المعونة أتت بعد مخاض عسير.. والتململ الحكومي أخّر إصدارها لعامين! نصف العاملين فقراء.. فما هي حال العاطلين عن العمل إذاً؟!

المعونة أتت بعد مخاض عسير.. والتململ الحكومي أخّر إصدارها لعامين! نصف العاملين فقراء.. فما هي حال العاطلين عن العمل إذاً؟!

صندوق معونتـ«نا» القادم بعد مخاض عسير استمر لأربع سنوات على خلاف القوانين الطبيعية، فمنذ انتهاء الحوار حول اعتماد صندوق المعونة كأحد آليات شبكة الحماية الاجتماعية المفترضة في نهاية أيار 2008، ُطلب البدء بالإعداد لمسح اجتماعي تجريه وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل من أجل تحديد حجم الأسر المستحقة، ولكن عملية المسح تأخرت عاماً كاملاً لتباشر مهامها في ‏شهر أيار من العام 2009، 

وأنهى المسح عملياته، وأصدر نتائجه في نهاية العام ذاته (2009)، إلا أن اعتماد النتائج، وإقرار الدعم وتوزيعه من جانب الحكومة والفريق الاقتصادي قد تأخر حتى مطلع العام 2011، على الرغم من وجود القرار السياسي، وإلا لما كان المسح الاجتماعي قد أجري لهذا الهدف بالذات أساساً!.. فما هي أسباب التأخر الحكومي في توزيع مبالغ صندوق المعونة الاجتماعية على الرغم من أن قرار اعتماده صدر قبل وقت ليس بالقليل؟! وهل من أحد في الأوساط الحكومية يشرح لنا لماذا تجاوز بتلكّؤه قراراً سياسياً نافذاً وما الذي يتوارى خلف ذلك؟!.  الخطة الخمسية العاشرة أقرت فلسفة الصندوق الاجتماعي أيضاً في بداية عهدها، كما أن مستحقي الدعم في 2011، تم تحديدهم بناء على شروط انطبقت عليهم منذ العام 2009، أي أن هناك إمكانية واقعية تفترض تدني مستوى معيشتهم بفعل التضخم المتنامي بتسارع غير قليل بين سلعنا وموادنا الغذائية خلال العامين الفاصلين بين المسح وتوزيع الدعم، وهذا يفترض حصولهم على معونة أكبر، وهو أضعف الإيمان بالتأكيد.

إجحاف متعمد

لم تكن الشروط السبعة التي أُقرت للحصول على دعم المازوت في العام 2010 كافية، أو تلبي طموحات القائمين على صندوق المعونة الاجتماعية، كما أن حيازة المسكن، أو الأراضي الزراعية والماشية، أو الاستدلال من خلال الإنفاق الأسري كقيمة فاتورة الكهرباء أو الماء كافية للحصول على المعونة الاجتماعية، بل إن الشروط دخلت إلى قلب البيوت أيضاً، وفتشت في غرفهم، لتحدد المستفيد من عدمه، فمن المهزلة أن يشترط عليك الصندوق العيش في غرفة واحدة أو في بيت صغير بالإيجار، على ألا يحتوي هذا البيت الصغير أو الغرفة سوى بعض الأثاث لا أكثر، بينما يجب أن يغيب البراد، والغسالة، والتلفزيون، كما أن الغاز الذي تملكه يجب أن يكون أثرياً من النوع الصغير، ومن اعترف بامتلاكه براداً حتى ولو من نوع «بردى» الذي يصل عمر أصغره إلى 15 عاماً، فإنه حرم من معونة الصندوق له، وكل هذه الشروط المتوفرة لم تسعف أغلب الأسر إلا في الحصول على معونة شهرية لا تتعدى 2500 ليرة سورية، فهل هذا الواقع الذي تعيشه هذه الأسر السورية حياة فعلية أم موت سريري فعلي؟!

لقد صنف صندوق المعونة الشعب السوري ضمن أربع مجموعات بحسب فقرها، وهي الفئة (أ)، وتمثل الأسرة الأشد احتياجاً، وتحصل على 3500 ليرة شهرياً، تليها الفئة (ب) بمبلغ 2500 ليرة شهرياً، فالفئة (ج) بمبلغ 1000 ليرة شهرياً، والفئة الأخيرة (د) بمبلغ 500 ليرة شهرياً.

معونة عاجزة

شروط الصندوق الوطني للحصول على المعونة الاجتماعية لم يشمل سوى 415 ألف أسرة، أي ما لا يتعدى 8% من السوريين فقط، على الرغم من أن الدراسات الرسمية والدولية تؤكد أن 11% من السوريين يقعون تحت خط الفقر تقريباً، وهؤلاء جميعهم يجب أن يكونوا حكماً مشمولين بالصندوق، مهما ارتفعت درجة شروطه المجحفة، إلا أن الصندوق لم يشملهم!..

بالإضافة إلى هذا، فإن المسح الاجتماعي ذاته قدّر عدد الأسر الفقيرة بنحو 965 ألف أسرة، منها 400 ألف أسرة من العاملين في القطاع العام، و150 ألف أسرة من المتقاعدين، أي أن من حصلوا اليوم على معونة الصندوق لا يتعدى نسبتهم الـ40% من مجموع الأسر الفقيرة التي شملها المسح بالأساس، وهذا يوضح الفجوة بين الاستهداف النظري والإنجاز الفعلي.

فالمعونة بهذه الطريقة ليست الأسلوب المناسب أخلاقياً، أو اقتصادياً، أو اجتماعياً لإعالة هذه الأسر، لأن هذه الشروط ومبلغ الدعم دفع عدداً غير قليل من الأسر السورية إلى رفضها عند الاستلام، على الرغم من حاجتهم إليها، لأن المعونة المفترضة أذلتهم، كما أنها غير قادرة على تأمين الحد الأدنى من احتياجات هذه الأسر المعدمة لأن يصل سقفها إلى 3500 ليرة شهرياً فقط، فالمطلوب عوضاً عن معونة هذا الصندوق تأمين فرص العمل الدائمة والمستقرة للقادرين من هؤلاء على العمل، بدلاً من إذلالهم بمعونات اجتماعية اسمها يكفي لتحويلهم لـ«شحاذين».

ومن جهة أخرى، يمثل اعتراف المسح الاجتماعي أن 550 ألف أسرة من العاملين والمتقاعدين في القطاع العام هم من شريحة الفقراء، أي ما يشكل نصف العاملين والمتقاعدين في القطاع العام تقريباً، يعني أن نصف العاملين في القطاع الخاص هم أيضاً في خانة الفقراء، لأن متوسط أجورهم ورواتبهم أقل من أجور العاملين في العام بحسب إحصاءات المكتب المركزي للإحصاء، فإذا كان نصف العاملين في القطاع العام والخاص هم ضمن خط الفقر في سورية، فما هي حال العاطلين عن العمل إذاً؟! وإذا ما طبقنا هذه النتيجة التي توصل إليها المسح الاجتماعي فهذا يعني أن أغلب الأسر السورية بحاجة إلى دعم من جانب حكومتهم، وليست معونة تهينهم وتحولهم إلى متسولين شرعيين بورقة حكومية!!..