التعويل على الاستيراد لتأمين المادة..والحكومة توزع الدفعة الأولى من مازوت التدفئة
اعتاد المواطنون السوريون البقاء على تماس تام مع العمليات الحسابية الجارية على رواتبهم الشهرية، فاقتراب فصل الشتاء ينذر بضرورة إعادة بند المازوت إلى حساباتهم، خاصة مع الصعوبات الكبيرة في استيراد المادة وعدم كفاية الإنتاج المحلي لتغطية الاستهلاك، فضلاً عن عدم توريد أية كميات حتى الآن رغم الاتفاقات الموقعة مع عدة دول صديقة...
الحكومة السورية بدأت الإعلان عن أرقام وكميات لتوزع على الأسر السورية بدءاً من الشهر العاشر، مخصصة كل أسرة بـ200 ليتر شهرياً كدفعة أولى، إلا أن القدرة على استيراد المادة سيلعب دور الحسم في الكميات التي ستحصل عليها الأسر خلال فصل الشتاء القادم.
المخزون متدن ولا كميات مستوردة
قاسيون توجهت إلى المدير التجاري في وزارة النفط ومعاون مدير عام شركة محروقات، الدكتور ناظم خداج، في محاولة لمعرفة واقع مادة المازوت حالياً الذي لا يبدو أنه مبشر، حيث قال الدكتور خداج رافضاً تقديم أرقام أو نسب عن وضع المخزون، إن «المخزون الاحتياطي متدن مقارنة بالسنوات السابقة وهناك جهود لترميمه، لكن قد لا نتمكن في ظل الحصار الاقتصادي المفروض على سورية من تأمين نسبة الـ40% كاملة، وبالتالي ترتبط القدرة على إيصال الكميات للمواطنين وفق تقديرات الاستهلاك السنوي بتأمين كميات مستوردة».
وتستهلك سورية سنوياً حوالي 7 مليون طن من المازوت، حيث يغطي الإنتاج المحلي الذي يصل إلى 3,4 مليون طن نسبة 60% من الاحتياجات ويتم تأمين الباقي 40% عن طريق الاستيراد.
التوزيع بسعر23 .. مضافاً لها النقل والتوزيع
وعن آليات توزيع الكميات المخصصة على الأسر، بين د.خداج إنه «تركت آلية التوزيع للجان المحافظات، لتقرير الجهة التي ستستعين بها للقيام بعملية التوزيع سواء كانت لجان خاصة للتوزيع أو عن طريق مدراء النواحي والمناطق أو الفرق الحزبية، إضافة لوجود مراكز محروقات التي يمكن للمواطنين التسجيل فيها للحصول على رقم وتاريخ استلام الكميات، مع الحرص على أن لا يفقد المواطن دوره في حال تعذر استلامه الكميات في موعدها».
وتابع خداج إن «المادة ستوزع على المحطات الخاصة إضافة للعامة، حيث تلتزم المحطات بتقديم جداول تبين الكميات المستلمة وتوزيعها، لكن العملية صعبة ومعقدة ومرهقة كثيراً لأن توزيع 200 ليتر يعني أن السيارة عليها أن تصل لحوالي 10 أو 15 منزلاً، وبالتالي تتطلب التعبئة وقتاً طويلاً وإرهاقاً للسائق وعامل التعبئة»، مشيراً إلى أن «الكمية ستوزع بالسعر الرسمي 23 ليرة، لكن تضاف إليها في كل محافظة ما لا يتجاوز الليرة الواحدة كأجور نقل وتعبئة، فقد حددت دمشق وريفها ليرة إضافية، بينما حددت محافظات أخرى 65 قرشاً».
مشاكل بالتوزيع ونقص بالمادة
وعن الثغرات في عملية التوزيع المتوقعة، قال خداج إن «آلية التوزيع تعاني من ثغرات بسبب نقص أسطول التوزيع، والمشاكل الأمنية التي تمنع وصول الصهاريج وتعرضها لاعتداءات، فتأمين الطريق يمنع ابتزاز السائق لصاحب المحطة الذي يقبل بدوره بالمبلغ الكبير المطلوب من الصهريج لإمكانية التعويض والبيع بسعر مرتفع في ظل غياب وضعف الرقابة التموينية عليهم، وبالتالي امتناعهم عن تقديم الشكاوى عن أصحاب الصهاريج لتبقى العملية اتفاقاً بين صاحب المحطة والناقل».
ونوه خداج إلى أن «آلية توزيع مادة الغاز المشابهة لما سيتم اعتماده لتوزيع المازوت، لم تكن فاشلة تماماً، وظهور السوق السوداء سببه الأساسي نقص المادة ما أدى للاحتكار والبيع بسعر زائد، مستغلين حاجة المواطن».
ولفت خداج إلى أن «حجم الاستهلاك السنوي من مادة المازوت ليس ثابتاً ومرتبط بعدة عوامل مثل الظروف الجوية ودرجة البرودة، إضافة لطبيعة سورية الجغرافية غير المتجانسة واختلاف درجات الحرارة فيما بين المناطق، كما يلعب سعر المادة دوراً في كمية الاستهلاك، حيث كان الاستهلاك أكبر عندما كان الليتر يباع بسعر 7 ليرات، إضافة للفروق مع سعر الجوار في سعر المادة وما ينتج عنه من جشع للتهريب».
القسائم والبونات تجارب فاشلة نسبياً
وفيما يخص اعتماد آلية محددة لتوزيع مادة المازوت بعد عدة تجارب غير ناجحة نسبياً، بين خداج أن «تأمين المادة وتوفيرها يعد أولوية قصوى قبل الحديث عن آلية التوزيع، فتوفير المادة يجعل من عملية التوزيع أمراً ثانوياً، لأن نقص المادة يفتح الباب أمام الاستغلال والاحتكار، فضلاً عن سعر المادة وانخفاضه الكبير عن سعرها في دول الجوار ما يغري البعض للقيام بتهريبها».
واعتبر المدير التجاري في وزارة النفط أن «تجربة القسائم أو البونات لم تكن فاشلة بالكامل، بل لها سلبيات وإيجابيات، لكن تم استغلال القسائم بغير مقصدها وتعرضت للتزوير والمتاجرة، بينما الشيكات فقد استخدمت لأغراض أخرى غير المازوت وخلقت ازدحامات على المصارف ما شجع ضعاف النفوس على فتح باب الرشاوى مقابل صرف المبلغ للمواطنين».
الأجور تمنع رفع الدعم
«رفع الدعم عن المحروقات غير ممكن ما لم يتم تحريك الأجور» حسب الدكتور خداج، «فدخل المواطن السوري منخفض عند مقارنته بدول الجوار، كما أن مادة المازوت متداخلة مع جميع مفاصل الحياة والقطاعات من زراعة وصناعة ونقل وتدفئة وغيرها، ما يجعل أثرها شديداً على الأسعار وبالتالي معيشة المواطن».
وحول قرار وزارة النفط بفسخ عقدها مع الصهريج الذي يرفض نقل المادة وما قد يشكله من ضغط على الناقلين في ظل الخطر المحتمل على الطريق، أوضح خداج إن وزارة النفط اتبعت سياسة الترهيب والتحفيز حرصاً على استمرار الصهاريج بعملها ونقل المادة بين المناطق، حيث منحت الناقلين حرية اختيار المحور للنقل عليه بعد أن كان لزاماً عليهم النقل بالتناوب على المحاور القصيرة والمتوسطة والبعيدة، وبالمقابل أصدرت قرارها بفسخ العقود كنوع من الترهيب، لكنه لم يطبق على أية حالة».
أما وضع النقل للمحافظات، فقال خداج إن «النقل إلى المنطقة الشرقية قليل، ويعتمد على الصهاريج في المحافظة وقدرتها على تأمين طريق تستخدمه، فقد دفعتنا الاعتداءات على خطوط نقل المادة فضلاً عن ضرب السكك الحديدية للاعتماد على الصهاريج، علماً أن النقل بالخط أو القطار يغني عن الصهاريج بنسبة كبيرة».
وفيما يتعلق بالتعاقد مع الشركة العامة للإسكان العسكري لمراقبة الصهاريج وحمايتها من الاعتداءات، اعتبر خداج أن «هذه الآلية ليست فعالة في حماية الصهاريج مقارنة باستخدامها لضبط حركة النقل والحد من التهريب في حال خروج الصهريج عن طريقه، علماً أن عدد من المشاريع مطروحة لمراقبة عمل الصهاريج لها علاقة بالأتمتة والمراقبة بالأقمار الصناعية، لكن حتى الآن لم يقر أي منها».
ويبلغ استهلاك الأسرة السورية من المازوت بشكل وسطي 600 ليتر خلال الشتاء، بحيث تستهلك الأسر في بعض المناطق 1200 ليتر وبعضها يستهلك 200 ليتر حسب المناخ.