حول مؤتمر إعادة (البناء والتنمية)..
دعت كلية الاقتصاد في جامعة دمشق، إلى مؤتمر بعنوان "إعادة البناء والتنمية في سورية" الذي امتد على يومي 26 - 27 من شهر 3-2014، المؤتمر الذي وضع مهمة كبرى وهي مناقشة قضية "إعادة الإعمار"
ومن هنا تأتي أهمية هذه الخطوة الأولى حيث يعتبر مؤتمر كلية الاقتصاد أول مؤتمر داخل البلاد يناقش هذه القضية، بعد أن عقدت ثلاث جهات دولية حتى الآن مؤتمراتها لمناقشة إعمار سورية، وقدمت طروحاتها، وهي البنك الدولي عبر الأمم المتحدة، بواسطة عبد الله الدردري، وتم تسمية ملف القرض (مارسال سورية) بمبلغ 21 مليار $، والثاني من الاتحاد الاوربي عبر المصرف الاملناي "قروض التنمية" من خلال ملفات ومشروعات بعناوين مختلفة مثل (التنمية المحلية)، (تنشيط المجتمع المدني)، و(مساعدة النازحين) وغيرها، وقد تم افتتاح مقر لهذا الغرض في غازي عنتاب في تركيا، أما الثالث من رجال أعمال سوريين وخليجيين تحت اسم (مشروع سيؤول) نسبة إلى المدينة التي عقد فيها الاجتماع ، وقد أعلن عن تأسيس شركات جديدة لهذه الغاية!!، وهذا بحسب ما ورد في محاضرة د. عابد فضلية، الذي أشار إلى أهمية المؤتمر انطلاقاً من ضرورة مواجهة الطروحات الجاهزة لهذه الأطراف..
يعيد المؤتمر شيئاً من دور الجامعة والأوساط الأكاديمية في القضايا الاستراتيجية، فالنقاش الأكاديمي لمسألة إعادة الإعمار يعتبر خطوة نوعية، حيث نجحت الأوراق المطروحة في تثبيت وجهة نظر متقاربة حول العديد من المسائل الهامة، التي تعتبر نقاطاً مفصلية وموضع نقاش لاحق، سيحدد فيما إذا كانت عملية الإعمار ستكون عملية بناء وتنمية، أم بوابة لتقاسم النهب، وإعادة إنتاج الأزمة..
هيئة سياسية وطنية عليا
أكد جزء هام من أوراق العمل المقدمة، على فكرة واحدة اختلفت تسمياتها، وهي إطار وطني يقود عملية إعادة الإعمار، حيث ذكر د.علي الخضر في محاضرته التي كان عنوانها "الأبعاد الإدارية لإعادة الإعمار": "من المفترض إنشاء هيئة عليا لإعادة الإعمار تهتم بالقضايا ذات الصلة، والتي من المفضل أن يشترك في قيادتها الفعاليات الرسمية والاقتصادية الاجتماعية والأكاديمية"، كما رأى أن تمنح هذه الهيئة "السلطات والصلاحيات المطلوبة، وتعتمد في تشكيلها على القوى السياسية الوازنة والفعاليات الاقتصادية الوطنية وعلى الخبراء والمستشارين"، وعليها أن تتكامل مع الوزارات وتتقسم إلى وحدات قطاعية.
إعادة الإعمار برنامج اقتصادي وطني
كما أشارت أغلب أوراق العمل الجدية إلى إعادة الإعمار كخطة وطنية اقتصادية، طرح البعض أن توضع وفق رؤية استراتيجية لسورية بعد 25 عاماً، وذكر في محاضرة "إعادة البناء من منظور التنمية الإقليمية" لـ د. رسلان خضور، ود. زياد أيوب عربش، أن مفاعيل الأزمة الحرب وآثارها يفرض "إعادة البناء" كبرنامج وطني يأخذ بعين الاعتبار تراكم الاختلالات البنيوية الداخلية وتشابكها مع المعطيات الجيوسياسية والإقليمية والدولية.
الخلل الاقتصادي البنيوي سبب الأزمة
حيث بالتكامل مع هذه الفكرة انطلق د.أكرم حوراني في محاضرته "مرتكزات الاقتصاد السوري وكفاءتها في مرحلة إعادة البناء والتنمية" من الخلل البنيوي السابق في الاقتصاد السوري، والذي أسماه "التحول إلى الأزمة"، وأعاده إلى التسعينيات، وصولاً إلى "الخطوات الانفتاحية المتسارعة بعد 2001، والتي توجت في 2005"، بالإضافة إلى سوء توزيع ما تحقق من نمو نسبي، حيث أشار إلى أن العاملين بأجر في سورية وهم 4 ملايين يعيلون 20 مليوناً يحصلون على 35% من الدخل القومي، ليذهب بعدها إلى أولوية قطاعي الزراعة والصناعة، ومتطلبات النهوض بكل منهما، ومن ثم إلى قطاع البناء والتشييد.
الشركاء وإعادة الإعمار
ناقش د. عابد فضلية في محاضرته "تحديات تمويل عملية إعادة الإعمار في سورية" احتمالات تمويل عملية إعادة الإعمار، التي استنتج فيها محدودية الموارد الداخلية في مواجهة عملية إعادة الإعمار، على الرغم من اعتبارها أولوية، وقد طرح في التمويل الخارجي ضرورة اعتماده بشكل أساسي على الدول الصديقة والحلفاء السياسيين (مثل دول البريكس وإيران)، حيث اعتبر د. فضلية أن الحصول على التمويل من هذه الدول، يجنب سورية أجندات سياسية شاذة، مشيراً إلى أن تأسيس بنك التنمية بين دول البريكس، يأتي كنوع من التحدي لسياسات وشروط التسليف والإقراض لدى الصندوق والبنك الدوليين، التي تعد مجحفة وتدخلية، معتبراً أن تأسيس هذا البنك التنموي فرصة لسورية للحصول على أموال إعادة الإعمار.
نقاط على المؤتمر
تضييق المشاركة.. يضيق الطروح
ثبت المؤتمر في عدة أوراق عمل نقاطاً هامة، في تحديد الأولويات الوطنية لعملية إاعادة الإعمار، والتي من الصحيح والمطلوب أن تبدأ بها هيئة أكاديمية كجامعة دمشق، إلا أن هذا لا ينطبق على كافة أوراق العمل المقدمة، التي اتسم بعضها بالعموميات، وجزء هام منها بالخروج عن الموضوع المناقش، فعلى الرغم من أهمية عقد المؤتمر إلا أن عوامل عديدة لم تسمح له بأن يكون على مستوى أهمية القضية المطروحة ونذكر منها..
تضييق طيف المشاركة
يؤخذ على المؤتمر أنه بقي حبيس الإطار الأكاديمي- رغم رأي البعض بتدني مستوى الطروحات الأكاديمية- فقد غابت القوى السياسة والاجتماعية، وباستثناء حضور ممثل عن نقابات العمال وممثلين عن الحكومة (وزراء الصناعة والعمل والتعليم العالي، بالإضافة إلى هيئة الاستثمار السورية، وممثلين عن هيئة تخطيط الدولة) إلا أن غياب القوى السياسية خفض من حيوية المؤتمر..
(جرأة مفقودة)
قد يكون حصر المؤتمر بالوجوه الاكاديمية، هو ما أبعد المؤتمر عن كل الإشكاليات السياسية التي لا تنفصل عن نقاش عملية إعادة الإعمار، ابتداءاً من ضرورة وقف العنف كشرط ضروري للبدء بعملية إعادة الإعمار، وصولاً إلى تحميل الفساد والنهب الداخلي حصته الكبرى من مسؤولية الدمار والتخريب، والوصول إلى الأزمة، وإعاقة إدارتها بالشكل السليم، حيث بقي المؤتمر على السطح في العديد من الأمور ولم يحسم الجدل الكبير الذي سيدور لاحقاً حول القضايا الأساسية لقضية إعادة الإعمار، وهي: مصارد التمويل، ومن سيديرها، والتي من المفترض أن تشكل موارد الفساد المتراكمة تاريخياً وأرباح أمراء الحرب الحديثة، جزءاً رئيسياً منها، وأن توضع الآليات لمصادرتها. الفساد كعنوان لم يشكل جزءاً حتى من أي ورقة عمل مطروحة، ولم يمر إلا بمقاطعات وجمل عرضية، تترافق بجمل عامة مثل "ضرورة إبعاد شبح الفساد!!"
نتائج أو خطوات لاحقة!! لا يوجد
انتهى المؤتمر كما بدأ ولم يصل إلى توصية أو ورقة عمل موحدة، أو وضع إطار عمل مستمر ومتوسع، وهو ما يلغي أهمية الإضافات القليلة التي قدمت، و الثوابت الإيجابية التي وضعت، فكان على المنبر الأكاديمي أن يعمق الخطوة الأولى التي خطاها بأن يدعو الحكومة، إلى تشكيل إطار وورشة عمل دائمة للتحضير لإعادة الإعمار، وتحديداً أن المؤتمر قد تحسس نقطة هامة، وهي جاهزية الأطراف الدولية غير الصديقة التي تعقد المؤتمرات حول إعمار سورية، مقابل غياب أي طروحات جدية داخلية.. فكان من المعيب أن تتضارب أرقام تقديرات خسائر الازمة، وأن تأتي مداخلات الجهات التنفيذية المشاركة كهيئة الاستثمار وهيئة التخطيط ووزارة العمل، ووزارة الصناعة، دون أرقام وبيانات دقيقة وشاملة..
من واجب جميع الأطراف الاجتماعية في سورية من جهات سياسية وفعاليات اقتصادية واجتماعية وأكاديمية، أن تستحث "برودة الحكومة" في التعامل مع هذا الملف الساخن، وأن تدفع جميع القوى الوطنية لتحضير فعال لمنهج وخطة متكاملة لعملية إعادة الإعمار، لأن هناك من يخطط ليأخذ السوريين على حين غفلة، ويحول إعادة الإعمار، إلى عملية تقاسم للحصص، وإعادة إنتاج للأزمة، عوضاً عن كونها عتبة لإعادة البناء والتنمية كما يطرح المؤتمر..
كواليس المؤتمر
• علق أحد أساتذة قسم الاقتصاد بقوة، ومن موقع الغيرة على منبر كلية الاقتصاد بحسب تعبيره، على المستوى المتدني لأغلب أوراق العمل المقدمة، معلقاً بشكل خاص على مداخلتي هيئة الاستثمار وهيئة التخطيط اللتين لم تبتعدا عن الجمل العريضة، ولم تعطيا أي إضافة جديدة.
• سأل أحد أساتذة جامعة دمشق أحد المحاضرين الذي توجه بالشكر للمكتب المركزي للإحصاء لتعاونه في تأمين البيانات للمحاضر، حول كيفية حصول المحاضر ومركز الدراسات الخاص الذي يعمل به على هذه البيانات، فلطالما كان جواب المركزي لطلاب وأساتذة جامعة دمشق..نعتذر عن إعطائكم أي رقم..!
• قام بعض طلاب الدراسات العليا بتقديم مداخلات في نهاية الجلسة الثانية للمؤتمر إلا أن رئيس الجلسة الثانية لم يفسح المجال الكافي وطالبهم بعدم "إلقاء المحاضرات"!! ودار بينه وبين عدد من طلاب الماجستير سجال حول أهمية منح الوقت للشباب..
• قدم أحد المحاضرين ورقة عمل تضمنت صوراً من زيارة أخيرة قام بها إلى بروكسيل، استعرض فيها صور الطرقات منتقداً المواطن السوري الذي يعبر بشكل فوضوي بين السيارات! والذي لا يضع سيارته في المرآب المخصص! بينما وثق بالصور كيف أن حتى الحيوانات في بروكسيل لها مواقفها الخاصة، مع العلم أن جمهور الحاضرين كان ينتظر محاضرة عن إعادة إعمار شبكة النقل والمواصلات وفق معايير التنمية المستدامة!!
• عمد أحد المسؤولين الحاضرين، إلى الابتعاد بحسب تعبيره عن "الكلمات والخطب العصماء، والإلقاء العفوي في هذه اللحظات العصيبة من عمر الوطن" ما أطال أمد مداخلته وأدخلها في متاهات من الحديث المكرر والممجوج، وهذا ما ساعد الحاضرين على تقبل الكثير من الخطب العصماء اللاحقة برحابة صدر!