لسد الحاجات الاقتصادية.. إعادة توثيق العلاقات مع روسيا
اختارت الحكومة السورية «التوجه شرقاً» لسد الثغرات الناتجة عن العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها من الاتحاد الأوروبي وما أدت إليه تلك العقوبات من آثار سلبية على الاقتصاد السوري عموماً، انعكست على معيشة المواطن السوري في تفاصيل حياته اليومية، بشكل غير متوقع.
وبدأت ترجمة مصطلح «التوجه شرقاً» بشكل ملحوظ مؤخراً من خلال تقوية العلاقات الاقتصادية مع روسيا خاصة، لكن لماذا روسيا؟ وهل العلاقات السورية الروسية حديثة العهد ووليدة الموقف؟
أكثر من 60 مشروعاً في أقل من 3 عقود
في نظرة سريعة لتاريخ العلاقات السورية الروسية الاقتصادية، نجد أن عدد المشاريع الكبيرة المنفذة بمساعدة «الاتحاد السوفييتي» السابق منذ منتصف الستينيات وحتى بداية التسعينيات من القرن الماضي، بلغ أكثر من ستين مشروعاً، أهمها «سد الفرات» الذي حصلت سورية بموجبه على قرض بمبلغ 120 مليون روبل روسي عام 1966، كما تم تنفيذ العديد من المشاريع الهامة من مد خطوط السكك الحديدية وإقامة معامل ومصانع وتمويل مشاريع النفط والتجهيزات، ومشاريع تدريبية.
وارتفعت قيمة صادرات روسية الاتحادية إلى سورية من 95 مليون دولار عام 2000 إلى 138 مليون دولار عام 2002، في حين ارتفعت صادرات سورية إلى روسيا الاتحادية من 11 مليون دولار عام 2000 إلى 16 مليون دولار عام 2002.
وتم عام 2005 توقيع اتفاق روسي- سوري للتعاون الصناعي والتكنولوجي، وإبرام اتفاقيات ضخمة ومشاريع كبيرة زادت على 100 مشروع تجاري واقتصادي، فضلاً عن شطب 73 % أي 9.8 مليار دولار من صافي ديون سورية لموسكو، البالغة 13.4 مليار دولار أمريكي.
شروط التبادل التجاري لمصلحتنا ومساره لمصلحة الروس
وبالنسبة للعلاقات التجارية بين سورية وروسيا، يعتبر عام 2006 أفضل الأعوام من حيث معدل نمو الصادرات والمستوردات السورية من روسيا، وباستثنائه كان معدل نمو الصادرات السورية إلى روسيا دائماً سلبياً، حيث بلغ أشد الانخفاض في عام 2008.
أما عام 2009، فقد شهدت المستوردات نمواً إيجابياً لتتراجع بشكل ملحوظ (أكثر من %60) واتصف حد التبادل بالتذبذب وعدم الاستقرار خلال السنوات الأخيرة، وفي الإطار العام نمت الصادرات السورية إلى روسيا بمعدل %7 على حين نمت المستوردات بمعدل %33 خلال كامل سنوات السلسلة، أي إن مسار التبادل كان لمصلحة روسيا.
أما شروط التبادل التجاري فهي لمصلحة سورية، حيث بلغت %4 في عام 2009، ما يعني أن المواد القليلة نسبياً التي تصدرها سورية إلى روسيا تحمل قيمة مضافة عالية.
9 قطاعات اقتصادية قيد التنشيط
زيارة الوفد السوري الاقتصادي إلى موسكو مؤخراً، هدفت إلى تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين في القطاعات الاقتصادية التي تحظى باهتمام مشترك، وضمنها قطاعات النفط والطاقة والنقل الجوي والبحري والسكك الحديدية والصناعة والزراعة والري والصحة والتعليم العالي والبحوث العلمية وتنشيط التبادل التجاري وتحسين الروابط المالية والمصرفية.
وحسب نائب رئيس هيئة التخطيط والتعاون الدولي ريما القادري التي شاركت في الوفد السوري، فإن «سبر الحاجات السورية والخطط التنموية والمجالات التي تخدم الطرفين، أنتج عدداً من المجالات الملائمة لتطوير وتعزيز العلاقات فيها».
واتفاقية واحدة
وتابعت القادري إن «الزيارة انتهت إلى توقيع اتفاقية واحدة فقط»، لافتة إلى أنه «ليس من الهام توقيع اتفاقيات، لأن العلاقات مع روسيا قائمة سابقاً ومنظمة بإطار قانوني يحكمها، فالتوصل إلى التفاهم قد يشكل نقطة البداية للقيام بأي نشاط تحت المظلة القانونية الموجودة سابقاً والناظمة للعلاقات الدولية».
وحول الوثيقة الموقعة مع الجانب الروسي، بينت القادري إنه «وقعنا اتفاقية تأسيس مركز مشترك للتعاون الجيوسياسي التجاري الاقتصادي العلمي والفني والمالي، الذي سيكون له أثر إيجابي على مستوى خدمة قطاع الأعمال، ليكون عنصراً جاذباً لمزيد من النشاطات الاقتصادية سواء على شكل مشاريع أو عمليات تجارية بين القطاع الخاص السوري والقطاع العام من مؤسسات تمارس هذا النشاط، والنظير لهم من روسيا»، مضيفة إن «الجانب الروسي بين أنه قادر على جذب رجال أعمال من دول صديقة أخرى من كازاخستان وبيلاروسيا للقيام بأعمال في سورية، وبما ينعكس إيجاباً على القطاع الخاص خاصة «.
لا وجود لقرض بالعملة الصعبة
وبخصوص الاتفاق على منح سورية قرضاً بالعملة الصعبة، نوهت القادري إلى أنه «لم يتم توقيع اتفاقية تتعلق بمنح قروض بالعملة الصعبة، لكن التعاون المالي جزء من المشاريع من خلال تمويل الشركات للقيام بالمشروع سواء تمويل كلي أو تمويل جزئي، إضافة إلى أن المشاريع تدعم الاقتصاد الوطني فهي نابعة من حاجة تنموية».
تلبية الاحتياجات تفرض الشريك
وحول كثافة العلاقات السورية الروسية مقابل العلاقة مع الاتحاد الأوروبي، قالت القادري إنه « توجد متغيرات على الساحة الدولية، فقد يظهر شركاء جدد يأخذون الساحة لفترة، لكن على المستوى السياسي لم تعان العلاقة مع روسيا من الفتور، أما اقتصادياً فالتعاون الدولي له علاقة بالاحتياجات ومن يلبيها بشكل مطلق، ليلعب دوراً بالوجهة المختارة لإقامة العلاقات، دون حدوث انقطاع مع الجانب الروسي لاعتباره شريكاً راسخاً، فالخط البياني لتوضيح عمق العلاقة هو استمراريتها وعدم وجود انقطاع وتذبذب، خلاف العلاقات مع بعض الدول الأوروبية التي شهدت قفزات في فترة ما ثم تأثرت بالعلاقة السياسية».
ولفتت القادري إلى أن «المجتمع الدولي والعلاقات الدولية تتيح دائماً المنافذ والبدائل، ما يجعل التعطل مستحيلاً، وسورية بحكم نوع اقتصادها سوق واعدة وعطشى للاستثمارات والخبرات وبالتالي التعاون والعلاقات تنتج دائما فرص عمل يطلبها الشريك، مثل العمل في مجال النفط في سورية الذي يعتبر رابحاً، يدفع الشركات إلى التنافس للعمل فيه، وعدم إعطاء الخطورة الناجمة عن الأوضاع الحالية حجماً مبالغاً في التقدير».
مشاريع معلقة تضغط على الموارد
وفيما يتعلق بالمشاريع المقامة بناء على قروض من بنك الاستثمار الأوروبي، أوضحت القادري أن «الاتحاد الأوروبي علق بعض المشاريع، بعد أن قطع بعضها شوطاً كبيراً في الإنجاز، واختارت الدولة السورية لبعض هذه المشاريع التمويل الذاتي رغم ما تشكله من ضغط على مواردها نتيجة تحويلها من قطاعات أخرى، وبعض تلك المشاريع تم البحث عن شريك جديد يقوم بتنفيذها في حال كانت احتياجات طارئة، وفي حال بقيت كذلك مع إعادة ترتيب الأولويات في الفترة الراهنة، التي أعطت الأولوية للمشاريع الخدمية والبنى التحتية لتأمين حاجات الناس من كهرباء وغاز ومازوت».
وتابعت القادري إن «التعاون مع الاتحاد الأوروبي كان قروضاً بشروط ميسرة أي فوائدها صغيرة لأنها تنموية، في الوقت الذي يتعامل فيه الجانب الصيني معنا بهذا الأساس، والتعامل مع الجانب الروسي بهذا الشكل سيخدم السوق السورية والمشاريع التي تحتاجها»، مشيرة إلى أن « فوائد القروض كانت قليلة ولا تتعدى نسبة %2، وفترات السداد لها تعتبر طويلة الأجل لا تقل عن العشر سنوات، 3 سنوات راحة و7 سنوات فترة سداد، حيث تبقى جدولة فترة السداد قائمة لفترات لاحقة».