أزمة البنزين بين الخلل الهيكلي ومرونة الحكومة
ظهرت خلال الأسابيع الماضية أزمة البنزين في محافظة دمشق والمنطقة الجنوبية عموماً لتضم طوابير البنزين إلى طوابير النقص العديدة التي أصبحت رمزاً من رموز الأزمة الاقتصادية الوطنية..
يبدو السبب في أزمة البنزين واضحاً ومحدداً ولكنه ينبئ بامتداد هذه الأزمة وضرورة الانتقال إلى الحلول العملية السريعة .
أنبوب نقل المشتقات النفطية من حمص إلى دمشق والمنطقة الجنوبية متوقف. بينما يبدو أن إمكانيات الحل ليست جذرية إنما هي مؤقتة وعملية وتأخذ شكل التعامل مع الواقع.
مشكلة حيوية
يضخ أنبوب نقل المشتقات النفطية والبنزين تحديداً في يوم واحد حاجة المنطقة الجنوبية لأسبوع، أي في كل يوم توقف يتراكم نقص أسبوع عن الحالة الطبيعية. الأنبوب متوقف منذ أكثر من أسبوعين بسبب الاعتداءات المتكررة والعديدة عليه.
حيث بلغت الاعتداءات في يوم واحد 83 اعتداء، وتتكرر هذه الاعتداءات بعد عمليات التصليح في مناطق مختلفة على طول خط الأنبوب الذي مسافته حوالي 170 كم.
يبدو أن ظروف الأزمة تؤكد صعوبة كبرى في حماية الأنبوب النفطي الممتد بين محافظتي حمص ودمشق، ويؤكد أن استمرار التصاعد الأمني والعنف يمكّن من يرغب بخنق دمشق والمنطقة الجنوبية اقتصادياً من قطع إمداد الوقود عنها..
يذكر أنه بحسب المعلومات الحكومية، لا يوجد نقص في إنتاج مادة البنزين التي لا تزال سورية تصدر كميات فائضة منها، ما يحصر المشكلة في عملية نقل المادة إلى مدينة دمشق، وكذلك الأمر بالنسبة للغاز المنزلي.
ما زالت الحكومة قادرة على اتخاذ الحلول والبدائل الاقتصادية العملية بالنسبة للظرف الراهن ولكنها غير عملية مع استمرارها لفترة زمنية قد تطول. بينما لدى الجميع يقين بأن الحلول السياسية هي الحلول الأكثر واقعية وضرورة على مستوى تراكم الأزمات الاقتصادية التي تصيب القطاعات السيادية واستمرار نشاط السوريين الاقتصادي.
حلول عملية
تلجأ الحكومة اليوم إلى نقل المشتقات المطلوبة بوسائل أخرى تاركة حل وضع الأنبوب النفطي إلى توافقات سياسية قادمة ربما.
فالكميات التي تسد الحاجة اليومية يتطلب نقلها 10 قطارات يومية، أو 900 صهريج. وبما أن قطاع السكك الحديدة بكامله قد سبق أنبوب النفط المذكور في طابور « قطاعات اقتصادية تنتظر الحل السياسي»، فقد بقيت الصهاريج هي الأمل الوحيد للمنطقة الجنوبية.
لم ينجح هذا الحل الطارئ البديل حتى اليوم في تأمين الكميات، حيث يتوفر اليوم حوالي 200 صهريج فقط تصل إلى دمشق من أصل 900 صهريج مطلوبة يومياً تتخصص بنقل البنزين لمصلحة الحكومة.
الحل الوحيد الموجود يفتح على مجموعة من المشاكل الجزئية التي تتطلب مرونة كبيرة لسد النقص.
يبدو من الصعب تأمين عدد الصهاريج المطلوب نظراً لكون أغلب هذه الصهاريج تعود للقطاع الخاص وتطلب تكاليف نقل وأسعار مبالغ بها تصل لحد 200 ألف ل.س وهذا إذا اعتمد كسعر تكلفة النقل اليومية تبلغ 40 مليون يومياً أجور نقل فقط.
محطات الوقود
يكشف النقص الناتج عن الأزمة عن خلل تفصيلي لم يظهر في أيام الوفرة. حيث توضح بأن عدد الكازيات وتوزعها لا يتناسب مع الكثافة السكانية التي تزايدت بشكل كبير في وقت الأزمة مع توسع التعداد السكاني مع نزوح عدد كبير من سكان الريف إلى المدينة. فمدينة دمشق التي تضم في حالاتها العادية قبل الأزمة حوالي 4 مليون نسمة يتواجد فيها أقل من 27 محطة وقود فقط، بينما محافظة الريف تضم حوالي 270 محطة وقود. بينما تبين أن كميات كبرى من الوقود تصل إلى محطات متوقفة في واحدة من انتهاكات قوى الفساد الصريحة.
حول مجموع هذه الإشكاليات وإمكانيات الحل تضطر الحكومة إلى زيادة مرونة عملها وتعبئة كافة الإمكانيات التي تسمح بزيادة عدد الصهاريج ما يفتح إمكانيات تصنيع صهاريج بطرق بسيطة ويدفع الحكومة إلى الاستفادة من آليات مؤسسات أخرى، يضاف إلى ذلك أن معلومات عن فساد «فج» في مرحلة خناق اقتصادي ودور شعبي أوسع نسبياً تفيد بتثبيت ضرورة وجود الرقابة النوعية المتمثلة بالقوى الشعبية المتطوعة، ويسمح بفرض إجراءات وقوانين للرقابة قد لا تكون مفرغة كسابقاتها مع وجود الوزن الشعبي المراقب، ووجود أطراف حكومية جدية، والأطراف الأخرى المحرجة من فضح التجاوزات السابقة. ما قد يوصل إلى المحاسبة والمصادرة للأموال المنهوبة والتي كانت بعيدة حتى عن التصويب والاتهام داخل جهاز الدولة في مراحل سابقة.
نذكر مثلاً الإجراءات التي أعلنت من اجتماع لوزارة التجارة الداخلية مع مديرياتها ووزارة النفط مع مديريات المحروقات بالإضافة إلى المجموعات التطوعية الشعبية في حملة « لقمة الشعب خط أحمر»
• «حل مشكلة نقل المشتقات النفطية عبر تعبئة الصهاريج من الجهات العامة، وتصنيع الصهاريج، وشرائها، إضافة لمعالجة قضية تعرفة النقل وبحثها مع جمعية أصحاب الصهاريج.
• رفع اقتراح للسيد رئيس مجلس الوزراء بضرورة إدراج مادة البنزين على قائمة مهام وأعمال لجان المحروقات في المحافظات، للإشراف على توزيعها ومراقبتها.
• تكليف محافظ ريف دمشق ومدير التجارة الداخلية وحماية المستهلك ومدير فرع محروقات في ريف دمشق، بتدقيق وبيان المحطات غير العاملة خلال 48 ساعة.
• توسيع ومضاعفة نقاط التوزيع السريعة والإسعافية للمازوت والبنزين بإشراف الدولة بشكل سريع.
• توجيه مديريات التجارة الداخلية في دمشق وريفها للبدء بتطبيق العقوبات الجديدة بحق المحطات المخالفة والمستحقة، بمصادرة تلك المحطات من أصحابها.
• الموافقة على اقتراح مدير عام المخابز الآلية بتخصيص الشركات والمؤسسات بخزانات وقود في مقراتها.
• تكليف السيد معاون وزير التجارة الداخلية لشؤون حماية المستهلك بحث إمكانية تطبيق التعبئة الجزئية لمحطات المحروقات، مع السيد وزير العدل.
• تعزيز الرقابة الشعبية والتطوعية بالتعاون مع وسائل الإعلام لنشرها على أوسع نطاق والتشجيع على المبادرة.
• التشاور مع رئيس الحكومة لتشكيل قوى مشتركة بين وزارة التجارة الداخلية ووزارة النفط ومن يلزم من الجهات المختصة، تقوم بدوريات مشتركة في محطات الوقود وأماكن التوزيع على مدار 24 ساعة.»
المرونة مهمة صعبة
الأزمة الاقتصادية في سورية والتي تشهد انفجارات متتالية من مواضع مختلفة ومتراكبة لا تمتلك أعتى الحكومات أن تسد هذه الثغرات التي تفتح اليوم والتي يظهر معها كل الخلل والإهمال المتراكم، لتنعكس أمراض الاقتصاد السوري في كل أزمة منفجرة بفعل عامل أمني أو طارئ. يضاف إلى ذلك عقلية عدم التقبل وغياب المرونة في التعامل مع هذه الحالات الطارئة والتي تصل إلى حد الجمود واللا فعل عندما تصعب مواجهة التعقيدات مجتمعة في أزمة قطاع ما، وعندما تدخل مصالح الفساد الكبير كعامل مسعّر لجميع الأزمات ورابط بينها ومعيق لكل الاتجاهات التي تعمل على إدارة الأزمة وإبداع الحلول الضرورية.
كل هذه الحالات تدفع سلاحف البيروقراطية نحو إعاقة الحلول المرنة المطلوبة بداعي عدم التجريب والتأجيل وغيرها من التسويفات، ولكن لهؤلاء أن يعلموا أن مقتضيات الأزمة وتسارعها ستدفع بنهاية المطاف إلى إزاحتهم عن طرق الحل..