خمسة وعشرون عاماً من العقوبات وسورية لم تكتسب المناعة
يضحك أحد رجالات الحكومات السورية المتعاقبة، ممن قضى ربع قرن في أحد المفاصل الاقتصادية الأساسية، ( كأغلب مسؤولي سورية) من سؤالنا عن العقوبات على سورية والاستفادة من تجارب الآخرين، ليقول بأنه منذ توليه مناصب متعددة وهو يعمل بمؤسسة قائمة على التكيف مع العقوبات، وبأن السوريين يصدرون تجارب وحلولاً إلى «المعاقبين الجدد».. ولا يعلم إن كانت مؤسسته قادرة على العمل خارج العقوبات بعد اليوم..
ولكنه يقر في الوقت نفسه بأن هذه العقوبات هي من أصعب العقوبات وأكثرها إحكاماً على الاقتصاد السوري وعلى جهاز الدولة، الذي تدل مؤشرات كثيرة بأنه قادر على الصمود..
العقوبات الاقتصادية التي بدأتها الولايات المتحدة الأميركية، واتسعت في الأزمة السورية حالياً لتضم الاتحاد الأوروبي، تركيا والعديد من الدول العربية، في تصعيد هو الأكبر اقتصادياً أي دخول الدول العربية على خط العقوبات.
تصف دراسات من مركز الدوحة ومن قناة الجزيرة بأن هذه العقوبات هي عقوبات موجهة سياسياً وهدفها « قلب الموازين الداخلية على رأس النظام السوري»، عن طريق شل قدرة الدولة على الحركة والهيمنة بهدف « تخليص الشعب السوري»..
وعلى المقلب الآخر، استمرت الحكومة السورية والقيادة السياسية وغيرهم من «المتحدثين الرسميين البارزين» بذم العقوبات الظالمة والتأكيد على قدرة سورية على تجاوز هذه العقوبات وأنها أقوى مما يظن المغرضون؟!
أما على أرض الواقع فالعقوبات لم تؤخذ على محمل الجد، وهو ما يوضح أننا احتجنا إلى خمسة وعشرين عاماً من العقوبات ليستفز وزير الخارجية ويقول في عام 2011 وبعد التصعيد الكبير : «سنمسح أوروبا عن الخريطة... وإلخ...»
كان حرياً بالحكومات السورية أن تنتج نهجاً قائماً على احتمال العقوبات القاسية والعزلة، وأن تفتح خطوطاً أوسع لا أن تترك الاقتصاد السوري «مفتوح البطن» أمام كل الكدمات.
واليوم يشارك كل من البيروقراطية المتعفنة واللامنهجية واللا إبداع والبطء والعرقلة ( وهي الصفات الناتجة عن بنية الفساد التي تهيمن على جهاز الدولة) تشارك يداً بيد في معاقبة السوريين بعقوبات اقتصادية قد تحقق أهداف فارضيها ليس في قلب الموازين الداخلية، أو في تحقيق الغايات السياسية المعلنة، وإنما في هز كل عوامل استقرار الدولة السورية وتهديد المجتمع السوري بالتفسخ.