حكومة بمنطق ردات الفعل، والتراجع «بشحطة قلم».. والسوري «بالع الموس عالحدين»!

حكومة بمنطق ردات الفعل، والتراجع «بشحطة قلم».. والسوري «بالع الموس عالحدين»!

تلويح جاء على لسان مصادر مُجهلة في شركة المحروقات عن وجود مقترح لرفع سعر المازوت مجدداً أسوة بأسعار دول الجوار بعد إنجاز آلية الدعم، في محاولة للقضاء على ظاهرة التهريب، وهو ما لا نستغرب حصوله، لأن حكومتنا الحالية امتهنت ردات الفعل كأسلوب لعملها، هذه الردات التي لا تصلح أساساً كأسلوب للحياة الخاصة، فكيف سيكون صداها ونتائجها في المحصلة إذا ما اعتمدت كآلية للتخطيط والتنفيذ الحكومي على مستوى البلد؟! فالمصادر إذا ما صدقت في تسريباتها، فستحل كارثة على السوريين والاقتصاد معاً..

ما نكرره دائماً، هو أن رفع سعر المازوت بمقدار 350% في نيسان 2008، ساهم في رفع أسعار المواد الأساسية بالأسواق، ودمر الزراعة لارتفاع مدخلات إنتاج العملية الزراعية، وتراجعت أرباح الفلاح لدرجة انعدامها في بعض الأحيان، مما أدى لهجره لأرضه، إلا أن تخفيض أسعار المازوت في عام 2010 بنسبة 20%، وما تبعه من تخفيض آخر في عام 2011 بنسبة 25%، لم ينعكس على الأسعار انخفاضاً، بل حافظت الأسعار على استقرارها، وبقيت على حالها، ولم تستطع كل «التهديدات» الشكلية التي أطلقتها وزارة الاقتصاد تجاه التجار في إعادة الأسعار إلى حالتها الطبيعية، لفقدانها أذرعها التدخلية كآلية وحيدة وناجعة في ضبط الأسعار..

اليوم، وأمام تلويح المصادر بإعادة رفع سعر المازوت بما يساوي أسعار دول الجوار، تتجدد المخاوف من موجة ارتفاع قادمة في الأسعار إذا ما اتخذ القرار فعلاً، وما لهذا الارتفاع من انعكاس سلبي على جوانب حياة السوريين ومستوى معيشتهم، فإذا عاد سعر الليتر إلى 25 ليرة سترتفع أسعار ما يقارب 400 مادة بنحو 50% في الحد الأدنى، وهذا الارتفاع سيؤدي لتراجع القدرة الشرائية لليرة السورية بالضرورة..

إذا ما سايرنا التسريبات الحالية التي تدعي أن القرار جاء لسد ثغرة العجز الحكومي وأجهزته التنفيذية التابعة له عن الحد من التهريب وضبطه، فإننا نقول لهم: «عذر أقبح من ذنب!»،  فعندما كان سعر الليتر 20 ليرة سورية كان التهريب موجوداً، ولم يتوقف، ولكنه لم يكن بالمستوى المرتفع الذي نشهده اليوم، فهل الخمس ليرات التي تم تخفيضها على الليتر هي مربح المهرب فقط، والتي شجعته على زيادة التهريب؟! وهل من المنطقي أن تعجز الدولة عن ضبط حدودها من تهريب المازوت؟! وكلنا يعرف أن التهريب يتم في أغلب الأحيان بصهاريج يمكن مشاهدتها وضبطها، أم أن «دود الخل منه وفيه»؟!..

إذا ما تم رفع سعر المازوت بمستوى دول الجوار، فإنه يجب مقارنتها بالحد الأدنى لمستوى دخل الفرد في هذه الدول لكي تصلح المعادلة، فسعر ليتر المازوت في لبنان 40 ليرة سورية، لكنه محمل بنحو 25% ضريبة على سعره النهائي، ولبنان يستورد كامل احتياجاته بينما نحن ننتجه، كما أن دخل الفرد في لبنان هو ضعف الدخل لدينا، لذلك من الطبيعي أن يكون سعر مشتقاتهم النفطية أعلى بمقدار الضعف من السعر في أسواقنا، وهذا منطق الأمور..

ومن جهة أخرى، يجب التساؤل عن نسبة سعر الليتر في هذه الدول مقارنة بمتوسط الدخول لدى أفرادها؟! فإذا كان متوسط الدخل لدينا 12 ألف ليرة، فإن سعر لتر المازوت يقدر بنحو 0.125%، وفي الحالة الأخرى على لبنان مثلاً، نجد أن سعر ليتر المازوت لا يتعدى نسبة 0.125% إذا ما وصل متوسط الرواتب لديهم إلى 32 ألف ليرة شهرياً، وبالتالي، فإن أسعار المازوت لديهم متدنية إذا ما قورنت بالدخل، وكلنا يعلم أن متوسط الرواتب لديهم أعلى من الرقم الذي تم افتراضه..

الأهم من هذا كله، وقبل تسريب عن نية رفع أسعار المازوت، فإننا نشير إلى أن ليتر المازوت يباع في بعض المناطق السورية بين 21- 22 ليرة سورية، علماً أن سعره الرسمي هو 15 ليرة سورية فقط، إذاً فالمواطن لم يستفد من التخفيض أساساً، بل بعض الحلقات الوسيطة هي التي تبتلع «البيضة والتقشيرة»..

هذا القرار إذا ما صدر، فإنه سيعكس عملية التخبط التي تعيشها الحكومة بين قرار ألغي قبل أشهر ليعود التراجع عنه بعد ذلك، وهو ليس الوحيد، بل إنه حلقة في سلسلة من القرارات التي أقرتها الحكومة ثم تراجعت عنها، لتعكس عجزها عن تكوين الرؤية الجزئية في كل ردة فعل على كل قرار على حدة، وردات الفعل الكلية على مستوى الاقتصاد الكلي..