سلعة عملياً، وحسابات التضخم في العالم تجري على أساسها، وبالمقارنة مع السلة السورية، فإننا نجد أنها لا تشمل أكثر من 30% من السلع، وهذا ما يجعل من أرقام التضخم المعلنة غير معبرة عن الواقع الفعلي لارتفاع الأسعار، وعلى هذا الأساس، فإن اعتمادها كأساس للربط بين الأجور والأسعار يجعلها مجحفة بحق أصحاب الدخول المحدودة، ولن تؤدي لتعويضهم بالشكل الذي يتخيله البعض، فالمطلب الأساس، هو تعديل السلة الغذائية المعتمدة وتثقيلاتها التي لم تعد تتناسب مع الواقع الحالي، فمكون السكن والمياه والكهرباء لا تشكل نسبته سوى 22% من إجمالي السلة المعتمدة حالياً، بينما نجد أن أجار شقة صغيرة في المناطق العشوائية تستنزف بالحد الأدنى  30 – 40% من الدخل الأساسي للعاملين والموظفين، فأجار الشقة الواحدة يتراوح بين 7 – 12 آلاف ليرة في أسوأ الأحوال، كما أن حصة النقل لا تتعدى 3.2 % من إجمالي السلة، وهذا ما يجعلها غبر معبرة عن حقيقة الإنفاق على النقل، لأن هذه النسبة تعني إنفاق 320 ليرة شهرياً مقارنة براتب 10 آلاف ليرة، أي أن السوريين مقارنة بمتوسط دخولهم رسمياً، والمقدرة بنحو 13 ألف ليرة، يفترض بهم إنفاق 416 ليرة شهرياً على مكون النقل، وبما يعادل 14 ليرة يومياً، وهذا أقل بثلاثة أضعاف مما ينفقه السوريون على النقل في الحدود الدنيا بواقع الحال، فتعديل السلة وتثقيلاتها أساس لازم لاعتماد آلية الربط بين الأجور والتضخم، والتي من دونها لن تنجح العملية في تحقيق الاستقرار المرجو من خلال عملية الربط بين الأجور والأسعار، وبما لا يساهم في تدني قدرة الأسرة السورية على الإنفاق، ويحد من القدرة الشرائية لديها..

تحدٍ في سياق مختلف

وفي سياق التحديات، قد يشكل عدم التزام القطاع الخاص والمشترك، الذي يوظف 70% من القوى العاملة في البلاد، حجر عثرة في وجه إنجاح هذه الآلية، وتجارب الماضي القريب، لا تبشر بالخير على هذا الصعيد، وتؤكد تملص هذين القطاعين من التزاماتهم تجاه عمالهم، سواءً في زيادة الرواتب، أو في رفع الحد الأدنى للأجور، أو بموضوع تسجيل عمالهم في مؤسسة التأمينات الاجتماعية، وغير ذلك الكثير من الحقوق المهدورة للطبقة العاملة السورية، وهذا يعني أن القطاع العام هو وحده من سيكون المعني بهذا القرار،  مما سيبقي شريحة غير قليلة من أصحاب الدخل المحدود خارج عملية الاستهداف بالآلية المقترحة، مما سيفرغها من مضمونها، وسيجعلها حبراً على ورق...

حلقة مفرغة

لن تكون زيادة الرواتب المقترحة قادرة على الحفاظ على القدرة الشرائية للسوريين بالحد الأدنى إذا لم تقترن بزيادة الكتلة السلعية، وهذا هاجس لا يتردد مراقبون للشأن الاقتصادي في البوح به، لأن عملية الربط ستؤدي إلى زيادة الكتلة النقدية بين أيدي السوريين، بفعل زيادة الرواتب مطلع كل شهر أو خلال ثلاثة أشهر، والزيادة الحاصلة في الكتلة النقدية بين أيديهم ستدفعهم إلى شراء المزيد من السلع والخدمات، والمشكلة التي ستجري مواجهتها، هي ضعف الجهاز الإنتاجي من جهة، والعقوبات الاقتصادية من جهة أخرى عن تلبية الطلب المتزايد، مما سيقلل من كمية ونوعية السلع المطروحة في الأسواق، وسيساهم في ارتفاع الأسعار مجدداً، وستنخفض القوة الشرائية، وسيؤدي ذلك إلى الدخول في حلقة مفرغة من التضخم المتسلسل والتراكمي لا تنتهي فصوله..

تثبيت الأسعار كخيار بديل

تثبيت الأسعار قد يشكل مخرجاً أفضل من عملية الربط المقترحة، لأن للإمارات المتحدة تجربتها الناجحة على هذا الصعيد، حيث نجحت في تثبيت أسعار 100 سلعة أساسية، كما أن هناك أكثر من 160 سلعة في الكويت تم تثبيتها أيضاً، لأنه سينعكس ايجاباً على شريحة أوسع من السوريين، وقد يستفيد منها بعض ممن لا يستحقون، إلا أن الربط بين الأجور والأسعار قد يستفيد منه قلة من السوريين، فكتلة رواتب العاملين في القطاع العام نحو 275 مليار ليرة، وحدوث تضخم سنوي بنسبة 3%، سيرفع كتلة الرواتب في الشهر الواحد عملياً بنحو 8.25 مليار ليرة بالحد الأدنى، وبالتالي، فإن ضخ هذه الكتلة النقدية في تثبيت أسعار 60 – 100 سلعة رئيسية قد يكون أكثر جدوى من عملية الربط التي لها تكلفة أيضاً، إلا أن هذه العملية قد تكون مضبوطة بشكل أكبر..