مفارقة من الأرشيف

مفارقة من الأرشيف

نشرنا في أعدادنا السابقة تحقيقاً عن شركة الفوسفات وتضمن التحقيق مفارقات توضح وجود اتجاه جدي داخل جهاز الدولة في سورية أعاق ولا يزال تغيير اتجاه العلاقات الاقتصادية لسوريا.

ففي شركة الفوسفات ينحصر بيع المادة المنتجة منذ التأسيس تقريباً بعدد محدد من الشركات ومعظمها أوروبية، وذلك على الرغم من الطلب الوارد من شركات أخرى من أوروبا الشرقية مثل أوكرانيا وروسيا البيضاء وروسيا الاتحادية وغيرها لشراء الفوسفات السوري ولو بعينات تجريبية، بداية بقي سعر البيع لهذه الشركات لعدة سنوات أقل من نصف السعر العالمي، وهو ما يعتبر مسؤولية لجنة التسويق المشكلة من وزير النفط السابق ومدير عام الشركة ومدير التسويق إضافة إلى مدير عام المؤسسة العامة للجيولوجيا، المسؤولة عن الإجابة عن الوجهة التي صب فيها فرق السعر..

بالإضافة لذلك تم تنفيذ عقد مع شركة (كوخ) الفرنسية لإحداث معمل لغسيل الفوسفات، على الرغم من أن  الشركة لم تقم بعملية التعويم التي تزيد من تركيز الفوسفات وبالتالي من موقعه التنافسي وتضاعف سعره، ويعود السبب لعدم رغبة الشركة في تحويل مؤسسة تابعة للدولة السورية إلى منافس لشركات الفوسفات الأخرى وخصوصاً شركة الفوسفات الأردنية التي تقوم بعملية التعويم.

نفايات الفوسفات التي بلغت 60 مليون طن، والتي من الممكن معالجتها والاستفادة منها، تقدمت شركة روسية بدراسة مجانية قدمتها للشركة حول إمكانية إنشاء معمل لمعالجة الرواسب، والقيام بعملية التعويم التي لم تقم بها الشركة الفرنسية، ولكن لم تتلق أي رد وبقيت رواسب الفوسفات بلا معالجة.

مصافي النفط التي وقعت عقودها، والتي تساهم فيها كل من إيران، فنزويلا، ماليزيا، روسيا. تركت مشاريعها حبيسة الأدراج بحجة ارتفاع التكلفة الاقتصادية، على الرغم من أن حجم المستورد سنوياً من المشتقات النفطية التي قد تنتجها المصافي، أكبر من تكلفتها الاقتصادية..

ما يعيق هذه التوجهات جدياً هو مستوى سطوة الفساد على القرار الاقتصادي الاستراتيجي، حيث أن للفساد في مفاصل جهاز الدولة الهامة، علاقات وطيدة مع الفضاء الاقتصادي القديم، وبشكل أساسي شركات الاتحاد الأوروبي الكبرى التي لها الحصة الأكبر من التبادل التجاري مع قطاع الدولة وكافة مستلزماته في سورية، ومع مصادر الريع السابقة التي يشكل مال الخليج بوابتها الأوسع، وهذه العلاقة واستمراريتها وإعاقة تغييرها حتى لو كانت مخالفة لمنطق الربح الاقتصادي لهذه المؤسسات لا يبررها، إلا «العمولات الكبرى» بآليات متنوعة، من دفع الرشاوي المباشرة كشرط لترسو المناقصات على الشركات الدافعة، إلى تقديم أسعار خاصة لهذه الشركات مع هامش من السعر للمتنفذين، وغيرها من الأساليب، التي لا يمكن أن تتم عند التعامل مع جهاز دولة، وتتم في حالة شركات احتكارية كبرى لها من السطوة العالمية ما لها..