إلى متى سيبقى الرقم الحكومي مجرد وجهة نظر «يمكن تصيب أو تخيب»؟!

إلى متى سيبقى الرقم الحكومي مجرد وجهة نظر «يمكن تصيب أو تخيب»؟!

قدم النائب الاقتصادي عبد الله الدردري أثناء رده على مداخلات العمال في الدورة الثامنة للمجلس العام للاتحاد (24 – 25 تشرين الأول)، جملة من الأرقام والمؤشرات، ليقول من خلالها للنقابيين أن الخطة الخمسية العاشرة التي أعدها قد أنجزت أهدافها الموضوعة، فقد أوضح الدردري أن كل المؤشرات بالتوازنات الاقتصادية الكلية في الخطة تم تحقيقها (مؤشرات التضخم، الموازنة وعجزها، ميزان المدفوعات، نمو الناتج المحلي)، مبيناً أن كل الظروف التي توقعها فريقه في السيناريو التشاؤمي (النمو سيكون 4%، وسيرتفع معدل البطالة والفقر) حصلت، ومع ذلك حققت الخطة كل أهدافها الاقتصادية من ناحية المؤشرات الاقتصادية الكلية، وحافظت على معدل البطالة إن لم تكن خفضتها، بينما لم تستطع تخفيض معدلات الفقر.. ثم يؤكد أن سورية اليوم غير سورية 2005 فهي اقتصاد قوي، يحقق معدلات نمو ومعدلات ومؤشرات اقتصادية نحسد عليها مقارنة بما يجري في العالم.


هذا رأي النائب الاقتصادي الذي بات الرقم بالنسبة له مجرد وجهة نظر لا أكثر «يمكن يصيب ويمكن يخيب»، لكن للأرقام الحقيقية رأي آخر فيما قاله الدردري.

8,65% متوسط التضخم

النائب الاقتصادي أكد أن وسطي معدل التضخم خلال سنوات الخطة لم يتجاوز 5,5% مع الـ18 التي شهدتها البلاد في 2008، لكن وانطلاقاً من الأرقام الرسمية التي أعلنها المكتب المركزي للإحصاء، نصل إلى أن معدل التضخم التراكمي الإجمالي الذي شهدته سورية خلال سنوات الخطة الخمسية العاشرة وصل إلى 43,26%، وذلك مقارنة بنسبة تضخم إجمالي في الخطة الخمسية التاسعة بلغت 17,34%، وبالتالي فإن متوسط التضخم خلال كل عام من أعوام الخطة الخمسية العاشرة هو بحدود 8,65%، بينما يقول الدردري إن هذا المتوسط لا يتجاوز 5.5%، علماً أننا اعتمدنا نسبة تضخم 15% في العام 2008 بدلاً من 16 – 18% كما قالها النائب الاقتصادي.

 تضخم الأسعار خلال الخطة الخمسية العاشرة

(2006 - 2010)

 العام

 

التضخم بحسب الأرقام الرسمية

 

النسبة الإجمالية

 

2005

 

سنة أساس

 

100%

 

2006

 

10.3%

 

110.3%

 

2007

 

4.5%

 

115.26%

 

2008

 

15.3%

 

132.9%

 

2009

 

2.8%

 

136.6%

 

2010

 

5%

 

143.5%

 

حصة الفرد تراوح مكانها

كما أشار النائب الاقتصادي في حديثه أمام اجتماع النقابات إلى أن حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في سورية - بالأسعار الحقيقية بعد عزل التضخم - ارتفعت من أقل من 60 ألف ليرة سنوياً إلى 75 ألف ليرة سورية في 2010، ونفهم من هذا القول أن حصة الفرد قد ارتفعت بالأسعار الثابتة، لكن الأرقام الرسمية تنفي ما يدعيه النائب الاقتصادي أيضاً، حيث أن الناتج الإجمالي كان في العام 2005 (حسب أرقام تقييم الخطة التاسعة) نحو 1080 مليار ليرة مقارنة بعدد السكان الذين يعيشون داخل سورية البالغ عددهم 18 مليون، وهذا يعني أن حصة الفرد كانت 60 ألف ليرة سورية، وأكدت الخطة في حينها أنه إذا ما حققت الخطة العاشرة نسبة نمو 5%، فإن الناتج المحلي الإجمالي سيصل في نهايتها إلى 1380 مليار ليرة، بينما سيصل لـ1500 مليار ليرة إذا ما حققت نمواً بنسبة 7%، وانطلاقاً مما قاله النائب الاقتصادي عن تحقق السيناريو التشاؤمي، وتحقيق نسبة نمو 4%، فإن الناتج الإجمالي لن يتعدى اليوم 1380 مليار ليرة، وانطلاقاً من هذا الرقم، وإذا ما علمنا أن عدد السكان المقيمين في سورية يقدر بنحو 20.367 مليون نسمة مقارنة بعدد سكان سورية المسجلين في سجلات الأحوال المدنية البالغ نحو 23.027 مليون نسمة، حسب بيانات مكتب الإحصاءات السكانية والأسرية في العام 2010، نصل إلى أن حصة الفرد السوري المقيم من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2010 تصل إلى 67.7 ألف ليرة سورية، إي أن الزيادة لا تتعدى 7.7 ألف ليرة (11% فقط) خلال السنوات الخمس الماضية، أما إذا أردنا حساب حصة الفرد مقارنة بعدد السوريين المسجلين، فإن هذه الحصة لا تتعدى 60 ألف ليرة سورية، أي أن حصة الفرد السوري وبعد خمس سنوات من «الانجازات الحكومية» لا تزال تراوح مكانها!.

الهجرة ثبّتت معدل البطالة

أوضح الدردري أيضاً أن «الخطة الخمسية العاشرة حافظت على معدل بطالة عند 8% إن لم تكن خفضته»، وهذا قد يعكس حقيقة موضوعية لكنها ليست بفضل الإنجازات الحكومية بالتأكيد إذا ما افترضنا صحته، لأن أعداد السوريين القادمين بين العام 2004 إلى نهاية العام 2008 يصل لأكثر من 18.6 مليون قادم إلى سورية، بينما بلغت أعداد المغادرين من القطر خلال نفس الفترة 21.2 مليون نسمة، أي أن الفارق بين الاثنين يقدر بنحو 2.6 مليون شخص مغادر خلال السنوات الخمس الماضية، وهم - دون شك - يشكلون كتلة المهاجرين الباحثين عن فرص العمل في الخارج، وهذا يفسر استقرار معدل البطالة عند 8% إذا ما إذا ما صحت الأرقام الحكومية.

وبالانتقال إلى الإحصاءات الرسمية، نجد أن معدل البطالة وصل لـ 10.9% في العام 2008، ووصل إلى نحو 11.5% في الربع الأول من العام 2009، وهذا يعني أن رقم البطالة لم ينخفض إلا بأرقام النائب الاقتصادي، لأن سورية لم تشهد قفزة نوعية في مجال التوظيف خلال النصف الثاني من العام 2009 أو في العام 2010.

تدني حصة الرواتب والأجور

قال الدردري: «حصة العمل ستكون في نهاية الخطة الحادية عشرة 38% (1500 مليار ليرة) من أصل ناتج محلي إجمالي بالأسعار الجارية يقدر بنحو 4000 مليار ليرة سورية في 2015»، فهذا الانجاز المعيشي الذي يعد النائب الاقتصادي بتحقيقه في العام 2015 ما هو إلا عودة لعشر سنوات إلى الوراء فقط، هذا إذا ما وصلت حصة الرواتب والأجور في 2015 إلى النسبة المعلنة فعلاً، لأنه - وبكل بساطة – كانت حصة الرواتب والأجور 38% من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية الخطة الخمسية التاسعة (2005) بحسب أرقام تقييم الخطة، أي أنه وبعد خطتين خمسيتين (2006 – 2015) تعود حصة الفرد لما كانت عليه قبل عشر سنوات، وهذا يؤكد – من جهة أخرى بشكل غير مباشر - أن حصة الرواتب والأجور قد انخفضت عملياً مقارنة بالناتج المحلي في الخطة الخمسية العاشرة عن ما كانت عليه في الخطة التاسعة.

العجوزات خلخلت التوازنات الاقتصادية

وبالانتقال إلى المؤشرات الكلية التي تم تحقيقها في الخطة العاشرة، فتم دراسة واقع كل من الميزان التجاري وعجز الموازنة العامة، وفي هذا المجال نقول، إن الميزان التجاري السوري حقق فائضاً للمرة الأخيرة خلال العقد الأخير في العام 2003، والمقدر حسب أرقام المكتب المركزي بنحو 29 مليار ليرة، لتبدأ بعدها سلسلة العجوزات في ميزاننا التجاري، والذي بدأ في العام 2004 بقيمة إجمالية تبلغ 43 مليار ليرة سورية، ليرتفع بعدها بشكل تدريجي دراماتيكي 78 مليار ليرة في العام 2005 وإلى 105 مليار ليرة سورية في العام 2007، وصولاً إلى 132 مليار ليرة سوريةفي العام 2008، و131 مليار في العام 2009، في الوقت الذي كان يقدر فيه فائض الميزان التجاري السوري بـ80 مليار ليرة في العام 2002.

وبالانتقال إلى الموازنة العامة، وليس خافياً على أحد أن عجز الموازنة قفز بشكل كبير خلال سنوات الخمسية العاشرة فمن 192 مليار ليرة في العام 2008 أي نحو 28% من الموازنة العامة، مروراً بعجز إجمالي 222 مليار في العام 2009 أي ما يعادل 29.5% من الموازنة العامة، وصولاً لـ 176 مليار في العام 2010 أي ما يقارب 21% من الموازنة العامة، وتعد هذه أكبر العجوزات التي وصلت إليها الموازنة العامة في تاريخها.

أليست هذه هي المؤشرات الكلية التي يفتخر بتوازناتها نائبنا الاقتصادي؟! فهل ارتفاع عجز الميزان التجاري أو الموازنة العامة يعد مقياساً ومؤشراً على توازنات كلية، في الوقت الذي قد تؤدي فيه العجوزات المتسعة للميزان التجاري الأمريكي أمام الصين إلى حرب اقتصادية عالمية!