الإسكوا: «تعبئة الموارد» تستدعي «رفع الدعم»!
جاء الدردري إلى قلب دمشق وفي جعبته مشروع إعادة الإعمار وتأهيل البنى التحتية لسورية ما بعد الأزمة، ليقابل الدبلوماسية السورية التي بدورها أشادت بالحقبة الدردرية ما قبل الأزمة حيث أوردت وسائل الإعلام الرسمية تأكيد المقداد نائب وزير الخارجية بأن سورية «حققت خلال السنوات التي سبقت الأزمة الحالية خطوات واسعة في عملية بناء الاقتصاد والبنى التحتية»
أما ممثل مدير التنمية الاقتصادية والعولمة في الإسكوا فيرى أن انتهاء الأزمة السورية سيكون في عام 2015 ليبدأ إعادة الإعمار، أما هدف الزيارة فكان بحسب الإعلام الرسمي أيضاً حول «تقديم الخيارات المتاحة والأولويات والاحتياجات لمساعدة الحكومة السورية في جهدها لتعبئة الموارد بعد انتهاء الأزمة».
الإسكوا وتعبئة الموارد
لا نحتاج إلى تصريحات «الشفافية الإعلامية السورية» لمعرفة المضمون المنهجي، وحتى لتقدير الخيارات والأولويات التي تطرحها المنظمات الدولية والإسكوا تحديداً وهي اللجنة الاقتصادية الاجتماعية لغربي آسيا التي تعمل وفق ميثاق الأمم المتحدة وضمن سياسات تحفيز النمو والتنمية الاجتماعية التي تطرحها الأمم المتحدة..
والإسكوا التي تضم حوالي 14 دولة تعتبر منطقة نزاعات، وتكثر لديها الدراسات والأبحاث التي تختص تحديداً في «إدارة الأزمات والنزاعات» وهي تركز على ترتيب أولويات الحكومات في مناطق النزاع لتعبئة الموارد كما ورد في لقاء الدردري الذي نقلته وسائل الإعلام الرسمية..
وفي ترتيب هذه الأولويات تظهر نقاط مفصلية تضعها أبحاث الإسكوا في إدارة ميزانيات النزاع حيث ترى أن الحكومات في أوقات الأزمات وما بعدها عليها أن تركز في سياساتها على عنوان عريض «تعبئة الموارد الداخلية»
تعبئة الموارد الداخلية كما تراها الإسكوا
وتطرح المنظمة تعبئة الموارد الداخلية كتحد أمام الحكومات التي عليها أن تهيئ مواردها لما بعد النزاع، حيث وضعت الإسكوا التزامات أمام مجموعة دول المنظمة في توافق مونتيري الموضوع في عام 2002 (وقد الذي يضع جملة سياسات كلية يربطها بتعبئة الموارد، وسنركز على جانبين أساسيين في عملية «التعبئة»
ضغط النفقات الحكومية وإدارتها بكفاءة
تقيّم الإسكوا النفقات الحكومية من خلال معيار تحقيق أهداف الألفية التي وضعتها الأمم المتحدة والتي تشمل سبعة أهداف (القضاء على الفقر، تعميم التعليم الابتدائي،تعزيز المساواة بين الجنسين، معدلات وفيات الأطفال، تحسين صحة الأمهات، مكافحة فيروس نقص المناعة الإيدز، ضمان الاستدامة البيئية، مؤشر مركب للأهداف الإنمائية للألفية) إلا أن توصيات الإسكوا في توجيه النفقات الحكومية خلال الأزمة لا تتطابق كثيراً مع تحقيق هذه الأهداف لأنها تنطلق من فكرة النفقات التي تحفز النمو وتهيئة البيئة المناسبة للأعمال، فتتحول «النصائح الأممية» إلى توصية للحكومات بتحويل الموارد القليلة المتوفرة في الميزانية العامة من النفقات الجارية والاستهلاك إلى «الاستثمار العام» والذي يتحدد باستثمارات البنى التحتية وبعض المنافع العامة التي تزيد من الإنتاجية الهامشية للمدخلات الخاصة، لتحفيز الاستثمار والنمو. أما زيادة كفاءة الإنفاق فتعبر عنها أبحاث المنظمة «بالتوجه للإنفاق على تأمين المنافع والخدمات العامة في مقابل حصة الإنفاق على البيروقراطية»، وهو ما يفسر عملياً بـ «إعطاء الأفضلية لتأمين الخدمات والبنية التحتية على الرواتب والنفقات المتكررة الأخرى».
الايرادات الضريبية
النقطة الثانية من تعبئة الموارد هي زيادة الإيرادات الضريبية وتنظيمها، ولكنها لا توضح المطارح الضريبيبة المقصودة أو الفئات التي تدعو لتوسيع تحصيل الضريبة منها، إلا أنها في سياق أبحاثها، تنتقد أيضاً تأخر الدول الأعضاء عن الالتزام بتطبيق ضريبة القيمة المضافة التي تفرض على المستهلك النهائي ولكل السلع، بينما تدعو لتخفيف الضريبة على قطاع الأعمال بناء على هدف تحفيز النمو..
من الواضح لكل المتابعين أن البرامج الاقتصادية الاجتماعية التي تضعها اللجان الاقتصادية الاجتماعية التابعة للأمم المتحدة هي برامج الليبرالية الاقتصادية، وهي على الرغم من وضعها للأهداف الإنمائية كهدف وسمت إلا أن السياسات الاقتصادية الكلية التي ينصح بها لتحقيق الأهداف الإنمائية تمنع تحقيق هذه الأهداف..
الأجور والدعم الاجتماعي إنفاق فائض
تلخص المنظمة في أبحاثها المنشورة في عام 2012 حول تقييم الإنفاق العام في دول المنظمة مفهوم النفقات الفائضة والنفقات الحكومية الضرورية حسب وجهة نظر المنظمة حيث تنتقد دراسة «التقدم المحرز في البلدان الأعضاء في الإسكوا نحو تنفيذ توافق آراء مونتيري» -التي أجرتها المنظمة في عام 2012- اتجاه بعض الدول نتيجة الحراكات الشعبية مع بدايات عام 2011 إلى زيادة الإنفاق العام المؤقت والطويل المدى والمبتعد عن بنود التوافق المذكور سابقاً معددة جملة الإنفاق الحكومي غير الضروري ونذكر منها كما وردت في الدراسة: إصدار البحرين قرار بتوزيع مساعدات مالية على العائلات، والكويت التي أعلنت عن توزيع حصص غذائية لمدة 14 شهراً وفي عُمان أنشئ صندوق لدعم الباحثين عن العمل، والسعودية باشرت ببناء 500 ألف وحدة سكنية وزيادة الحد الأدنى للاجور في القطاع العان بنسبة 19% ودعم المؤسسات الإئتمانية لتمكينها من تقديم القروض لشريحة أكبر من المواطنين. وفي اليمن صدر قرار قضى بزيادة الأجور وتوسيع التغطية الاجتماعية لتشمل 500 ألف عائلة إضافية وإعفاء الطلبة من الرسوم وفي مصر قرار بزيادة الأجور بنسبة 15% وتخصيص جزء أكبر من الموازنة لاستيراد القمح، وفي الأردن اتخذت المملكة قرارات بزيادة مخصصات الحماية الاجتماعية وتخفيض الضرائب على الوقود والغذاء كما رفعت أجور العاملين في الخدمة المدنية والمتقاعدين. أما في سورية فقد اتخذت إجراءات لزيادة مخصصات العاملين في القطاع العام وتحويلات الفقراء والحد الادنى للاجور وتوسيع التغطية الصحية للمتقاعدين من الخدمة المدنية.
الحكومة التي واجهت استحقاقات اقتصادية كبيرة في الأزمة، اكتفت محصلة سياساتها بتخفيض الإنفاق الحكومي، لتنتج سلسلة من قرارات رفع الدعم لم تستطع سنوات من الليبرالية و«الاستقرار» أن تفرضها، قد تفسر أجندة الإسكوا لتعبئة الموارد التي تتركز بتخفيض الإنفاق «الفائض» هذا السلوك لتدل على قرار بالتزام بهذه الأجندة وبها فقط.. ليكون مجيء الدردري هو ما طفا على السطح من التوافق على إعادة الليبرالية الاقتصادية «بحلة دولية جديدة».. ولذلك علينا أخذ الحذر ليس من الوجه الليبرالي القديم الجديد فقط وإنما من أجندة هيئة دولية تدفعنا «لإعادة تجريب المجرّب».