ضربتان أودتا بحرفة التريكو: الجشع.. والانفتاح الاقتصادي!

ضربتان أودتا بحرفة التريكو: الجشع.. والانفتاح الاقتصادي!

حرفة مميزة أوصلت نتاج العمل السوري إلى أسواق الشمال وروسيا تحديداً، نافست البضاعة الأوروبية ووفرت مدخولاً لكثير من العائلات السورية، فكانت مهنة النساء كما الرجال، حيث قامت ربات المنازل بامتهان التطريز والشك لإضفاء اللمسة المزخرفة على القطع المصنّعة، ليكون عملهنّ دخلاً مساعداً من باب (بحصة بتسند جرة) أو أساسياً في بعض الأحيان..

فمن الحاجة للكساء إلى حرفة أساسية في الحضارة، أجمع الباحثون أن سورية مهد الحضارات شهدت ولادة حرفة التريكو كجزء من عدة حرف تجتمع تحت مسمى النسيج.

حديث أصحاب الصنعة..

محمد بسام تللو صاحب معمل تريكو حدثنا عن هذه الحرفة وحالها المتردي لأسباب لم تكن الأزمة السورية جوهرها..

وقال بسام تللو إن «التريكو يعتمد على خيوط الصوف بشكل أساسي، حيث تعرف القطعة المصنعة من خيوط الصوف بمتانتها، لكن الأكثر انتشاراً والأقل سعراً هو المصّنع بخيط الدرالون من القطن والبوليستر، وكنا نرسل القطع إلى النساء وخاصة في مناطق الأرياف لشك القطع وتطريزها، لكن العمل تطور بدخول الآلات المتخصصة».

وتابع تللو قوله «تشتهر المنتجات السورية بجودتها وإتقان صنعها وقدرتها على منافسة المنتجات الأوروبية، باستثناء عامل واحد لم نستطع كسره، السعر العالي لمنتجاتنا والنابع عن التكاليف المرتفعة للصناعة، فلا تحصل معامل التريكو على أي نوع من التسهيلات أو الدعم خاصة في الوقت الحالي، ومع ارتفاع سعر المواد الأولية من محروقات وخيوط لازمة للعمل».

الجشع ثم التخلي الحكومي والتحرير

ولفت تللو إلى أن «تأمين الخيوط مثلاً كان يتم عن طريق الدولة، عندما كان الاستيراد محصوراً بالقطاع العام، وكنا نحصل عليه بسعر التكلفة تقريباً، وبالتالي كانت المنتجات تباع في السوق بسعر مقبول، لكن تغير السياسات الاقتصادية والتوجه نحو تحرير التجارة أرهق الصناعيين الصغار، ورفع تكاليفهم وسعر المنتجات، فتقلصت سوق التصريف لعدم ملاءمتها لشريحة الدخل المحدود، وخارجاً أصبحت منتجاتنا أغلى ثمناً من نظيرتها الأوربية وصعبت المنافسة».

وفي السياق ذاته كشف تللو عن الممارسات التي ضربت السوق السورية خارجاً، قائلاً إنه « خلال التسعينات كانت الحرفة في أوجها وكان التصدير لروسيا كبيراً جداً، فالعقود تتم بين الدولتين والمعامل تقوم بالتصنيع، لكن بعد ذلك، هناك من قام بما أضر العمل، حيث دفع الجشع ببعض الصناعيين للتقليل من سوية المنتجات اعتقاداً أن حب الروس للبضاعة والطلب الكبير عليها سيغلب على سوء التصنيع، فقاموا بإرسال شحنات كبيرة متدنية الجودة لتقليل التكاليف عليهم بغية الربح الأكثر، وبالتالي تأثرت سمعة البضاعة السورية في روسيا، وعند حدوث الانفتاح كان الناس قد استدركوا الخطأ الذي حدث وحاولوا إصلاحه، لكن الانفتاح كان قوي التأثير».

«فكانت سياسة الانفتاح الضربة القاضية الثانية على الحرفة، حيث تخلت الدولة عن تأمين المواد الأولية، وتدخل القطاع الخاص الذي أغرق السوق بالمواد متحكماً بالأسعار، فضلاً عن دخول المنتجات الجاهزة الآسيوية المنشأ».

وأوضح بسام أن «البضائع التركية والصينية انتشرت في السوق السورية بشكل قضت فيه على منافذ تصريفنا المحلية، وخاصة التركية التي تشبه بضائعنا لحد كبير وبسعر أقل، مترافقاً مع حب الناس لشراء الأجنبي، وبالتالي التاجر سيرغب بالبضاعة الأكثر طلباً وملاءمةً للدخل، أما البضاعة الصينية رغم انتشارها الواسع إلا فأنها ليست قادرة على منافسة المنتج السوري، فالزبون سيرغبها بداية، أما التجربة فستكشف له تدني الجودة وضعف متانتها».

حرفيو العشوائيات خارج الاهتمام

تراجع حجم إنتاج حرفة التريكو  70-80 %، وفي الفترة الأخيرة تلخص الإنتاج في العمل بموسم واحد لمدة ثلاثة أشهر، بينما تغلق المعامل أبوابها باقي السنة، ويوجد العدد الأكبر من معامل التريكو في منطقة الزبلطاني بدمشق بعد أن كانت في الحريقة وسوق الصوف، حيث يوجد في دمشق 1220 منشأة للتريكو والألبسة الداخلية والجوارب، 500 منشأة منها فقط ممثلة باتحاد الحرفيين.

وفيما يتعلق بمنح التراخيص لمزاولي الحرفة، بين بسام تللو أن «منح الترخيص يواجه مشكلة بارزة تتعلق بمكان الورشة، حيث ينتشر الكثير منها في مناطق السكن العشوائي، وبالتالي لا تمنح المحافظة الترخيص الإداري للحرفي، ما يؤثر بدوره على قدرة الحرفي على الانتساب للاتحاد والذي يتطلب الترخيص كشرط أساسي»، منوهاً إلى أنه «لا بد من منح الحرفيين تراخيص مؤقتة مقابل طلب براءة ذمة من الاتحاد، لتقوية التنظيم وتشجيع الحرفيين على الانتساب، فهناك حوالي 22 ألف حرفي منتسب وأكثر من 100 ألف خارج الاتحاد».

في مواجهة التكاليف و»المحافظة»

يستجر الحرفيون المواد الأولية من خيوط قطنية وأكروليك بموجب السعر العالمي، كما يخضعون للعديد من الضرائب والرسوم، ما أصاب الكثيرين بالخسائر والعجز وتوقف 300 منشأة عن العمل وتسريح العمال وتحولهم لأنشطة أخرى.

إلا أن تجار التريكو في سوق الزبلطاني واجهوا سابقاً ممانعة محافظ دمشق لتغيير المهنة، على اعتبار أن السوق أنشئ على أساس أنه مخصص للتريكو، حيث قامت المحافظة بدايةً بختم عدد من المحلات بالشمع الأحمر بتهمة تغيير الصفة من صناعي إلى تجاري، بعد أن اضطر الكثيرون ممن خسروا جراء تراجع المهنة إلى بيع آلاتهم والتحول إلى مهن أخرى أكثر رواجاً وتخديماً للمنطقة، وتطلب تغيير الصفة إلى تكبيد الحرفيين مبالغ إضافية بمئات آلاف الليرات.

كما يشتكي حرفيو التريكو في المنطقة الصناعية بالزبلطاني محافظة دمشق لأجل تعديل الصفة التنظيمية لمحلات الطوابق الأرضية لتحويلها من صناعي إلى تجاري كونها بالأساس تعمل تجارياً، فهذه المحلات تعتبر معارض لبيع منتجات المعامل، لكن محافظة دمشق مازالت تعتمد في تصنيفها للمحل التجاري، بمهني صناعي، في حال كان يبيع منتجات المنشأة.

يشار إلى أن المنطقة الصناعية في الزبلطاني تم إنجازها شراء وبناء وخدمات برأسمال حرفي خالص، وتضم 350 معملاً تتوزع على 17 كتلة عمرانية.‏